تم اليوم الخميس بمقر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط تقديم كتاب «الجوار الحذر» لمؤلفه الإعلامي نبيل دريوش، الذي يتناول بالتحليل والبحث العلاقات المغربية الإسبانية منذ وفاة المغفور له الحسن الثاني إلى تنحي العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس عن العرش . وفي مداخلة للأستاذ عبد الواحد أكمير، الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، قال إنه يمكن اعتبار الكتاب، الذي يقع في 205 صفحة من الحجم المتوسط، «خريطة طريق» للباحثين يقدم جردا للأحداث دون التعمق في تفاصيلها، ويساعد على التوقف عند المحطات المهمة، ويعتمد لغة صحافية سلسة دون الابتعاد عن التاريخ الراهن، ويتضمن معلومات تنشر لأول مرة خاصة منها الحوارات مع سياسيين مغاربة وإسبان كانوا في مواقع القرار. وأضاف أكمير أن الكتاب يشتمل على معلومات جديدة، ويتضمن تقارير بعضها غير معروف ومستقى من موقع ويكيليكس مثلا (حول الصحراء المغربية والثغور المغربية المحتلة)، ومن المهم جدا ترجمته إلى اللغة الإسبانية، مشيرا إلى أن الكتاب، الذي صدر بمقدمة للباحث محمد العربي المساري، تزامن مع صدور مجموعة مقالات للمساري في كتاب بعنوان «الحوار الصعب» يغطي المرحلة السابقة لتلك التي تناولها نبيل دريوش . وذكر الباحث أن ثلاثة من الفصول الأربعة، التي يتضمنها الكتاب، تتبع الترتيب الكرونولوجي، موضحا أن الفصل الأول (71 صفحة) يحتوي على خمسة محاور تتناول موقف المغفور له الحسن الثاني من إسبانيا في عهد الجنرال فرانكو (لقاء باراخاس عام 1963) وفي عهد الملك خوان كارلوس وفي عهد حكومات الحزب الشعبي اليميني (خوسي ماريا أثنار) وحكومات الاشتراكيين (فيليبي غونزاليس). وركز الباحث في هذا الفصل الأول، حسب أكمير، على تحليل شخصية أثنار (اليمين التقليدي) ودوره في توتر العلاقات المغربية الإسبانية لفترة من الزمن، ومعاناته من «عقدة استعلاء إزاء الجنوب الثقافي، وعقدة نقص إزاء الشمال الثقافي»، وهو ما لم يمنعه من توقيع أهم الاتفاقيات الاقتصادية مع المغرب في دجنبر 2003 ، «في براغماتية تعكس المصلحة أكثر مما تعكس المصالحة». كما يتحدث الباحث في الفصل الأول، الذي ينتهي بتفجيرات مدريد في مارس 2004، عن لعب أثنار بورقة الجزائر للضغط على المغرب، متحدثا عما أسماه ب»ديكتاتورية الجغرافيا»، التي قضت بمجاورة المغرب لإسبانيا والجزائر، باعتبار أن «التاريخ يتحرك في الجغرافيا، لكن الجغرافيا ثابتة في التاريخ». وخصص دريوش الفصل الثاني (40 صفحة) من الكتاب، الذي تضمن ثلاثة محاور، لمرحلة حكم الاشتراكيين (2004-2011)، مواصلا اعتماده منهجية التركيز على الأشخاص من خلال شخصية خوصي لويس ثاباتيرو صاحب كتاب «جاران متباعدان». وعنون دريوش القسم الأول ب»شهر العسل 2004-2008» والفصل الثاني ب»سنوات البرود». وركز نبيل دريوش على التنسيق الأمني والمعلوماتي بين المغرب وإسبانيا في أعقاب تفجيرات مدريد وذلك بعد الإحساس بوجود خطر مشترك، باعتبار هذه التفجيرات «شوطا ثانيا» لتفجيرات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003 ، وكذا على موقف إسبانيا من قضية الصحراء المغربية باعتبارها «قضية رأي عام إسباني وورقة انتخابية»، ومن الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب. وفي الفصل الثالث من الكتاب، يضيف أكمير، تناول الباحث في 60 صفحة موقف اليمين الإسباني المعادي للمغرب بخصوص أحداث مخيم أكديم إزيك بمدينة العيون، فيما لم ينسجم الفصل الرابع (40 صفحة) مع باقي الفصول، ولم يحترم الترتيب الكرونولوجي للأحداث. أما الأستاذ الموساوي العجلاوي، الباحث في معهد الدراسات الإفريقية، فقدم قراءة تركيبية للكتاب رأى فيها أنه يحيل إلى عمق قضايا أساسية شائكة في المغرب وإسبانيا ، ويتطرق إلى الحضور الجيوسياسي للمغرب في دول الجوار ، مشيرا إلى أن أهميته تتجلى في اعتماده على مقاربات منهجية ومعرفية جديدة، وقراءته الأحداث في بعدها الثلاثي في تقاطع مع المصادر والإحالات. وأضاف العجلاوي أن الباحث نبيل دريوش، الذي اشتغل مراسلا صحفيا بإسبانيا لسنوات قبل أن ينتقل للاشتغال في قناة تلفزية بالمغرب، يضع الحدث في سياق سياسي يستند إلى «الرواية الشفوية ومنطق المنتصر اللذين لا يحيلان دائما إلى الحقيقة التاريخية»، كما يعتمد على مذكرات مكتوبة دون أن يعتمد على وثائق من قبيل مراسلات وزارة الخارجية الأمريكية في الموضوع ليتحول إلى وثيقة أساسية للعمل واتخاذ القرار في البلدين. وأكد أن قضية سبتة ومليلية المحتلتين هما «بيت القصيد في الكتاب، إذ تخترقانه من بدايته إلى منتهاه»، مشددا على دور أثنار في قضية «جزيرة ليلى» والأسماء الثلاثية ل»مسلمي سبتة ومليلية» وسعيه لقطع علاقاتهم الدينية مع المغرب ما ولد تطرفا خطيرا قبل أن تتنبه إسبانيا، بعد اختطاف مواطنين إسبان في 2009 بين مدينتي نواذيبو ونواكشوط في موريتانيا، إلى الخطر الذي يتهدد المنطقة والأندلس بالخصوص إذ أن العمق الاستراتيجي للأممية الجهادية ينعكس حتما على شمال إفريقيا. ودعا الموساوي العجلاوي إلى أن يتطور الكتاب إلى وثيقة عمل تتضمن خلاصات عامة وملحقات ووثائق وردت في المتن. وفي كلمة للإعلامي نبيل دريوش، أكد أن المغرب رقم رئيسي في السياسة الخارجية الإسبانية، ولكن بالمقابل لا يوجد بالمغرب اهتمام وإدراك كافيان بأهمية الجار الشمالي، «ربما بسبب الإغواء الذي ما زالت تثيره فرنسا في الذهنية المغربية، بما في ذلك مربعات القرار والنخب، التي ما زالت تحتفظ بصورة عن البلدين تجاوزها الزمن»، مشيرا إلى أنه «من الممكن إحداث توازن معرفي مع إسبانيا» وإن كان الكفة تميل لصالحها في الجوانب الاقتصادية والعسكرية وغيرها.