شكل المنتدى العالمي لتحالف الحضارات، الذي نظمته الأممالمتحدة واحتضنه المغرب في الفترة ما بين 22/23 نونبر 2022، واحدا من الفعاليات الدولية الكبيرة التي استطاع المغرب أن يُنظمها ويضمن نجاحها سواء على الصعيد الأمني الذي زاد من حجم الثقة في المغرب ليكون حاضنا لمختلف المؤتمرات والفعاليات الأممية والدولية، أو على الجانب المتعلق بمختلف الترتيبات اللوجيستيكية والإمكانيات التي تم توفيرها والطاقات البشرية التي اشتغلت على ضمان نجاح هذا المؤتمر الهام الذي شد أنظار العالم للمغرب وجعله قبلة داعمي حوار الحضارات والتعايش بين الشعوب والأديان والتسامح خاصة الشباب والنساء والمجتمع المدني. لقد شهد هذا المنتدى حضور وزراء خارجية دول ومسؤولي وسفراء وكبار الشخصيات المعروفة بتأسيسها لفكرة حوار الحضارات، كرئيس الحكومة الأسبق رودريغيز ثباتيرو، الذي ساهم في كلمته بتقديم تأطير نظري وإنساني بليغ لفكرة المنتدى، والذي ترأس أشغاله كل من وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونائب الأمين العام للأمم المتحدة وممثل الأممالمتحدة لتحالف الحضارات ميغيل موراتينوس، وهي الرئاسة التي عكست مكانة المغرب في هذا المنتدى وفي حضوره الفاعل توجيهاً وتأطيراً، وإدارة له. المنتدى الذي احتضنته مدينة فاس شهد حضوراً ملكياً رمزيا كبيراً طغى على جل أشغاله، بدءا من الرسالة التي وجهها له جلالة الملك وتلاها المستشار الملكي أندريه أزولاي، وهي الرسالة التي دفعت مضامينها في اتجاه طرح القضايا والانشغالات الملكية ذات البعد الأممي المعني بها المنتدى قصد مناقشتها، وهي انشغالات مرتبطة بسياق «يتسم بتزايد الأسباب والدوافع التي كانت وراء إنشاء تحالف الحضارات» وهي دوافع ارتبطت بما يواجهه العيش المشترك اليوم إذ « لم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديد بشكل يومي»، حسب ذات الرسالة، كما أن أشكال التطرف «باتت تهمين على النقاشات وتقصي الخطابات المعتدلة» « وتثير الشعبوية والقلاقل والاضطرابات داخل المجتمعات.. «، و»عادت قارات إلى استعمال الأسلحة والعنف بجميع أشكاله وتجلياته»، « كما أن الإرهاب ينتعش من نزوعات الانفصال»، لذلك فقد أظهرت كل هذه الوقائع التي تهدد العالم اليوم، حسب ما ساقته الرسالة الملكية للمنتدى، الحاجة لبناء تحالف حضاري كبير للإجابة عن كل الأسئلة المرتبطة بمختلف التهديدات التي تقوض فرص التعايش والعيش المشترك وتقبل الآخر، وهو ما قدمت بعض عناصر الإجابة عنه هذه الرسالة التي أبرزت كل ما قام به المغرب من أدوار طلائعية في تجسيد مختلف القيم الإنسانية الكونية، بدءاً من حماية اليهود المغاربة خلال فترة سطوة النازية، ثم ترسيخ التسامح بينهم وبين المسلمين في العالم لنصل للمرحلة الحالية حيث يتم إبراز المكون اليهودي كمكون وطني وحضاري إلى جانب باقي المكونات التي تشكل الهوية المغربية، وما قام به العاهل المغربي الملك محمد السادس في هذا الإطار لحماية المقدسات الدينية في القدس واستقباله للبابا فرانسيس الذي وقع معه نداء القدس سوى واحد من النماذج الكبرى، التي تبين الحرص الملكي على ضمان التعايش والسلام وتقبل الآخر، دون أن ننسى أن المغرب هو من تقدم للجمعية العمومية بالقرار الأممي عدد 73/328، الذي حظي بتصويت غالبية الدول أعضاء الأممالمتحدة ويصبح اليوم مرجعاً أممياً في تحالف الحضارات. لقد برز في المنتدى تأثير الرؤية الملكية الحضارية على المنتدى، من خلال مختلف ردود الفعل التي تلت تلاوتها، بدءاً من الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اعتبرها رسالة دعم معنوي ومادي للمنتدى وللتحالف الأممي، وقد كان استقباله من طرف الملك رسالة واضحة لهذا الدعم للمنتدى، كما أن ممثل الأممالمتحدة لتحالف الحضارات موراتينوس أعاد التذكير بالرسالة الملكية في كلمته وأشاد بمضامينها معتبرا إياها رسالة تأطيرية للمنتدى ولكل أشغاله، دون نسيان مداخلات مختلف الوفود الحاضرة التي أخذت الكلمة معلنة عن تبنيها لمضامين الرسالة بمحتواها الداعم لقيم التعايش، الحوار ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية والشعبوية. المنتدى كشف عن الدور المحوري للملك محمد السادس في عمله باعتباره المؤطر له من الناحية الإنسانية، القيمية، وهو دور يعزز من فرص نجاح عمله المستقبلي في تحقيق أهدافه بفضل ما يحظى به الملك من ثقل في الساحة الدولية وثقة وقدرة على حشد الدعم الدولي لعمل المنتدى ككل، هذا الدعم الدولي المعنوي والمادي هو أكثر ما يحتاجه المنتدى في الفترة المقبلة خاصة مع تزايد حجم المخاطر التي تحدثت عنها الرسالة الملكية، وهي مخاطر تغذي مختلف النزوعات اليمينية المنتجة لخطاب الكراهية والشعبوية التي لا تقدم أي حلول، والتهديدات المناخية والنزاعات المسلحة والانفصالية ذات الارتباط بالإرهاب...وهي كلها تحديات لا يمكن مواجهتها إلا بإرادة صادقة في الانخراط في مضامين إعلان فاس الذي قدم الخطوط العريضة لرهاناته الكبيرة، وهي رهانات تقاسمها الإعلان مع الرهانات الملكية الكبرى التي عبرت عنها الرسالة الملكية للمنتدى.