الوقاية لم تعد خيرا من العلاج، فقط، بل أصبحت قرينة للطمأنة أيضا.. فالمهمة الأساسية،اليوم في مواجهة فيروس كورونا، ذات بعدين اثنين: أولا القيام بكل الإجراءات التي من شأنها أن تشكل ترسانة للوقاية، كما هو متعارف عليها اليوم دوليا، وصحيا .. ثم العمل على طمأنة الرأي العام، بواسطة الشفافية وتعميم المعلومات وتقدير المخاطر بحجمها الحقيقي. ولهذا ربما لم يفهم جزء من الرأي العام توزيع الأدوار بين رئاسة الحكومة وبين وزارة الصحة: السيد الرئيس «يحذر» من الأخبار الكاذبة، كما لو أن الأمر يتعلق بنشاط حزبي أو بحياة شخصية لأحد المسؤولين أو إشاعة رشوة، وبالتالي فهو يعطي الانطباع بأنه يهدد أكثر مما يطمئن الرأي العام.. اليوم من الصعب للغاية أن تطلب من الناس أن يرفعوا من درجة وعيهم ورباطة جأشهم وتحريهم الأخبار في جو عالمي تدور فيه الصورة والمعلومة، بسرعة الارتباك والخوف والقلق الذي يجتاح العالم، كما تسيطر عليه أخبار الكورونا.. ووزارة الصحة فهي تكتفي بتصريحات وبيانات تتحدث عن حالة جيدة وتوفر الوسائل والموارد البشرية والمالية في بلادنا، دون تقديم صورة واحدة حقيقية عن ذلك.. الأكثر من ذلك، فهي تسقط في ما تحذر منه رئاسة الحكومة : أخبار وجود حالات مشتبه فيها، ثبت من بعد الفحص أنها ليست كذلك. بمعنى آخر، فإن وزير الصحة يقول لرئيس الحكومة : نحن أيضا تورطنا في الاشتباه، وبالتالي تصرفنا بمنطق من صدق أن هناك حالات اضطررنا الى فحصها وتحليلها لنثبت بأنها ليست كذلك.. واقع المغاربة في وسائل التواصل متأرجح بين تصديق كل ما يُنقل إليهم، وبين السخرية من كورونا ومن وسائل التطبيب وقدرات المغرب في مجال الصحة.. قبيل وصول الأخبار الخاصة بفيروس يوها بالصين، أي قبيل يناير الماضي، ولم يكن المغاربة في حاجة إليه لكي يسخروا من الصحة وشروط الصحة .. وقبيل الفيروس، كانت كل القطاعات بلا استثناء : الممرضون، الأطباء، الطلبة الأطباء، الصيادلة، الجراحون، القطاع الخاص، كلها في الشارع احتجاجا على وضع غير سليم، ومن هذا المنطلق فإن الذين يروجون أخبارا زائفة هم من يدعون أن وضعنا الصحي على ما يرام وفي كامل قواه، وقادر على أن يهزم الفيروس الصيني الذي صار عالميا.… الواضح أن الفيروس قلب أوضاع الكرة الأرضية رأسا على عقب، وصار السبب المباشر في امتحان قدرة المؤسسات، سواء الدولية منها أو المحلية أو الإقليمية، على مواجهة الوباء في الوقت المناسب وبالنجاعة الواجبة، وليست هناك دولة عاقلة يمكنها أن توفر على نفسها بعضا من القلق والتوجسات وترفع درجة التوقع لدى مؤسساتها، وليست هناك دولة سليمة يمكنها أن تتخيل بأنها جزيرة، وسط هذه الأرض وليست جزءا منها.. المغاربة من حقهم أن يطالبوا بدولة تتحرك بسرعة توجساتهم ومخاوفهم، وطمأنتهم بشيء قوي، وتجد الوصفة المتوازنة بين العمل بحرص كبير على الوقاية، وتشديد المناعة المؤسساتية المطلوبة في مثل هذه الحالة الصحية، وبين طمأنتهم على أن الاحتياطات كلها موجودة، وأن النظام الصحي الوطني قادر على أن يستجيب حتى وكل الشروط صعبة، لأننا نتصور أن شيئا ما.. نقطة ما ستبقى مضيئة بتظافر جهود كل المؤسسات والقطاعات التي يعود إليها الأمر في هذه الحالة.. كان من المفيد، الاطلاع على حوار طبي في صفحات «ليبراسيون» الفرنسية، قد كشف عبر النمذجة والمحاكاة، أن البوابات التي سيمر منها الفيروس الى إفريقيا، عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ستكون هي الجزائر، ومصر. فإذا كانت الدول العظمى والأكثر تطورا تمنع المباريات وتمنع التدريبات العسكرية التي تمرنت عليها شهورا عديدة.. وتمنع العمرة وزيارة الأماكن المقدسة التي لها في نفوس المغاربة وقع شديد وارتباط بالحياة والقيامة.. فلماذا لا يراد للمغاربة البسطاء المواطنين أن يتحرزوا ويتوجسوا ويكبرون صدى فزع الدول على مستواهم الشخصي؟ في الصين نفسها، وصل الأمر إلى أن سحبت لعبة شعبية تسمح للاعبيها بابتكار فيروس وهمي ونشره في أنحاء العالم من متجر تطبيقات «أبل» وفق ما أعلنت الشركة المطورة لها . وقالت شركة «نديميك» التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، إن المستخدمين المقيمين في الصين لم يتمكنوا من تنزيل «بليغ إنك» الجمعة بعدما أمرت هيئة مراقبة الأنترنت بإزالتها لمحتواها «غير القانوني». هذا المستوى البسيط من الألعاب الذي وصلت إليه تقديرات الدول في محاربة الفيروس.. ويبدو أن رد فعلنا يجب ألا يشبه تجاوزات دول لا خيار لها، في ما يبدو، سوى التوجسات الردعية، كما هو حال إيران التي أعلنت شرطة مكافحة الجرائم الإلكترونية فيها، الأربعاء، توقيف 24 ناشطا على الانترنت لاتهامهم بنشر «شائعات مثيرة للقلق» حول تفشي فيروس كورونا الجديد . وأعلن رئيس وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الشرطة الإيرانية فاهيد مجيد أنه «أوقف 24 شخصا وأحيلوا للمحاكمة، وأوقف 118 ناشطا عبر الأنترنت وأطلق سراحهم»، وفق ما نقلت وكالة إسنا للانباء شبه الرسمية. وأكد أن هذه الوحدة تتخذ إجراءات ضد المعلومات والصور ومقاطع الفيديو «التي تحتوي على شائعات أو معلومات خاطئة تهدف إلى إثارة اضطراب الرأي العام، وتصعيد القلق في المجتمع «… وكل ذلك، لا يمكن فصله عن الجو اللاديمقراطي والقابل للاشتعال فيها، وضيق التنفس الذي تعاني منه هذه الدولة، وهو ما لا تجاريها فيه أية دولة أخرى… وعلى غرار ما يقوله المثل الشعبي المعروف، «فهمو….نا ولا تعطيونا»، نقول: كورو….نا ولا تعطيونا»!