"حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    وزارة الخارجية الصينية تستقبل بوريطة    الاتحاد الاشتراكي يحذر من "تغول الذكاء الاصطناعي" في الانتخابات ويدعو إلى تنظيم استعماله    المتقاعدون يدعون إلى العودة للاحتجاج ورفع المطالب والتنديد بالأوضاع المتردية    وزير الصحة يتفقد مؤسسات صحية قائمة وأخرى في طور الإنجاز بإقليمي الناظور والدريوش    أرقام رسمية تكشف المستفيدين.. النساء والمغاربة بالخارج يستحوذون على 70% من دعم السكن    قفزة غير مسبوقة في واردات المغرب من اللوز الأمريكي    المغرب يتصدر موردي الأسمدة للاتحاد الأوروبي متجاوزا روسيا والجزائر    معدل التضخم يثبت في منطقة اليورو    مورينيو يُرشح لتعويض لاجي ببنفيكا    عداء مغربي يحرز للبرتغال ذهبية 1500 متر في بطولة العالم    أولمبيك مارسيليا يترقب جاهزية نايف أكرد قبل مواجهة باريس سان جيرمان    طائرة طبية تتدخل لنقل طفل مريض    حقوقي بالناظور: زيارة التهراوي لاتكفي ويجب وقف الزج بصحة المغاربة في كماشة الخوصصة    المساجد في المغرب بين العناية الملكية وحاجة ملحة لمزيد من النظافة والتنظيم والتأطير    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    الحسيمة.. توقيف شخصين متلبسين بتنظيم الهجرة السرية وحجز زورق مطاطي    مبرزو التربية الوطنية يضربون من أجل المطالبة بإنصافهم    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الاتحاد الأوروبي يقترح فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحرب على غزة        التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    والي بنك المغرب يشدد على أهمية التعاون العربي في المجال النقدي    زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ترشيد "الروشيرش"... النيابة العامة توجه دورية لعدم الالتجاء لبرقيات البحث إلا عند الضرورة القصوى    الأمن يكشف حصيلة حوادث السير بالمدن المغربية    تصفيات مونديال 2026.. جيبوتي يختار ملعب العربي الزاولي بالدار البيضاء لمواجهة مصر    الرجاء يوضح قواعد حضور جماهير مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    وهبي يكشف لائحة أشبال الأطلس لمونديال الشيلي    تحذير للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات بوجود ثغرات في أنظمة إلكترونية        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    السيارات الكهربائية: المغرب يحتضن أكبر مصنع للبطاريات        الجيش الإسرائيلي يعلن قصف "أكثر من 150 هدفا" في مدينة غزة منذ الثلاثاء    غرق مركب الصيد "أبو الهناء" بسواحل الداخلة وإنقاذ كامل طاقمه    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    بوبريك: 24 مليون مستفيد من التغطية الصحية و4 ملايين أسرة تحصل على الدعم المباشر    مع تكثيف القصف.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن إقامة "مسار انتقال مؤقت" لخروج سكان مدينة غزة    إيران تعدم شخصا بتهمة التخابر لصالح إسرائيل    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    الصين تطلق قمرا اصطناعيا اختباريا لتكنولوجيا الانترنت    15 ألف عداء مرتقب في سباق 10 كلم بالدار البيضاء    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتحي المسكيني: 2- الثّقافات لا تعيش أزمة الوباء بالطّريقة نفسها
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 - 04 - 2021

سعينا في حوارنا مع الفيلسوف التّونسيّ فتحي المسكيني إلى محاولة قراءة نتائج وارتدادات وباء كورونا من وجهة نظر فلسفيّة، وقد تمخّض عن الحوار خلاصات على درجة عالية من الأهميّة، اتّضحت في بنية النّص الفلسفيّ الحواريّ والسّجالات الّتي طرحها، والّتي حتماً سوف تُثير إشكاليات كثيرة. تشابك فيلسوفنا مع ما يعتبره كثيرون من اليقينيات، لا سيّما المرتبط منها بالعلاقة بين الدّينيّ والواقعيّ المؤلم؛ فما "صنعه الإله التّوحيدي" حول صورة الإنسان كسرته وحشيّة الوباء.
