كيف أصبحت الصحة قيمة عليا أكثر من باقي القيم «القيم المجتمعية لما بعد الأزمة» كانت موضوع أربعاء سفارة المغرب بباريس، وذلك في نقاش مع الفيلسوف الفرنسي اندري كونت -سبونفيل، الذي طرح أمام الحضور إشكالية القيم ما بعد أزمة كوفيد19، التي قلبت عددا من القيم والأولويات، والتي جعلت من منافع مثل الصحة تتجاوز قيما كبرى مثل الحرية والسعادة، وأصبح الهاجس هو الحفاظ على الصحة أكثر من الحفاظ على قيم أساسية، تساءل في هذا الإطار الفيلسوف الفرنسي. وكانت الصحة والحرية أحد أكبر المواضيع التي عالجها الفيلسوف في هذا اللقاء الذي تم بسفارة المغرب بباريس وقام بتنشيطه الفيلسوف والناشر فرنسوا ليفوني، والذي حضرته العديد من الفعاليات الثقافية والجمعوية المغربية والفرنسية، وذلك بعد استئناف أربعاء السفارة الذي توقف مند سنتين بسبب الإجراءات التي رافقت وباء كوفيد. وفي كلمة الترحيب بالحضور قال سفير المغرب بفرنسا محمد بنشعبون « القراءة لك والسماع لك هو متعة السفر في فكر متفرد، والذي لا يمكننا إلا الإعجاب بقوته وعمقه وانسجامه.» في كتابك الأخير، «متعة التفكير « وهو مقدمة فلسفية، تتحدثون كيف تساعدنا الفلسفة على التفكير أحسن من أجل العيش أحسن…ونجحتم في تشكيل فلسفة متميزة تنهل من نصوص ابيقور، مونتين وسبينوزا، من أجل إعطاء معنى لمجتمعنا الحديث، ولإيجاد ما سميتموه « حكمة من أجل زمننا.» وأضاف السفير في تقديمه، أن « الأزمة اليوم هي متعددة: الوباء الذي لم ينته بعد، التغيير المناخي، التضخم، ومخاطر الخصاص الغذائي…وتراكم هذه الأزمات التي لا نعرف مدتها، ولا كيف سوف يتم تجاوزها تطرح عدة تساؤلات…»، يقول سفير المملكة بفرنسا. وحول وضعية الصحة التي جعلتها أزمة كوفيد على رأس الاهتمامات، يقول الفيلسوف إن فرنسا اليوم تتوفر على أحسن منظومة صحية وأطباء بكفاءة عالية، واليوم يعيش المواطنون أمدا طويلا، هذه منجزات لم تشهدها فرنسا من قبل وهذه فرصة كبيرة أن نعيش في مجتمع يقدم خدمات صحية جيدة وفي نفس الوقت نعيش في ديموقراطية حرة، لكن هذه الحريات تعرضت للتراجع بسبب الكوفيد، ما بين الحجر الصحي، والحد من التنقل، وحالة الاستثناء، والجواز الصحي، هي كلها قرارات حدت من حرية الأشخاص بشكل لم تشهده فرنسا مند عدة عقود باسم الحفاظ على الصحة. وذكر الفيلسوف كيف أصبحت الصحة قيمة عليا أكثر من باقي القيم، وقال إن الإنجيل لم يتحدث عن الصحة كقيمة عليا بل تحدث عن الحب وأوصى المؤمنين بحب بعضهم البعض، وأن الحب هو قيمة أكبر من الصحة في المنظومة الدينية، وأضاف أنه حتى شعار الجمهورية الفرنسية ليس هو» صحة، المساواة وأخوة» بل هو «الحرية، المساواة والأخوة»، وأضاف أن الحرية لها قيمة أكبر من الصحة، وهناك قيم أخرى مثل الحب، الشجاعة، العدالة هي أكبر قيمة من الصحة التي تعتبر مجرد منفعة. وهو نوع من العدمية أن نعتبر الصحة فوق كل القيم، مثل من يعتبر المال فوق كل شيء. حالة الخوف التي تسبب فيها هذا الوباء لم نشهدها من قبل، الخوف من الوباء والخوف من الموت، لكن هذا الخوف عوضه الخوف من اللقاح الذي تم اكتشافه في وقت قياسي، والخوف من اللقاح لم يقض على الخوف من الوباء، يؤكد الفيلسوف. وتساءل سبونفيل، في هذا اللقاء، كيف أنه في فرنسا تم اتخاذ قرار الحجر الصحي، وهو قرار كان ضروريا من أجل الصحة ومن أجل المصلحة العامة لإيقاف انتشار الوباء، لكنه قرار في نفس الوقت ضحى بحرية الشباب، الذين لم يكونوا معنيين إلى حد كبير بتداعيات هذا الوباء، وكيف تمت التضحية بحقهم في الذهاب إلى المدارس، وفي الاحتفال وفي الخروج من أجل الصحة، وكيف تم تغليب منفعة هي الصحة على قيمة مهمة، والتي هي الحرية، وهي حرية هؤلاء الشباب في عيش حياتهم، وبين كيف أن الأزمات مثل وباء كوفيد ساهمت في قلب مكانة القيم المجتمعية. الفيلسوف الفرنسي تحدث في لقائه أيضا عن دور الأزمات في اتخاذ قرارات مهمة، وكيف كان وباء كورونا بالمغرب مناسبة لإطلاق المشروع الملكي، وهو ورش تعميم نظام الضمان الاجتماعي على المواطنين بالمغرب، وهو ما يعطي معنى لكلمة أزمة باللغة الصينية والتي تعني أن الأزمة تتضمن مخاطر لكن في نفس الوقت هي فرصة لاتخاذ قرارات مهمة. وآخر الإصدارات للفيلسوف كونت -سبونفيل كان هو « متعة التفكير» بمنشورات فيبر، وهو كتاب يضم حوالي 500 استشهاد بالنصوص الكبرى للفلسفة، والذي ضمّنه مواضيع مهمة مثل الموت والحياة، الحرية والعزم، قيمة المعارف، طبيعة السعادة، الحب والحكمة. وهذا الفيلسوف الذي ينتمي للتيار الإنساني المتأثر بالمدرسة الابيقورية، له العديد من الكتب التي ترجمت إلى حوالي ثلاثين لغة، من أهم كتبه « معجم الحب لمونتين». رغم الأزمة والكوفيد فإن القيم لم تتغير، الحرية، الشجاعة، الشهامة، هي كلها قيم مستمرة ولم تختف لكن تم قلب سلم الأولويات، وأصبحت منافع مثل الصحة تتصدر الأولويات على قيم مهمة مثل الحرية، فنحن نعيش من أجل السعادة وليس من أجل الصحة، يقول الفيلسوف كونت سبونفيل.