برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة التلقين في مدارسنا: تعريب أم ازدواجية لغوية ؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 21 - 01 - 2015

تعد اللغة القاعدة الأساس للحياة الاجتماعية وهي ضرورة من ضرورات هذه الحياة فهي أساس لوجود التواصل والتخاطب في هذه الحياة وأساس لتوطيد سبل التعايش فيها .إنها وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وأحاسيسه ومواقفه وطريقه الى تصريف شؤون عيشه و ارضاء غريزة الاجتماع لديه فمهما بلغ (ما يحصله الانسان من مظاهر حضارية من علوم ومعارف وطرق ووسائل مادية فانه يشعر في قرارة نفسه بأنه يعتمد اعتمادا كليا على ما لديه من قدرة لغوية لتحقيق مآربه) هجمان -اللغة والحياة والطبيعة البشرية-ترجمة د-داود حلمي احمد السيد مقدمة المترجم ص-27
ان الوليد البشري انما يكون في البداية (انسانا بالقوة)-حسب التعبير الارسطي-ولا يمكن ان يتحول الى (انسان بالفعل) إلا اذا استطاع استثمار الامكانات اللغوية التي لديه وهذه لا تتأتى إلا عن طريق عمليتي التربية والكلام ,يقول العالم التربوي الامريكي جون ديوي (التربية هي نمو تتم باللغة والاتصال ) و نجد عددا من المفردات تتجانس في الدلالة والتداول لإظهار اهمية التواصل والتخاطب في الحياة من قبيل :commun مشترك-
Communeمجتمع محلي
- communicationالاتصال
أي ان الناس يعيشون في مجتمعاتهم المحلية بفضل ما بينهم من اشياء مشتركة والاتصال اللغوي هو الطريقة التي بها يمتلكون الاشياء المشتركة .
جاء كذالك فيبر ليسلم بان اللغة تسهل التفاهم المتبادل ومن ثم تسهل تشكيل كل انماط العلاقات الاجتماعية في اعلى درجاتها ولذالك فاللغة -كما يري-عظيمة الاهمية بالنسبة للمجتمع مادام فهم سلوك الاخرين هو اكثر الشروط اهمية في تشكيل الجماعات واللغة اضافة الى هذا كله هي الحامل للموروث الخاص لجمهور الناس كما تجعل التفاهم المتبادل ممكنا او اكثر سهولة (weber1978-).
اللغة وسيلة الانسان في تنمية افكاره وتجاربه وتساعد على تهيئته للعطاء و الابداع والمشاركة في تحقيق حياة متحضرة وبها يكون الفرد نواة في مجتمعه ومجتمعه حلقة في كيان المجتمع البشري لذا اجمع علماء اللغة والتربية والتاريخ على ان اللغة هي رهينة المجتمع الذي تتداول فيه فخصوصياتها ومميزاتها تتحدد داخل تاريخها التكويني وبالتالي فهي ظاهرة اجتماعية لا صفة بيولوجية ملازمة للفرد يتعلمها الانسان لينخرط في المجتمع ويتفاعل معها وقد كان سابير من اللغويين الذين حددوا وظيفة اللغة في انها تمثل الاداة القوية للتطبيع الاجتماعي عن طريق خلق وتقوية اواصر الانسجام بين افراد الجماعة كما تعمل كوسيط منسق للأفعال وتساعد على نمو الفرد وتمييز فردا نيته . ان اللغة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتفكير وهي ليست شرطا ضروريا لحصوله وليست هي التفكير نفسه وإنما هي الته وأداته
او المساعد الالي له كما يقول العالم المنطقي جيفونز jevons حيث النمو العقلي للإنسان منوط بنموه اللغوي وانه كلما تطورت واتسعت لغة هذا الانسان ارتقت قدراته العقلية وهذا ما اكد عليه الفيلسوف الفرنسي اتيان كوندياك etienne condillac حين اشار ان المعارف والمفاهيم والخبرات تستمد اساسا من الاحساسات أي من خلال التجارب الحسية ولكن الواسطة الاولى لاكتساب هذه المعارف والمفاهيم والخبرات هي اللغة.
