تعتبر المؤسسة التعليمية بمثابة نظام من العلاقات والتفاعلات التربوية والاجتماعية والثقافية والنفسية والحياة اليومية بداخلها والتي تقوم على سياسة التدبير التربوي والمعرفي لأجل تكوين الاجيال الصاعدة وإمدادها بوسائل ومهارات تمكنها من تأهيل نفسها وتحقيق وجودها وذاتيتها وإنسانيتها وهذا يستدعي بناء فضاء تربوي انساني للمؤسسة يكون ذا قواعد وأسس اجتماعية وثقافية وإنسانية وتربط بين كافة الفاعلين وتوحد رؤاهم وتصوراتهم واستراتيجيتهم لخدمة التلميذ مع مواجهة كل الازمات التي يمكن ان تعصف بمعنى ووجود المؤسسة التعليمية كمؤسسة حاضنة ومكونة ومؤهلة في صناعة وبناء الموارد البشرية القادرة على الحياة والاستمرارية. ان المؤسسة التربوية التي تعاكس الحياة وتتبنى النموذج التربوي الجامد والمتحجر لا ترى في التلميذ إلا ذالك الكائن الخاضع لمنطق سلطة القهر بشكل اكراهي وعنيف فيلقي بالتلميذ ،مثلا- في جحيم المسلسل الزمني الرتيب والذي يفرض عليه قسرا ثم يقدف به الى كهوف المعارف البالية والمتقادمة التي لا تربطه لا بواقعه ولا بزمنه ثم بعد ذالك يلقى به الى نار الامتحانات فيكوى بلهيبها فيسقط او يستمر في متاهات غير هادفة اما المؤسسة المدرسية القائمة على التربية والتكوين فلها منطق فلسفي واضح لأنها ترى التلميذ فاعلا يقوم ببناء تجربته اعتمادا على اختياراته الثقافية وتوجهاته الحياتية وتسلحه ليكون ناضجا حرا مسئولا ولذا فان هناك العديد من المقاربات التي تحدد ادوار المؤسسة التربوية غير ان اغلبها يتأرجح بين منظورين: - الاول هو منظور ادماج الفرد واستقلاله (دوركهايم) -الثاني يرى الاستقلالية مجرد وهم لان التلميذ داخل الشبكة المؤسساتية مبرمج ضمن عمليات وقواعد اعادة الانتاج(بورديو) وبين المنظور الاول والثاني تبقى المؤسسة التربوية رهينة بما يطرأ على النظام الاجتماعي ككل من مظاهر التغيير باعتبار نظام التعليم احد فروعه الذي يعكس منحنى تطوره ايجابا او سلبا .ان المؤسسة التربوية والنظام التعليمي ككل هي مؤشر على مدى تفاعل المجتمع مع التغيير او التكرير(تكرير النموذج الاجتماعي القائم) لذالك عد نظام التعليم حقلا اختباريا للرؤية التي يخطط لها المجتمع في عملية التغيير فهل يملك نظامنا التعليمي اسس التغيير ام انه ما يزال يرزح تحت هيمنة التخلف والجمود خصوصا اذا ما استحضرنا هذه الظواهر الملازمة لهذا النظام التربوي: - الاهدار وانعدام الانتاجية -سيادة النمطية في العلاقات البيداغوجية وفي عملية التدريس - التخلف في مستوى المحتويات وسيادة التقويم الكلاسيكي لهذه المحتويات الهادفة الى التخزين والحفظ - الشكلية والعبثية في عمليات التوجيه والتقويم والتبعية في التفكير والسلوك - غياب الروح الجماعية في العمل التربوي - هيمنة السلطة الابوية في كل العلاقات السائدة بين المعلمين والمتعلمين وبين المدبرين ومن هم تحت وصايتهم - جنوح التلاميذ الى اساليب العنف والتخريب - تجميع السلط في يد واحدة محليا وجهويا ومركزيا مما كرس لدينا تربية تحكمها النزعة التحكمية -الواحدية في بناء القرارات والتراتبية الادارية في تنفيذها ومن شان هذا النموذج الاوتوقراطي ان يخلق لدينا افرادا محدودين في المواطنة وفي اسلوب الديموقراطية كما ان هذا النوع من التدبير التربوي يساهم في تغييب المدرسين والتلاميذ عن المشاركة في بناء القرار التربوي مما انتج لنا مؤسسات تربوية تعاني من اختلال اداري وتخلف فكري وضعف تكويني وصدام عنيف بين مكونات المجتمع المدرسي وبالتالي تنامي ظواهر العنف والتخريب والغياب في جميع مؤسساتنا التعليمية . المؤسسة