ربح الاتحاديون رهانا آخر، بنجاح احتفالية الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي نظمها الحزب كإعلان لانطلاق مبادرة الانفتاح والمصالحة تزامنا مع تخليد يوم الوفاء، الذي يصادف ذكرى اختطاف الشهيد الرئيس المهدي بنبركة، وهو اليوم الذي اختارت قيادة الاتحاد الاشتراكي الحالية، أن تجعله يوما لتخليد واستحضار ذكرى كل شهداء الحركة الاتحادية منذ التأسيس. ربح الاتحاديون رهانا جديدا، بالرغم من حملة التشويش التي انطلقت منذ إطلاق الأخ الكاتب الأول لمبادرة الانفتاح والمصالحة، وبالرغم من الهجوم الذي استمر ولا يزال مستمرا على الاتحاد وقيادته ومبادرته النبيلة، هذا الهجوم الذي اجتمع فيه كل خصوم الاتحاد الاشتراكي، والذي كان عنوانه تبخيس المبادرة أولا، والتشكيك في صدقها ثانيا، وإعلان فشلها أخيرا، وكان مضمونه الكذب والتضليل ونشر الإشاعات، باستغلال مواقع إلكترونية، وجرائد ورقية، معروف ولاؤها لجهات سياسية تعتبر عدوّا موضوعيا وطبيعيا للاتحاد الاشتراكي بصفة خاصة، ولكل الصف الديمقراطي الحداثي عموما، وبصورة استخفت بذكاء المغاربة، وبقدراتهم على التتبع والملاحظة والتحليل. ربح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رهانا جديدا، وذلك حينما استطاع جمع اتحاديات واتحاديين، مرّ زمن بعيد على التئامهم في محطة حزبية، وعندما تجاوب مع مبادرة قيادته السياسية، والتي كان عنوانها الانفتاح والمصالحة، كل القطاعات الحزبية، وجميع من سبق وحمل همّ التغيير من داخل الاتحاد الاشتراكي كإطار ارتبط وجوده ببناء مغرب متجدد، إلّا من اختار أن يضع نفسه خارج هذا الهمّ الجماعي. ربح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رهان المصالحة، لأنها لم تكن دعوة معزولة، واختيارا ظرفيا، ومزايدة سياسية، بل كانت دعوة صادقة ونبيلة، مضمونها أنه لا خصومة للاتحاد الاشتراكي بعد اليوم، إلا مع الفقر واللاعدالة الاجتماعية، ومع الفكر اللاعقلاني، دعوة موجهة إلى كل الاتحاديين، سواء الذين بقوا صامدين داخل إطارهم الحزبي، أو الذين اختاروا في لحظات تنظيمية وسياسية معينة، تعليق عضويتهم داخل الاتحاد، انطلاقا من اختلافهم مع إخوانهم في التقديرات والمواقف، فجاءت مبادرة المصالحة، لتشكل يدا ممدودة من طرف من بقوا إلى جميع الغاضبين، من أجل تعليق الخلافات وتجاوزها، وتعزيز صفوف حزبهم، والنضال لأجل مشروعهم. لقد استطاع الاتحاديون إعطاء إطار واضح لمفهوم المصالحة التي يريدون، وذلك من خلال تصريحات قيادتهم، ومن خلال احتفاليتهم بالذكرى الستين لتأسيس حزبهم، حيث إنها لم تعن فقط مصالحة بين الاتحاديين، بل كانت إعلانا واضحا وصريحا، على أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب جدير بتاريخه، وبنضالاته، التي شكلت مساهمة أساسية في بناء مغرب اليوم، وأنه حزب معنيّ بحاضره، وبالمهام الأساسية المطروحة عليه في الظرفية الراهنة، والتي تجعله ملزما على لعب دوره الرئيسي في مواجهة موجة الردّة والنكوص، وفي الوقوف سدّا منيعا أمام النزعات السياسية الشعبوية المغامرة والمقامرة، وعلى أنه حزب مسؤول عن مستقبل البلاد، إلى جانب كل الفاعلين السياسيين، الذين يطمحون إلى التأسيس لتوافق وطني غايته تحقيق مشروع جماعي، حدّده الأخ الكاتب الأول في كلمته التي ألقاها خلال احتفالية الذكرى الستينية، في تعليم متقدم، واقتصاد منتج، وتكافؤ اجتماعي، وحياة عامة آمنة في ظل دولة قوية. إن إعلان انخراط الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مبادرة المصالحة، وجعلها مرتبطة مع الدعوة إلى الانفتاح، أعطى للمصالحة الاتحادية معنى محددا، كونها مبادرة موجهة إلى كل حاملي همّ التغيير، وإلى كل المتشبعين بالقيم الكونية، والراغبين في بناء مغرب ديمقراطي حداثي، وعلى رأسهم كل اليساريين بالمغرب، في المجتمع والنقابات والأحزاب، ومفادها ضرورة بحث آفاق جديدة للعمل المشترك، من أجل تقوية الجبهة الوطنية التقدمية، وبذات النّفَس الوطني، الذي حكم أساليب وأهداف اليسار المغربي تاريخيا، ابتداء من جيل التحرير، مرورا بجيل بناء دولة الحق والقانون، وصولا إلى هذا الجيل، الذي من أهمّ الأولويات المطروحة عليه، النضال لأجل العدالة الاجتماعية وتحقيق الإقلاع التنموي الشامل، وهو النّفَس الذي عكسه نداء الأفق الاتحادي. هكذا استطاع الاتحاديون، أن يكرسوا موقع حزبهم وسط المشهد السياسي العام، كإطار قادر على استيعاب تاريخه وتراكماته، من أجل الاستمرار في النضال لأجل بلده، من خلال إعلان المصالحة، التي أعطاها إعلان الانفتاح معنى يتجاوز الشروط الذاتية، وجعل منها نداء الأفق الاتحادي خطوة أولى نحو المستقبل، ولكن بنفس النّفَس الذي حكم مسار الاتحاد الاشتراكي منذ نشأته، وأوضح الأخ الكاتب الأول في كلمته التي ألقاها خلال الاحتفالية بالذكرى الستين للحزب، دوافعها وغاياتها.