الطفل واللغة والمدرسة :
ان الطفل كما يبين فريديريك هربرت في نظريته التربوية انه عندما يلج المدرسة يحمل معه ارثا وثروة لغوية وفكرية ناتجة عن احتكاكه بوسطه البيئي وهذه الثروة اللغوية يكتسبها من هذه البيئة مستمدة من اسرته ومن محيطه الخاص ثم يحمل هذه الثروة ليطورها ويقايض بها زملاءه فيزيدها سعة ونموا وهكذا يكون المتعلم اثناء اختلاطه بمجتمع المدرسة قادرا على ان يستمد جزءا كبيرا من ثروته اللغوية عبر اتصاله بهذا المجتمع كما يزيد في اغنا ء هذه الحصيلة اللغوية من خلال القراءات اللغوية و الادبية التي تحمل في طياتها جزءا من التراث العلمي و الادبي و الانتاجات الابداعية الماضية والحاضرة فيكتسب المتعلم عبرها اللغة المعيارية المقعدة المكتملة الصافية في ماضيها وحاضرها ويتعرف على مفرداتها ومعاجمها وما طرا عليها من تغييرات وتطورات .
وعلى ضوء ذلك يمكن القول ان المتعلم في المدرسة يعيش لغته في مجالها النظري ومجالها التطبيقي ويعيشها بمختلف مظاهرها ومستوياتها و اشكالها (فصحى منتقاة-عامية دارجة -قديمة -حديثة-علمية -ادبية)
وان تطوير المتعلم لكل هذه الحصيلة اللغوية ومهارته فيها ترتبط وتعتمد على ما يمتلكه هذا الطفل من استعدادات فطرية لتلقي اللغة او تعلمها ثم ما لديه من طموحات شخصية وبواعث نفسية حافزة على التعلم وعلى المشاركة والاختلاط بالآخرين بل وحتى نوعية الافراد الذين يختلط بهم ويمارس اللغة معهم و يتأثر بهم وبلغتهم (الطبقات الاجتماعية -مستوياتهم الفكرية والثقافية ).
الدكتور احمد محمد المعتوق : الحصيلة اللغوية
ان التعلم مهما كان نوعه ومصدره قائم على وجود ملكة الفهم وتوفر القدرة على الادراك وان اتساعهما لهما ارتباط وثيق بالنمو اللغوي فعلماء النفس والتربية يؤكدون ان النمو العقلي للإنسان منوط بنموه اللغوي وانه كلما تطورت واتسعت لغته ارتقت قدراته العقلية ونما ذكاؤه وقوي تفكيره وإدراكه والعكس بالعكس
اما قصور المدرسة او تقصيرها في اداء مهمتها وخصوصا تنمية القدرات اللغوية لدى الطفل فهي عديدة ومتشعبة بعضها يعود الى طبيعة البيئة التي تنشا فيها المدرسة او الظروف و الاوضاع التي تحيط بها وبعضها الاخر يعود الى ما قد تلاقيه المدرسة نفسها من عوائق مادية ومعنوية ثم اسباب رئيسية اخرى تعود الى اساليب ونظم التعليم المتبعة والى الكتب والمناهج الدراسية كما ان لوجود لغة اخرى في سوق التداول اللغوي تأثير كبير على المتعلم ايجابا او سلبا حسب السياسة اللغوية للدولة وللفئات الحاكمة والمتحكمة في ثروات الوطن المادية والرمزية
اللغة الام واللغة الاجنبية متكاملتان أم متصادمتان ؟
إن لوجود لغة اجنبية مزاحمة للغة الام او منافسة لها قد يؤدي الى صعوبة تعلم اللغة الاولى وتضاؤل المحصول من مفرداتها ومعاجمها ومن ثم عدم وجود أي فعالية لها في مجالات التعبير، الامر الذي يؤدي الى ضعف مستوى هذه المجالات بنحو عام .
إن هذا الضعف في اللغة الام او اللغة الاولى وتضاؤل المحصول من مفرداتها والناجم عن وجود تنافس وصراع غير متكافئ بينها وبين لغة اخرى اجنبية تكون له اثار سلبية على اللغة الام/الاولى وعليه يرى فقهاء اللغة واللسانيين انه ليس من المفيد ان تدخل اللغة الاجنبية في التدريس كلغة مشاركة للغة الام إلا بعد ان يتحقق للطفل والمتعلم نوع من الكفاءة في اللغة الام أي بعد ان يصبح متمكنا من فهم و ادراك اساسياتها ومستوعبا لنظامها و تكون لديه ذخيرة من مفرداتها تمكنه من ممارسة التعبير بها وان (اتقان الفرد للغة الاولى يسهل عليه تعلم اللغة الثانية لأنه يكون قد اكتسب خبرة في تعلم اللغة بشكل عام) وعلى العكس (تبين ان الاطفال الذين يتعلمون اللغة الثانية قبل اتقان اللغة الاولى يعانون في اللغتين معا .