التربوية: فضاء اداري مختل يتصف نظامنا التربوي وخصوصا شقه التدبيري بالاعتلال والاختلال والجمود بسبب معاناته من ازدواجية السلوك التدبيري حيث يجمع بين بعض مقتضيات التدبير الليبرالي الحديث من قبيل توظيف مصطلحات (الكفاءة-المردودية-التواصل الاشعاع )وغيرها من مفاهيم النزعة التيلورية كما ان هذه الادارة تحتفظ بمقومات الادارة التقليدية القائمة على نزعة تقديس الذات وشخصنة السلطة وتضخم المسؤوليات وتجميعها في يد واحدة (المدير) وجهة واحدة (المركز) مما افرز ظواهر سلبية كثيرة منها : طاعة الموظف للأوامر و تكريس علاقة التبعية بين الرئيس والمرؤوسين بدون نقاش او نقد وتسبب هذه الازدواجية المرضية التي تعتري الجسم التربوي الاداري الى حدوث ما اشار اليه الاستاذ محمد بردوزي في معرض حديثه عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين حين ابرز ان ظاهرة التنافر والتعارض هي اكبر ما يسيء الى المؤسسة التربوية على مستوى التدبير و التسيير ان على المستوى المركزي او على مستوى الادارات الموازية جهويا ومحليا فهذه الظاهرة تخلق تنافرا في اجهزة الوزارة سواء في تعددها او انتشارها الكثيف مما يتطلب من العاملين اطرا ومسؤولين تكاليف متزايدة مما افرز مراكز التأثير والمقاومة ضدا على مبدأ اندماج نظام التربية والتكوين في مجموعة متجانسة وعوض ان تلجا الوزارة الوصية الى اصلاح هذه الاعطاب الهيكلية جاءت لتصدح وتبشر ببرنامج استعجالي لإصلاح المنظومة التربوية في شموليتها بعيدا عن القراءة الموضوعية والعلمية للواقع التعليمي هذا الاخير شب وشاخ على طقوس متوارثة وعتيقة فلا توزيع الحواسب المحمولة ولا تجهيزات جيني ولا السبورات التفاعلية ولا الصباغات القزحية لبعض المؤسسات او القاعات لا يمكنها ان تغير النظام التربوي ولقد ابدع سكان الكيبيك عبارة (المدرسة تتغير ظاهريا لكن الحياة داخل الفصول لا تتغير) (لااجد اكثر من القول انني لا اجادل في كون المدرسة المغربية ستبقى دوما في حاجة الى مراجعة وتحديث وإصلاح لتقوم بوظائفها المختلفة لصالح الدولة والمجتمع على نحو يساهم في اعادة انتاجهما اجتماعيا اولا وفي تحديثهما وتطوير ادائهما ثانيا بيد ان ذالك لا يمنعني من القول ان الوقائع التي وصفتها ,,,,ليس لها عندي من معنى إلا ان ازمة المدرسة المغربية في المرحلة الراهنة ليست إلا انعكاسا لازمة الدولة المغربية في علاقتها بتطورات المجتمع المغربي منذ اواسط السبعينيات على الاقل هذا مع العلم ان الازمة لا تعني دوما تفككا وضعفا بل قد تكون احيانا عديدة شرطا لابد منه للمراجعة والإصلاح والتحديث والتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ) عبد السلام حيمر?مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب-ص:66 ان المؤسسة التربوية في بلادنا لم تحظ بالعناية والاهتمام الكافيين نظرا لكون ادارتها التربوية في جميع مستوياتها تتحكم فيها علاقات افقية وتتواصل فيما بينها على اساس الطاعة والخضوع للإجراءات والاملاءات والتعليمات مما تسبب في غياب الاستشارة الداخلية بين مكونات المجتمع المدرسي حتى اصبحت الديموقراطية داخل هذا الفضاء مفهوما غريبا بل مرفوضا فانفجرت الاوضاع التربوية وحدث زلزال هز كيان المؤسسة لتنتشر اوبئة نخرت كيان المدرسة من قبيل العنف -العقاب -التخريب المؤسسة التربوية : فضاء للعنف والتخريب لا نبالغ اذا قلنا ان التسلطية وممارسة العنف تخترقان بنية المؤسسة التربوية ونظامها الداخلي فتسبب في قتل الذات الفردية التواقة للحرية وتجعل من الفرد حيوانا غير عاقل تابع لسلطة الاب-المجتمع فيموت