ثمة فكرة عجيبة تفتن السلطة: ماذا لو بدأ الفرد يمنع أخاه الفرد، ويصادر حقوقه، ويراقبه، وينصب نفسه وصيا عليه، وأبقى أنا بعيدة أراقبهما من أعلى مثل سحابة تحجب عنهما ضوء الشمس. لقد تحققت أمنية السلطة الأسبوع الماضي، حين هرع عبد اللطيف الزين، الفنان التشكيلي المعروف، إلى السلطة القضائية لتقديم مذكرة منع ندوة فكرية كان سيقدمها الناقد محمد الشيكر، من تنظيم النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين، التي يرأسها الفنان التشكيلي عبد الحي الملاخ. لم يشأ الزين تضييع دقيقة واحدة فبدأ يسرع ضد الزمن لمنع الندوة التي كانت ستنظم يوم السبت. ويوم الجمعة تلقى الملاخ استدعاء من المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء عن طريق المفوض القضائي. الزين الفنان التشكيلي «الكبير»، كما جاء في الرسالة التي وجهها محاميه إلى رئيس المحكمة الابتدائية، يريد منع ندوة فكرية. السحابة السوداء وجهت الدعوة للملاخ للحضور بشكل عاجل، هو الخارج من عملية جراحية دقيقة. تُرى ماذا يريد الزين أن يحقق من أهداف من خلال هذا التصرف الذي لا يمكن أن يدعمه أحد، مهما كانت الأسباب؟ فلو كان عبد الحي الملاخ فنانا مطبعا مع إسرائيل، أو تاجر فن وبهلوان ألوان، أو إرهابيا داعشيا...لقبلنا ذلك بابتهاج، وعملنا كلنا، ضمن صف واحد، على إبطال برامجه وإفسادها، بل لأبعدناه عن وجودنا. لكنه، وهذه هي المفارقة، فنان جاد ومجتهد، ولا أدل على ذلك من المعرض الأخير الذي نظمه من 20 نونبر إلى 31 دجنبر الماضي بمدينة الرباط، مرفقا ومصاحبا بندوات فكرية عن الفن التشكيلي، بتنسيق مع جمعية الفن التشكيلي، إضافة إلى عمله الجبار والمتطوع الذي جسده في ورشات مفتوحة كل يوم خميس لفائدة طلبة كلية العلوم، ورهانه واحد وحيد: تقريب الرسم من الطلبة والشباب الجامعي، واكتشاف المواهب من أجل مغرب فني قادم. ورهانه الآخر والأجمل هو تنظيم معرض جماعي لهؤلاء الطلبة بقاعة محمد الفاسي التابعة لوزارة الثقافة...أرجل كهذا يا عبد اللطيف تمنع ندواته وتصادر حقه في الإبداع والتواصل مع الناس؟ إن هذا الأمر لا علاج له إلا بألوانك وعودتك الدائمة إلى نفسك، إلى نورك ولونك وظلالك. هذه الزوبعة ستضيع أنت في وسطها. ثق بي يا عبد اللطيف، أيها الفنان الكبير, كل نجاحك الفني التكاثري السابق محوته بحركة مغلقة . عد إلى أخيك عبد الحي الملاخ، وثق به ليثق بك، وسامحه ليسامحك، على شاطئ، وارسما لنا، نحن الأجيال اللاحقة عنكما، لوحة زاهية خلاقة، أو ليست العودة إلى أحضان التسامح هي ما ينقذنا جميعا من الغرق؟ ثق بي فالكل سينوه بذلك. إن أفضل فلسفة توجد في الفن، في فنكما معا، عد إلى ماتيس، هذا المربي العظيم، واقرأ ما كُتب عنه وما عاناه، وكيف قدم حلوله الإنسانية لجميع المشاكل. عد يا عبد اللطيف إلى نفسك، فهي مكمن ومنجم كل الحلول. والسلام.