ان المؤيدين للتعليم ثنائي اللغة كثيرا ما يوظفون حججا اقتصادية اكثر من الحجج القائمة على قيم ثقافية او عاطفية مثلا اشار فيشمان fichman على التكلفة ذات العائد الاكبر للاختصاصيين متعددي اللغة في الخدمة المدنية والعسكرية والصناعية و الاعمال التجارية والخدماتية ويصر على ان متعددي اللغة لهم امكانات اكثر من زملائهم وحيدي اللغة للنجاح والقيام بأعمال بكفاءة عالية ونجاح افضل في التواصل مع الاخرين وهذا ما دفع العديد من الدول حسب رأيه الى تدريس اللغة الاجنبية في مؤسساتها التعليمية حسب موقعها الجغرافي -القرب من اوربا او امريكا - ومستواها في التصنيع وعلاقاتها الاقتصادية مع الاخر وتاريخها مع القوى الاستعمارية .
اللغة والاقتصاد -فلوريان كولماس ترجمة د.احمد عوض
هاهو الرئيس السنغالي السابق والشاعر الفرنكوفوني وعضو الاكاديمية الفرنسية ليوبولد سيدا سنجور النصير المعروف للفرنسية في افريقيا يقول (نحن نعبر عن انفسنا بالفرنسية لان لها وظيفة عالمية ولان رسالتنا موجهة الى الشعب الفرنسي والى الاخرين والهالة التي تحيط بالكلمات في لغتنا -أي الافريقية -هي بالطبيعة هالة من النسغ والدم اما كلمات اللغة الفرنسية فهي مثل الماس تصدر آلاف الاشعة ).
اللغة والاقتصاد -فلوريان كولماس -ترجمة احمد عوض -عالم المعرفة العدد263-ص70.
ان للظروف السياسية التي تعرضت لها بلداننا منذ تدخلت القوى الاستعمارية وبسطت نفوذها عليها كان لها تأثيرها الواضح على الحياة الثقافية واللغوية بها اذ صاحب ذالك غزو ثقافي اجنبي اتخذ من التعليم عمادا له وكان من اكثر الدول هيمنة في هذا المجال فرنسا وانجلترا وهما الدولتان اللتان كان لهما اهتمام خاص بالمنطقة العربية ومطامع استعمارية فيها فا نشأت مدارس ومعاهد تعليمية لفائدة الجالية الاجنبية وكانت هذه المدارس في البداية وسيلة اتخذها ابناء هذه الجاليات للمحافظة على لغاتهم وتقاليدهم وثقافتهم حتى لا تنشأ الاجيال الجديدة منهم مغتربة عن اصولها فاقتصرت في البداية على تعليم أبناء هذه الجاليات لكنها توسعت في ما بعد فسمحت لأبناء الأعيان والحكام من ولوجها حفاظا على استمرارية مصالحهم بعد خروجهم او دحرهم فأصبح لدينا نظام تعليم اجنبي مواز يعد احد المظاهر الواضحة لطبقية التعليم لكونه يخدم اقلية من ابناء المجتمع فتولد لدينا ازدواجية نظامين من التعليم احدهما اجنبي والآخر وطني لكن التعليم الاجنبي وجد امكانيات هامة للتغلغل في الوسط الاجتماعي الراقي فازداد الاقبال على هذا التعليم سعيا وراء وظائف اوجدها نظام الانفتاح الاقتصادي الجديد حتى ان اعدادا اخرى من ابناء الشرائح المتوسطة سعت الى تعليم ابنائها بها بقصد تحقيق مطامع لهم في مهن بهذا القطاع الجديد الذي يمثل هدفا يحلم به الكثيرون في الوقت الحالي كما ان شرائح اجتماعية اخرى وهمت ان تحقق ثراء حديثا فلجأت الى هذه المدارس سعيا وراء حراك اجتماعي ومهني لأبنائهم ويفسر ذالك الاقبال المتزايد على المعاهد الفرنسية الكبرى او الجامعات الاوربية و الامريكية الخاصة مما توفره من امكانيات وتقنيات حديثة لتعلم اللغات الاجنبية وامتلاك تقنيات التواصل الحديث فزاد الطلب على خريجي هذه المؤسسات من قبل هيئات استثمارية وبنوك الانفتاح الاقتصادي وبالموازاة مع هذه المؤسسات الاجنبية ظهرت منظمات عالمية حكومية وغير حكومية لأجل نشر وتوسيع قاعدة المتكلمين للغات الاجنبية في الدول الثالثية والفقيرة التي كانت ضحية الغزو الاستعماري من قبيل الحركة الفرونكفونية.