ابداعه ليصير كائنا تابعا خاضعا مقلدا لا يفكر ولا يميز ولا يبدع بل لا يعقل ذاته كما يقول فلاسفة اليونان . ان المؤسسة التربوية هي احد اجهزة الدولة الايديولوجية في مجال الفعل التربوي بحيث ان تهذيبها السلوكي وتكوينها وتأهيلها المعرفي - العلمي والتقني للنشء منظورا اليه كقوة عمل منتجة لا تتم إلا في اطار اخضاع ايديولوجي (وهكذا تلعب المدرسة دورا اساسيا في اعادة ا نتاج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع محققة هيمنة الدولة وسيادتها بواسطة الاقناع والتراضي بتعبير غرا مشي او بواسطة عنف وإكراه وقسر ....حسب بييربورديو ) عبد السلام حيمر-مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب -ص 56 ان المؤسسة التربوية جزء لا يتجزأ من بنية النظام العام تخترقها بنيات الانضباط والخضوع لسلطة المجتمع او سلطة الحاكمين كما يصفها عبد الوهاب بوحديبة حين رأى هذه الظاهرة التسلطية تخترق بنية مجتمعنا قائلا (ان علاقة السلطة تمتد جذورها عميقا في مجتمعنا التقليدي فالسلطة لا تربط الزوج بزوجته او الاباء بأبنائهم فحسب بل تربط المعلم بتلميذه والسيد بتابعه ورب العمل بالعامل والحاكم بالمحكوم والميت بالحي (محمد بوبكري-تاملات في نظام التعليم بالمغرب ). ان الطفل او التلميذ عندنا يواجه تحديات مستديمة حيث يفرض عليه منذ ولادته ان يصارع توقعات متناقضة تتطلب العديد من المبررات ألسلوكية فطاعة الوالدين والاب بخاصة ليست مطلوبة في السنوات الاولى من عملية التنشئة الاجتماعية بل هي التزام مدى الحياة . ان الطفل او التلميذ عندنا مجبر على الطاعة :الطاعة للوالدين والطاعة للمدرسين والطاعة للمسؤولين على تربيته وتكوينه وتعليمه فقيها كان ام ملقنا ام معلما وهو مطالب بالإخلاص لها و المتسلط لا يكتفي بقبول هذه الطاعة وإنما يعمل بقلب طبيعة الانسان عبر اليات القهر الاجتماعي من قبيل المؤسسة التربوية فتحولت لدينا المدرسة الى شبه سجن في ذهن او متخيل الطفل اما المدرس ففي متخيل هذا الطفل عبارة عن وجه عقابي يتهدده مما حول المدرسة الى معتقل او اصلاحية الشيء الذي ينعكس سلبيا على تركيبته النفسية ونموه المعرفي. المرجع السابق ص15: ومن الدراسات التي حاولت بحث الارتباط بين التسلطية والمجال التربوي دراسة الباحث ميلر miller(1977)عن نظام التعليم عندنا وهي دراسة تميز بين نوعين من السلوك : الاول تقليدي و الاخر مبدع - ان السلوك الاول يقوم على-طاعة الاوامر بشكل الي ويبني نظامه على التكرار والاجترار ويحافظ على الذاكرة والتقليد لان المدرسة هي (شديدة الارتباط بمحيطها الاجتماعي والثقافي بالدولة والمجتمع المدني ...وان كل ?انوميا-بتعبير دوركهايم او خلل وظيفي يطرأ في المجتمع لهذا السبب او ذاك ينعكس على شكل ازمة حادة في المدرسة يكون لها اوخم العواقب )مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب -عبد السلام حيمر -57 ص ان مدرسة بهذا السلوك تعيد انتاج بنية الدولة وتعيد انتاج ثقافة المجتمع وتصنع افرادا يقلدون ويكررون ذواتهم وثقافتهم وفاقدين لروح الابداع والابتكار. اما السلوك الثاني فيقوم على -التحليل وحب الاستطلاع وطرح الاسئلة مع تطبيق الافكار على اوضاع جديدة وتعميم نتائجها فتساهم المدرسة بذالك في الخلق والابداع والتنمية الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية . ويستنتج ميلر millerان النوع الاول من السلوك هو السائد في المدارس المغربية المرجع اعلاه ص:16: ثقافة التخريب والتمرد على القيم التربوية صناعة المدرسة المغربية ينتج تمرد التلاميذ عن العنف الرمزي