إنّ آدم هذا قد فقد فجأة عصمته الأخلاقيّة الّتي كان يستمدّها من إرادة «الخلق» الّتي جعلته في «أحسن تقويم». فهذه «الصّورة» الإلهيّة لم تعد صيغة أخلاقيّة مفيدة إلاّ بالمقارنة مع عالم «الحيوانات" الّتي «سمّاها» وسخّرها.
أمّا أمام عدوى «الفيرسات» فإنّ آدم قد صار فجأة عرضة لهجوم "غير مرئي" هو لا يملك أيّ سياق أخلاقي للصّمود ضدّه. كانت خطّة الآدميّة قائمة برمّتها على قدرة آدم على "تسمية" الحيوانات وتفويض السّيادة عليها بموجب إرادة الإله الخالق. وذلك تحت استعارة "الفخّاريّ" الّذي يسيطر على "صورة" الطّين أو شكل المصنوع الّذي يريد تشكيله أو "تقويمه" من مادّة أو من صلصال الخلق الّذي هو متاح له.
هذه الاستعارة فقدت بريقها. لم يعد لدينا أيّ استعارة مناسبة سوى "اللاّمرئي"، والّذي غيّر من طبيعته بشكل مرعب. لم يعد اللاّمرئيّ ميداناً يمكننا أن نحتمي منه بواسطة جهاز "الغيب" الّذي وفّره الإله التّوحيدي.
إنّ "صورة" آدم لم تعد تفيده في شيء؛ لقد تحوّل فجأة إلى مساحة وبائيّة مفتوحة عابرة للأجسام، تخترقها الفيروسات دون أدنى اكتراث بالفرق الأخلاقيّ (ذكر/ أنثى) أو العرقيّ (أبيض/أسود) أو السّياسيّ (حاكم/ محكوم) أو الدّينيّ (مؤمن/غير مؤمن)،...إلخ. لا يعني ذلك أنّ الفيروس "ديمقراطي" بل فقط أنّه ينشّط مادة عضويّة أو وراثيّة سابقة على كلّ تاريخ البشر، ومن شأنه أن يضع كلّ سردياتهم عن أنفسهم أو عن آلهتهم موضع سؤال. إنّ "اللاّمرئي" هو الميدان الجديد للمعنى. وكلّ عصر التّقنية مع اكتشاف اللاّمرئيّ أو المجهريّ بعامّة، وخاصّة مع الفيروسات إبّان انتشارها الوبائي، قد دخل مرحلة جديدة تماماً من تطوّر الحياة على الأرض لا أحد يمكنه أن يسيطر على مسارها المطّرد نحو المجهول. إلاّ أنّه علينا أن نحترس من أيّ ادّعاء حول مواجهة قد تقع بين "التّكنولوجيا" و"اللاّمرئي" باعتباره علامة على "المقدّس"؛ وذلك بالأساس لأنّ اللاّمرئيّ ليس مقدّسًا. وهذا هو معنى أنّه قد غيّر من طبيعته. إنّ بؤرة الصّراع قد صارت توجد في موضع آخر. لقد تمّ أيضاً علمنة اللاّمرئيّ بلا رجعة. ومن هذه النّاحية يمكن أن نجازف بالقول إنّ اكتشاف اللاّمرئيّ (الفيروسات، ولكن أيضا الميكروبات والإشعاعات...) بوصفه "ميدانًا" برأسه، مستقلاّ في قوانينه عن العالم "المرئيّ"، قد كان حدثًا رائعًا حرّر "الإنسان" من حدود سرديّته "الآدميّة" وفتح أمامه إمكانيات ومساحات لامتناهيّة من أشكال المعرفة الّتي تتجاوز حتّى خطط "الذّاتيّة" الحديثة حول علاقتها بالكون. وذلك أنّ هذا الاكتشاف قد أيقظ الإنسان من سبات ميتافيزيقي من نوع آخر تماماً: مختلف عن الإهانات الثّلاث الّتي