يندرج خطاب العرش، الأخير، في بنية شاملة عنوانها الأكبر الإصلاح… وهو لبنة أخرى تنضاف إلى ما تراكم لدى المغرب في عهد الملك محمد السادس من ثقافة إصلاحية، تنوعت ميادين الاستثمارات فيها… ومنذ الخطاب، الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى المسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات والأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين، يوم 12 أكتوبر 1999، أي منذ أوائل الخطب بعد توليه العرش، اتضحت القاعدة الإصلاحية، عندما ختم جلالته الخطاب بالآية الكريمة:" إن أريد إلا الإصلاح"، وهوما أعطى المعنى للقاعدة الشرعية والأخلاقية والسياسية التي ستقوم عليها فلسفته في الحكم وفي التدبير الوطني. لم تكن للمغرب موارد طبيعية كبرى ولا مصادر للثروة التي توجد لدى الكثيرين، فاختار من البداية تثمين الثروة البشرية، وجعل الإصلاح أحسن طريقة للاستثمار فيها…. اقتصاد الإصلاح، قد يكون عنوانا، كما أن الاستثمار في الإصلاح، يجعل الفكرة عندما يعتنقها شعب بكامله بنصفيه وكل طبقاته الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، بمهمشيه وبقواه المعطلة، يجعلها قوة مادية وثروة تكاد تكون طبيعية في مواجهة ما تطرحه التطورات من أسئلة ومن معادلات… وفي الخطاب الذي وجهه إلى رجال السلطة الترابية كان ملك البلاد قد أعطى العنوان لما يمكن للإصلاح أن يقدمه للمغرب… ما قدمه المغرب للإصلاح وضعه في مكانه دولية، في ترتيب الدول القادرة على الحركية التنموية في نفس الخطاب، والذي ورد فيه أن المغرب قد استطاع القيام بإصلاحات جذرية أكسبته مصداقية ومكنته من بناء مشروع مجتمعي يستند إلى الديموقراطية تدعمها تنمية مستديمة…» واتضح في الخطاب الأخير أن القوة الإصلاحية للبلاد لم تتأثر بما تحقق ولا بما تبين من عراقيل ظرفية أو بنيوية، بل يتمكن المغرب من تسمية الأشياء بمسمياتها عندما يقتضي الأمر ذلك، كما في حالة "العراقيل المقصودة" في وجه الاستمرار، كما يمكنه أن ينتقل إلى فصل ثاني في إصلاح جذري يهم الإصلاح الاجتماعي، بما هو إصلاح مركزي في بناء مقومات مجتمع دينامي، وارد على التطور. لقد أعطى ملك البلاد دفعة جديدة للإصلاح الاجتماعي من خلال الأسرة، وأعاد تأطير الثورة الإصلاحية في هذا المجال وحرض على مزيد من التنوير العقلاني، الذي يقرأ الأمور في موضوعيتها، أي بدون تجاوز المقومات الضامنة للسلام الروحي للمغاربة… واضح أن جلالة الملك، وضع الشرعيات الدينية والدستورية والتاريخية في خدمة الإنسان المغربي ضمن انسجام دقيق، بين مكونات الوطنية المغربية، والخطاب الأخير نموذج للقوة الإصلاحية المستمرة في الزمان وفي المكان، وهو عنوان للاستثمار في الإصلاح. إصلاح المدونة في المرحلة الثانية من التجديد، والإصلاح في الاستثمار من أجل مرحلة جديدة، كما الاستثمار في إصلاح ذات البين، مع الجوار الشرقي، بالرغم من العناصر المناهضة له… والمغرب يدرك، كما نبهنا إلى ذلك ملك البلاد، أن ما هو عملي واستراتيجي وبعيد المدى، لا بد من أن يكون موضوع إصرار واع وعقلاني، يجمع العاطفي والتاريخي والإنساني… وفي الواقع لقد نبهنا ملك البلاد إلى أن الثوابت يجب أن تتحرر من الاندفاعات التي قد تكون مبررة ولكنها غير معقولة وغير منتجة… فالمغرب لا يحتاج إلى عدو خارجي لبناء شرعية نظامه أو شرعية سياساته أو خلق التماسك الوطني الهش، بل هو متجذرالشرعيات، التاريخية والروحية منها كما الشرعيات الديموقراطية، التي جعلها الملك محمد السادس ثابتا رابعا من ثوابت الأمة… ومن عناصر الاستمرار في الإصلاح، الاستمرار الاجتماعي، وهو شعار إصلاحي بالنسبة لمجتمع يريد أن يؤمن المستقبل لأجيال من أبنائه وتأمين المستقبل لكي لا يكون مجبرا على إصلاحات قادمة أكثر جدية وربما أكثر قسوة، والاستمرار في الإصلاح لا يقف عند التأهيل القانوني التشريعي، للنصوص والمراسيم، والإجراءات الإدارية… إلخ، بل يتعداها إلى التحفيز العام للمواطنين للانخراط في دينامية متجهة إلى المستقبل، وخلق دينامية تعزز الهوية الوطنية والانتماء إلى بلاد تطور نفسها من أجل أبنائها… لقد تبين أن المغرب "«بيأ" الإصلاح وجعله جزءا من بيئته الروحية والمدنية، وجزءا من بيئته السياسية والاجتماعية، ولم تعد الكلمة مخيفة أو تثير التحفظ . عبارة إضافية عند الحديث عن المدونة وكل ثورة، يجب أن تبدأ بإصلاح القاموس على حد قول الشاعر الكبير فيكتور هوغو في موضوع المدونة التي انتقلت تسميتها من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة، في إشارة إلى ما هومطلوب من الإصلاح… إصلاح القاموس هنا يحيل على فكرة جديدة في فهم تكوين المجتمع وخلاياه ومعناه…