الذي يدخلهم في صمت غير طبيعي ويدفع بعضهم الى الانسحاب والتراجع الى الوراء تاركين متاعهم الفكري والثقافي ومتحررين من جميع الضوابط التربوية و الاخلاقية و القيمية ليصبحوا احرارا بالمعنى الفوضوي يدوسون على المقررات ويعبثون بالوسائل التربوية ويركضون في القاعات الدراسية والساحات المدرسية ويهددون كل من يعترض سبيلهم من اجل فوضى تحررهم من عنف النظام التربوي لكن لو كان خيار العنف والعنف الرمزي ناجحا كليا فلن تكون هناك مشاكل ناجمة عن غياب الانضباط في المدرسة . ان انتشار الفوضى و اللا نظام في المدرسة يعني ان هناك مقاومة لهذه العملية التلقينية من قبل كثير من التلاميذ وهكذا يحدث تطور السلبية والعدوان داخل فضاءات كل المؤسسات من قبيل : -تلاميذ يخربون التجهيزات الادارية والتربوية ويتمردون على النظام الداخلي للمؤسسة -تلاميذ ينضبطون لقواعد اللعبة شكليا ويعارضونها بتصرفات عنيفة احيانا وطائشة احيانا اخرى - تلاميذ يركزون على التخطيط لمواجهة قانون المدرسة من خلال ابتداع طرق مختلفة لإزالة القداسة عنها فيدنسون القانون المدرسي عبر سلوكيات عنيفة او ملتوية ( استغلال بعض النوادي المدرسية لتفجير المكبوت الداخلي- او- التعبير عن رفض لقرارات مجالس الانضباط - او رسم جداريات معبرة عن اللاوعي المكبوت -او انتاج ابداعات ثقافية مستهزئة بالنظام التربوي السائد ....) -تلاميذ يخربون القواعد المفروضة داخل المؤسسة بالفوضى او العنف كتنافي سلوك الغش وتطور اساليبه وتزايد المشجعين عليه من مواقع مختلفة. ان التلاميذ حين يلجأون الى العنف الرمزي انما قصد تخريب البرامج الدراسية للدفاع عن استقلالهم الذاتي ووضع المؤسسات التعليمية في مأزق :التلاميذ غير متعاونين والسلطات المدرسية غير لينة مما ينتج عنه صراع بين طرفين يؤدي بدوره الى ما يسمى ب-انجاز الإضراب عن التعلم فيخربون البرنامج الدراسي (الاحتيال -الغش -تفضيل مواد على أخرى )لكنهم غير قادرين على تغيير التربية في صالح حريتهم البناءة فمهارتهم سلبية وساذجة لأنهم لا يعرفون تنظيم طلباتهم لصالح التغيير ومع ذالك فإنهم يوغلون اكثر فأكثر في العدوان والتخريب او يغرقون في صمت عميق او يتعاطون اكثر فأكثر للمخدرات لخلق عوالم وهمية بديلة ففي مؤسساتنا يصرخ التلاميذ بعدوانية في وجوه رؤسائهم ويسخرون منهم ويقذفون بأشيائهم ارضا ويدخلون الى قاعة الدرس متأخرين ويغادرونها قبل نهاية الحصة الدراسية ويتنقلون بفوضى داخل الاقسام ويأكلون في الفصل ويحولونه الى مرقص او ماخور ثقافة الصمت اسلوب الحوار التربوي السائد !! ان للصمت وجها عدوانيا ناتجا عن فرض سلوك وتعليم سلبي وهو شكل من اشكال العنف الرمزي في المؤسسة والمجتمع . فحين يفرض الصمت على التلاميذ انما يفرض العنف عليه ليقبل ويتقبل وينصاع بشكل ارادي ولا ارادي فهو ليس عقابا بدنيا و انما هو محيط مشكل من قواعد وبرامج ومناهج و اساليب وعقوبات وشروط تعمل على تتبيث السلطات وترسيخها باعتبارها مسؤولة عن النظام التعليمي وهذا المحيط هو قمعي رمزيا لأنه قائم على الخداع و التهميش فهو يدعي لنفسه الموضوعية رغم انه ينتج ويعيد انتاج اللامساواة. يميزالانتروبولوجيون بين نوعين من الثقافات :ثقافة تشجيع انضباط الفرد لذاته واخرى ترغمه على الخضوع لارادة من الخارج كرضوخ للضغط الاجتماعي مما يجعل هذا النوع الثاني ثقافة للشعور بالعار shame ....باعتبارها اذعانا واستسلاما لضغط الجماعة او النفوذ الاجتماعي -تاملات في نظام التعليم بالمغرب -محمد بوبكري ص:12 فشعور التلميذ او الطفل هو شعور من لا حول ولا قوة له امام ابيه او مدرسه الذي يامر ويريد ان يطاع يفرض رايه ويرفض المناقشة يتحدث ولا يحب ان يقاطع يسال ويكره ان يسال .....