تمّت له من قبل، نعني طرده من مركزيّة العالم (كوبرنيك) ومن السّيادة الأخلاقيّة على الحيوانات (داروين) ومن سلطة الأنا على حياته النّفسيّة ( وفرويد). لقد تمّت هذه المرّة إهانة جسمه أو إرثه الجينيّ: أنّه لم يعد (أو لم يعد يُعامَل بوصفه) "صورة" إلهيّة بل مجرّد مساحة وبائيّة لا يستطيع بأيّ وجه أن يرسم حدودها وبالتّالي لا يملك أي وسيلة حقيقيّة لحمايتها. وهذا يعني أنّ مشكلة الجسد" سوف لن تُطرح منذ الآن بالطّريقة نفسها. وهنا نفهم طرافة تساؤل هابرماس عن "مستقبل الطّبيعة البشريّة". إنّ التّكنولوجيا تدعونا إلى مراجعة سرديّة "آدم" التّوحيديّة (والخروج من تاريخ البراءة والخطيئة) والانخراط في استفهام من نوع جديد حول مدى قدرة الجينوم البشري على البقاء في عصر اللاّمرئيّ، ولاسيّما اللاّمرئيّ البيو-تكنولوجيّ أجبر وباء كورونا البشريّة على الانكفاء والانزواء في المنزل خوفاً من العدوى والموت والتزاماً بقوانين الدّولة. فلسفياً، ما معنى أن تختزل حياة ملايين البشر في منازلهم، وأن تضيق مساحات التّلاقي بينهم وتُختصر إلى حدودها الدّنيا بعدما جعل الوباء الآخر/ الغريب تهديداً محتملاً أو عدواً لامرئياً؟
_ لمفهوم «المنزل» تاريخ فلسفي عريق وقد اختلط بمصطلحات الفلاسفة بشكل مبكّر، حيث كان مصطلح oikos، ἶκος يعني أكثر من مجرّد «البيت» الّذي نأوي إليه: كان يعني كلّ مساحة العيش داخل الأسرة الموسّعة حيث الاشتراك في «السّكن» و»الغذاء» و»الإنتاج»... إلخ. و»تدبير المنزل» (oikonomía) هو «ناموس المنزل» حيث يمكن أن يحتفظ الأب/المواطن بما هو "خاصّ" أو حماية ما هو "ملك" له. وكان أرسطو يقيم فصلاً صريحاً بين (oikos) المنزل من حيث هو مجال غير مسيّس للعمل العائليّ بالمعنى الفلاحيّ، وهو المكان المميّز للنّساء) و(polis) المدينة من حيث هي مجال السّياسة المفتوح على "الأغورا" ساحة السّوق وموضع الطّقوس، وهو المجال المميّز للرّجال). وهذا يعني أنّ التّمييز بين تدبير "المنزل" (فضاء الحياة الخاصّة) وتدبير "الدّولة" (الفضاء العمومي) هو حدث سياسي قديم، وكان يطرح دوماً مشكّلاً عويصاً حول سياسة الحياة: هل يتعلّق الأمر، كما نرى ذلك لدى أرسطو، بمجرّد تمييز بين سلطة "مدبّر المدينة" أو "السّياسي" (politikon) وسلطة «مدبّر المنزل» (oikonomikon)، أم هو يشير، كما قرأ ذلك المعاصرون، مثل حنا أرندت إلى إشكاليّة خطيرة جدّاً تهمّ سياسة الحياة: حيث أنّ "المنزل" مقصي تماماً من "الفعل" السّياسيّ (فعل المواطنين) لأنّه محصور في مجال "العمل" الجسديّ و"الشّغل" الحرفي (نشاط النّساء والعبيد).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.