المفكر محمد سبيلا يدعو إلى اتباع المنهج العقلاني الرشدي في التفكير لمحمد عابد الجابري الهوية كانت دوما محط صراع بين نظرة ثبوتية وسكونية واختزالية، ونظرة حيوية ديناميكية
قال الدكتور محمد سبيلا، إن الروح التي لازمت ووسمت فكر الجابري، هي الروح الرشدية بمعنى الروح العقلانية ورديفتها الروح التاريخانية والواقعية. ودعا سبيلا في ندوة نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله حول «المواطنة والهوية»، إلى إلزامية اتباع هذا المنهج العقلاني الرشدي في التفكير وهذه الروح التي طبعت الفكر الجابري والتي تطبع أيضا مدرسته المغربية واتباعه الرشديين المغاربة. وأبرز المفكر المغربي محمد سبيلا فيما يتعلق بموضوع الهوية، الذي يعتبر موضوعا إشكاليا له إغراءاته ومخاطره وفيه منزلقاته، بحيث هناك رؤى متعددة للهوية واستعمالات للهوية وتوظيفات ايديولوجية للهوية، باعتبار أن الهوية كمفهوم ومصطلح لا يتضمن مفهوما معينا، مبدئيا الهوية متعددة وألوانها كثيرة، هناك هويات ، الهوية الاشتراكية والهوية الإسلامية والهوية العرقية والهوية الثقافية… وأشار في هذا السياق إلى أن الهوية الثقافية، تعبر عن أقوى مضامين الهويات، فإذا ما تم اتخاذها كمحور أساس للتفكير، نلاحظ أنها كانت دوما محط صراع بين نظر ثبوتية وسكونية واختزالية من جهة، ونظرة حيوية ديناميكية من جهة أخرى، وهذان القطبان لازما باستمرار طرح مسألة الهوية في إطار تصور سكوني استاتيكي أو تصور دينامي. وفي هذا الصدد، أضاف سبيلا أن التصور الاستاتيكي يمكن أن يكون مقبولا في إطار منطق صوري، لكن عندما يتحول إلى منطق التاريخ فالأمر يتعلق بمستوى التاريخ والمجتمع، فنحن واقعون في إطار السياق، فالهوية الثقافية هوية تاريخية متحولة وإسقاط النظرة السكونية فيه نوع من الإجحاف. وساق المفكر المغربي مثالا بهذا الخصوص، لما سمي «بالثورات العربية أو الربيع العربي»، التي كانت محط صراع بين الهوية أومفهومين للثورة، اتجاهات اعتبرت هذه الاحتجاجات حركية اجتماعية تطالب بالهوية وتحقيق نوع مهيمن للهوية، لكنه يرى أن ما حدث ليس حركة حيوية من أجل الهوية ، بل حركية حيوية من أجل التغيير والحياة، وهي محاولات لفرض الفعل الأساسي، الذي هو فعل التغيير والحرية وتحقيق الحيوية الاجتماعية وتحقيق المكاسب التاريخية الحيوية. وفي نفس الوقت، لفت سبيلا النظر إلى أن الوعي حاصل بأن هذا التوجه نحو الهوية وأقلمته وأسطرة الهوية وإضفاء طابع غير تاريخي على الهوية، قد طبع التاريخ العربي الحديث، مشيرا مثلا إلى أن حركة التوجه الإسلامي قد تخلت عن مفهوم النهضة الذي كان هو المنبع وتم التركيز على مسألة الهوية، التي لها جاذبيتها وإغراءاتها ومحاذيرها وربما مخاطرها. وسجل سبيلا في هذا الإطار أن القول بالهوية يجب أن يكون واعيا بالوظيفة الأساسية للتهوية التي هي حماية الذات وصيانتها من عواصف التاريخ وتحولاته وهذه مسألة تزداد صعوبة لأننا في إطار التاريخ الحديث،نجد أنفسنا في تحول من التاريخ البارد إلى التاريخ الساخن باعتبار أننا نتحدث عن الحداثة. فنحن أمام تحولات عميقة وتحولات عاصفة، تحولات خارجة عن إطار الذوات والإرادات. فهناك سيرورة تاريخية. وأكد سبيلا أن هذه التحولات الكبرى إن كنا لا نراها، فنحن نلامسها بعض ملامحها، فهي تحولات تحرج التصور التقليدي للهوية ، وهذا يشمل كل المجتمعات وليس العربية فقط. وحدد سبيلا بعض معالم هذه التحولات العاصفة الموضوعية الحارقة سواء نظرنا لها من منظور سياسي أو فكري، لكنه اقتصر هنا إلى النظر إليها من الزاوية أو المسارات الفكرية، أولا الانتقال من فكر تقليدي تأملي إلى فكر تجريبي عقلاني وهذا فيه تحولات عميقة من فكر سكوني تأملي إلى فكر تجريبي عقلاني وحسب بعض المفكرين تم الانتقال من المفاهيم الجوهرية إلى المفاهيم الميكانيكية الرياضية. ثانيا على المستوى النفس، فقد تم الانتقال من التصورات التقليديانية الروحانية إلى الإنسان باعتباره مكونا من دوافع ورغبات، تحولات في المنظور الفكري. وذكر أن عبد لله العروي طور هذه الفكرة أن الانتقالات الحديثة التي تفرض نفسها على كل الثقافات، الانتقال من هوية سكونية، من النظرة القيامية إلى النظرة التاريخانية، مرتبطة بالتاريخ بالتحولات العميقة،أي الانتقالات التدريجية المرتبطة بالرغبات ودوافع النزعة التاريخانية يقول محمد سبيلا.