ما هو الحجم الحقيقي للرواية؟ في كم يوم أو أسبوع أو شهر يمكن أن للقارئ أن يقرأ الرواية؟ هل السرد إذا كان كثير الورق، يستحق تسمية رواية، وإذا كان قليل الورق يسمى قصة طويلة؟ هل هذه مقاييس يعتمد عليها في تجنيس الرواية؟ هذه مجموعة أسئلة تطرح فعلا اليوم مع انتشار الروايات ذات الورق الكثير. وإن كثيرا من الروايات تنسجم مع حجمها، في حين أن روايات أخرى، وهي كثيرة، تمطط ورقها وسردها دون مبرر داخلي، أو دون مسوغ بنيوي، بل كتبت هكذا لأهداف منها الترشح للجوائز التي تضع في قوائمها روايات طويلة. الطول والقصر مسألة بنيوية خالصة. ولاختبار هذا الإجراء الشكلي بدأت مؤخرا في قراءة العديد من الروايات العالمية الطويلة، تقع في ما بين 400 و 500 صفحة، منها «عناقيد الغضب» لجون شتاينبك، و»الدون الهادئ» لشولوخوف. وهي روايات، إذا استعملنا مقاييسنا الأدبية الحديثة، قانونها الداخلي لا تحتمل كل ذلك الطول. «عناقيد الغضب» مملة جدا، خصوصا في بدايتها واعتماد كاتبها على وصف الجو والغيوم والسماء، وهي أسلوبية خاصة بالروايات الواقعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. رواية «الدون الهادئ» تتبع نفس البرنامج، وهي في أربعة أجزاء ضخمة مليئة بوصف البوادي الروسية والفلاحين والمزارعين والدجاج والمروج والأكواخ. ووصف كل تلك المناظر والشخصيات والمجالات لا تقدر عليها سوى عبقرية شولوخوف. فعمدت إلى إعادة ترتيب الرواية، النتيجة ان عدة فصول، وهي كثيرة، يمكن حذفها، أو القفز عليها أثناء القراءة، دون أن يتأثر برنامج قراءتك أو متعة تأملك لعبقرية الوصف في ذلك القرن. لذلك لا يمكن الحديث عن الوصف بصفة مطلقة، بل عن تاريخ للوصف. بعض الروايات العربية ركبت نفس الموجة؛ ورق كثير ووصف دون هدف ولا غاية ولا برنامج، وهو أمر لا يدفعك إلى حذف فصول بل إلى طرح الرواية جانبا دون إتمام قراءتها. فالروائي يعمد إلى كتابة فصول تكون بمثابة جسور تربط بين الفصول الرئيسية، لكن أن تصبح كل فصول الرواية جسورا فذلك خلل بنيوي في الرواية يؤدي إلى خلل في القراءة والتلقي. هنا لا ننسى أن أغلب الروائيين اليابانيين برعوا في كتابة روايات قصيرة أو متوسطة الحجم: ضجيج الجبل، ناراياما، أستاذ ال»غو»، البحيرة، القاتل العاطفي، حوض السباحة...وذلك دليل على أن الروائي الياباني لم يستنفد احتياطاته التخييلية حتى يلجأ إلى المحاكاة. وحتى عندما يحاكي فإنه يغير من ما يحاكي. أما المحاكاة السيئة فهي ما ينتج ذلك الركام السيئ من الورق. يا لخسارة الورق.