ويبقى المدرس هو مقياس الصدق ينعم بالنقاء والطهارة المطلقة ولا يجوز ان يمسه وسخ ان سلطة المؤسسة سلطة شاملة ومتكاملة لا تعرف ان تبدا ولا اين تنتهي فهي مفروضة من فوق ولا تقبل المعارضة او النقض لا يوجد سوى صوت واحد فقط هو صوت المدرس _ المدرسة وهو الصوت المتسم بالحكمة والرشاد والصواب وكان لسان الحال يقول (استسلموا اصمتوا لاتتحركوا وكونوا كائنات جامدة صماء ولا تكونوا انتم انتم .....)وفي مثل هذا الجو لايسمح بالحوار وكل من يحاول فتح باب الحوار يعتبر خارقا للنظام ولقواعد الحوار ان سلطة المؤسسة التربوية عندنا هي سلطة شاملة ومتمادية لا حدود لها لاتعرف اين تبدا ولا اين تنتهي فهي مفروضة من فوق ولا تقبل المعارضة او النقض ولا يوجد سوى صوت واحد يعلو ولا يعلى علية :انه صوت المؤسسة في قوانينها ووضوابطها واحكامها وتشريعاتها. وهكذا سادت مؤسساتنا ثقافة الصمت بوجهها العدواني من خلال قواعد وبرامج تفتقر لاليات الحوار التربوي والتواصل البيداغوجي تثبيتا وترسيخا لسلطة المجتمع عبر مؤسسة التربية والتعليم . لأجل تربية متحررة من العنف المادي والرمزي للحرية LIBERTE دلالات متعددة لكنها على المستوى الشخصي-الذاتي تدل على حالة شخص لا يوجد في حالة عبودية او رق ولا يحيا في ظل نظام تبعي ومن ثم تغدو الحرية مطابقة لمفهوم الاستقلالية INDEPENDANCE وهكذا فان الفرد الذي يحقق التحرر هوذاك الذي لا يعيش ولا يخضع لأية سلطة POUVOIR اويتأثر بتمثلاتها بل يكون من حيث هو انسان - فرد INDIVIDU أي من حيث هو (انا) UN MOI ان الحرية والتحرر تدلان ان الحياة هي خارج منطق السلطة او خارج نظام التسلط و الهيمنة فالشخص المتحرر او الحر هو ذالك الكائن الذي لا ينبطح ولا يخضع لقوة الغير او يسير خلفه او يتبعه وإنما يعيش حرا مستقلا متحكما في ذاته ومصيره ....وفي هذا المستوى يكون الانسان الحر هو ذاك الذي يحيا بمقتضى ارادته الخاصة ويسير تحت قيادة العقل وحده (سبينوزا ) لان الحرية في جوهرها هي قوة العقل وقوة الارادة في حياتنا الخاصة والعامة وارتباطا مع التربية فان هذه الاخيرة تكتسي طابعا تحرريا اذا ما بنيت اسسها وقواعدها على اساس فكري عقلي وتتغيا ان تكون متحررة من قيود الماضي وثقافته اومن سلاسل العبودية وبالتالي تكون تربية التحرر قائمة على اساس الاستقلالية : استقلالية الفرد في تفكيره وسلوكه كما ان تربية التحرر تكسب الفرد القدرة على التحرر من تسلط المعارف الجاهزة ومن هيمنة الافكار المسبقة ومن القيم الساحقة للحرية وبالتالي فهذه الاخيرة تكون (حيث يكون الانسان الذي يفكر ويفعل في معزل عن القيود من أي نوع ) ادونيس -فاتحة لنهايات القرن ص:141 ان تربية التحرر تعطي للفرد قوة واندفاعا لانهائيا حتى يتجاوز وجوده السلبي كما تعطيه قوة وصلابة حتى يتجاوز ضعفه الفكري والسلوكي ان تربية التحرر تعطي قوة وإرادة جامحة للإنسان ليحقق استقلالية الانا فهذا ايمانويل كانط يقول ان من يسعى الى تحقيق التنوير عليه ان يسعى لشيء واحد : الحرية ,,,,أي حرية الاستعمال العمومي للعقل في كل الميادين ان للحرية جانبان متداخلان متفاعلان احدهما يقوم على التحرر من كل ما يعوق تنمية طاقات الانسان وتمكينه من التفكير والتعبير وامتلاك المعرفة وأساليب الوصول اليها والكشف عنها والآخر يتمثل في الحرية من اجل ممارسة نشاط انساني معين فحين يحرم التلميذ من العمل والانجاز تتعطل حريته وتختنق والإنسان في نهاية التحليل انما هو قدرة على الفعل (جوته).