ليس هذا الكتاب (الصحوة: النفوذ اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية) مجرد سيرة ذاتية ساحرة لشخص مثير للجدل جداً، بل هو كتاب يتجرأ على مواجهة أكثر القضايا تحدياً في العصر الحديث بأمانة فائقة. ليس كتاب ديفيد ديوك (الصحوة) لضعاف القلوب، أو لأولئك المعتدّين بنظم معتقداتهم، بل لأولئك الذين لا يخشون من أن تحفزهم الحقائق والأفكار التي ربما تضع المعتقدات الراسخة موضع تساؤل. إنه كتاب ثوري تطوري ربما (يهز الحضارة من الأعماق) كما يقول غليد ويتني (Glade Whitney) العالم البارز في علم الوراثة السلوكي. يكرس ديفيد ديوك معظم كتابه لوجهة نظره في الأعراق وتضميناتها المجتمعية والتطورية، ولكنه حكاية مثيرة لرجل عرف بوصفه صورة كاريكاتورية رسمتها له وسائل الإعلام المعادية.
تعرض الشيخ خليل عبد الكريم لهجوم لاذع من طرف المؤسسة الدينية الأشهر في العالم العربي والإسلامي (الأزهر الشريف)، بسبب كتابة الأكثر إثارة للجدل (فترة التكوين في حياة الصادق الأمين). وقد بدأ خليل عبد الكريم حياته في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه بدأ يبتعد تدريجيا عنهم، ويسلك طريقا هو النقيض. لقد انتقل من صفوف الإسلاميين، و بدأ يقترب رويدا رويداً من الرؤية اليسارية، وقد كان من المؤسسين لمنبر اليسار عام 1976م قبل أن ينضم إلى حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» حيث أصبح أحد قادته، وأحد مسؤولي الاتجاه الديني فيه! وأول كتبه كان بعنوان «الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية»، ثم وضع ثلاثة عشر كتاباً تناول فيها جوانب مختلفة من الحياة الإسلامية، من أهمها «النص المؤسس ومجتمعه» في مجلدين، و»شدو الربابة في أحوال الصحابة» في ثلاثة مجلدات، و»فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» عن حياة النبي محمد. ولقد كان خليل عبد الكريم من الشخصيات المشاكسة في كتابتها، وكان لا يعبأ بالمقدسات الدينية، وكان يرى أنه من خلال الظواهر والوقائع الاجتماعية يُمكن تفسير الديني أو ما يسميه هو «الظاهرة الدينية»،بشكل مختلف ومغاير! وكان يؤكد أن مشروعه يسعى لإعادة صياغة التاريخ الإسلامي ووضع الفرد المهتدي بالدين، والرسالة في المجتمع ضمن سياقها البيئي وتطورها المعرفي المرتبط ببعدي الزمان والمكان. وكان يرى أن الظاهرة الدينية في نشأتها ترتبط بالمكونات البيئية وما تحويه من عادات ومعتقدات وطقوس تشكل سياقاً اجتماعياً مهيمناً، يتداخل سلباً أو إيجاباً في بناء المنظومة التي جاء بها النبي أو تجيء بها الرسالة. وقد تطرق لذلك في كتابه «الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية»، وقد حاول أن يربط فيه بين تعاليم الرسالة المحمدية وما كان سائداً من نظم اجتماعية في عصر قبل الإسلام. ولم يتوقف خليل عبد الكريم عند هذا الحد، بل تعداه بجرأة أكبر نحو مناطق أكثر حساسية في الثقافة الإسلامية، فكتب حول علاقة المرأة بالرجل في مجتمع يثرب، وحول قريش القبيلة والدولة، وصولا إلى «شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة»، و»فترة التكوين». وقد رفعت عليه «جبهة علماء الأزهر» قضية حسبة وطالبت بمنع كتابه «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» من التداول، و اعتبرت في بيان لها أن ما جاء في الكتاب «كفر صريح»، و طالبت الحكومة بمعاقبته. وفي كتابه هذا حاول أن يُلقي الضوء على الفترة التي سبقت نزول الوحي على النبي محمد في مكة، وهي الفترة التي اعتبرها المؤلف فترة التكوين التي مكنت الرسول من أن يتلقى الرسالة و ينهض بها. ويزعم في كتابه أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت قد «أهلت» نفسها لمساعدة الرسول في دعوته بعد سماعها من ورقة بن نوفل عن قدوم رسول للعالمين، أي أنها كانت تعرف بنزول الرسالة على محمد وأن زواجها من محمد لم يكن بدافع الحب أو الإعجاب بأمانته أو أي دافع آخر؛ فقد كان ابن عمها ورقة بن نوفل من الأحناف وكان يعرف العبرية، ويترجم عنها ما جاء في كتب اليهود وأحبارهم. ويقول أيضاً إن السيدة خديجة وابن عمها ورقة بن نوفل، وكذلك الراهب بحيرى، الذي تنبأ بأن يكون محمد هو الرسول المنتظر عندما رآه في قافلة تجارية متجهة إلى دمشق هم الآباء الحقيقيون لهذا الدين، وأنه يريد رد الاعتبار لأدوار هؤلاء الأشخاص في حياة النبي وخاصة في فترة التكوين الأولى من حياته!! وقد أصدر الأزهر تقريراً حول أحد كتبه وهو «النص المؤسس ومجتمعه»، وقد بدأ التقرير بتأكيد حقيقة «أن المؤلف اعتاد أن يصوغ أحقاده الشيطانية ضد الإسلام وضد كتابه العظيم ورسوله الكريم، وأصحابه الكرام البررة في شكل مطبوعات يفاجئ بها الرأي العام حينا بعد حين، وقصده من كل هذه المساعي الخبيثة أن يطفئ « نور الله « الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم .. وقد جهل هذا «الحاقد» أو تجاهل أن هذه الأمة التي صنعها القرآن منذ أكثر من أربعة عشر قرنا كتبت لها شهادة ميلاد، ولن تكتب لها شهادة وفاة حتى يرث الله الأرض ومن عليها». وأوضح التقرير «أن المؤلف يهدف إلي التشكيك في القرآن الكريم والإيهام بأنه من تأليف البشر (الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه) وليس من عند الله، فزعم أن القرآن أخذ من أفكار بعض الصحابة التي كانت تثار في عملية الجدل الحواري، ثم يصوغها الرسول في آياته وسوره، فالقرآن عند «المؤلف» نصوص تفاعل في صياغتها ما أبداه الصحابة من آراء!! وعلى هذه الأوهام كان يعتمد في مطبوعاته كلها وقد صرح هو بها مرات عديدة، ولذلك لم يقل: أنزل الله كذا، بل يقول: «هلت آية أو أشرقت آية أو انبثقت آية رامزا بهذا إلى أن القرآن مصنوع في الأرض لا وحي من عند الله». ويضيف التقرير:»في الوقت نفسه الذي رمز فيه المؤلف إلى أن القرآن العظيم» وليد الأرض « أضفى على توراة موسى عليه السلام صفة النزول من « أعلى» أي هي وحي من عند الله، وفى ذلك يقول» إن توراة موسى .. هبطت من أعلى .. أما القرآن العظيم فلم يظهر مرة واحدة « ص 228 .. وهنا يظهر الفرق بين اللفظين «هبطت من أعلى» في وصف التوراة: و»لم يظهر مرة واحدة» في وصف القرآن .. فالهبوط لا يكون إلا من علو، والظهور يكون من كل مكان ولا يشترط فيه أن يكون من علو!!» ويزعم المؤلف أن تحريم الخمر كان تحقيقا لرغبة عمر بن الخطاب!!.(ص 63)