الفرونكفونية , والانكلوفونية وسياسة تدويل اللغتان
الفرنسية والانجليزية
الفرونكفونية هيئة حكومية دولية دشنت وجودها في عام 1986 تحت قيادة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران وتعد الان لكي تصبح اداة مهمة لنشر الفرنسية وحمايتها من تفوق الانجليزية في السوق العالمية وفي هذا الشأن اعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي توصيات عديدة للحكومات الفرنسية بخصوص المشكلات الاقتصادية والاجتماعية واعتبر وجود الفرنسية في الخارج امر اكبر من مسالة تراث ووجاهة واستعمال خدماتها التجارية واستهلاك سلعها ولذالك ينصح المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحكومة الفرنسية بان تتوقع الطلب على اللغة الفرنسية وان توازن بين الوجود الثقافي والوجود الاقتصادي لفرنسا في البلدان الاخرى فاللغة ينظر اليها باعتبارها تقوم -بشكل خاص- بدور مهم في المجتمع الحديث لان (المجتمع ألاتصالي)يتأثر تأثرا مباشرا بالاقتصاد والتجارة ومادمت اللغة اصبحت سلعة فان الفصل بين اللغة والتجارة يجب ان تزول .
وكان ميشيل جوبير وزير التجارة الخارجية حينئذ صريحا عندما حدد (بيع) اللغة الفرنسية باعتبارها احدى اولوياته وفي قمة دكار الفرنكوفونية (24-28 مايو 1989) اتضح من الاعلان المثير للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بان فرنسا سوف تلغي الدين العام للبلدان الافريقية الخمسة و الثلاثين الافقر قاريا وفي المقابل ينتظر من هذه البلدان ان تستمر في ضمان الدور المتفوق للغة الفرنسية في الحكومة والتعليم
و اذا كانت الفرنسية هي من اللغات التي يروج لها رسميا بشكل اكثر نشاطا و بإنفاق اضخم فان الانجليزية هي الاخرى تتلقى اعانات مالية خارقة من قبل عدد من الدول والحكومات والمنظمات وخصوصا في الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة البريطانية ,
فالولايات المتحدة الامريكية تستخدم على الاقل خمس هيئات مختلفة للترويج للانجليزية وهي وكالة التنمية الدولية (AID) - وكالة الاعلان الامريكية (USIA) - فرق السلام (PEACECORPS)- ادارة الدولة (SD)و ادارة الدفاع (DD) كما أقامت بريطانيا مؤسسات لتنفيذ سياسة نشر لغتها المدعومة ببرامج تعليم حديثة تسهل امتلاك هذه اللغة (الانجليزية)
ونفس الشئ بالنسبة لاسبانيا وروسيا والمانيا وغيرها من الدول و الامم التي تزيد من اعداد معاهدها الثقافية واللغوية مع اعانات مالية سخية لأجل تصدير و تعليم لغاتها الى اكبر عدد من المتعلمين في جل دول العالم.
ومن هنا يتبن لنا ان هناك اسبابا اقتصادية وسياسية تجعل هذه البلدان الكبرى تعزز اجراءاتها لتصدير لغاتها عبر اليات وسياسات ثقافية واقتصادية ومالية من قبيل زيادة العرض وتحفيز الطلب وتخفيض السعر وهو ما يظهر حقيقتين اساسيتين هي ان هذه البلدان توفر الموارد والبنيات للغاتها حتى تكون مطلوبة اكثر في ميدان السوق اللغوية الدولية . ونتيجة لفرض استخدام اللغات الاجنبية وتنحية اللغات الوطنية والمحلية في كثير من مجالات التعليم والبحث العلمي وتعميم استخدام هذه اللغات على موظفي الشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية الاجنبية المتعاقدة مع دولنا ثم تسريب اعداد كبيرة من الفاظها ومصطلحاتها الى لغة الجمهور المحلي تبعا لانتشار السلع و الادوات و الاجهزة المرتبطة بها او اختلاط هذا الجمهور بأفراد وموطني هذه اللغة او بمن ينطق بها من غير اهل البلد نتيجة لهذه العوامل ولما تكون من شعور لدى عامة الناس بهيمنة هذه اللغة وسيطرة اصحابها على النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية فقد ضعفت ثقة كثير من ابناء المجتمع بأنفسهم وبلغتهم وبقدرات هذه اللغة على الوفاء بمتطلبات الحياة ومستلزمات الحضارة الحديثة مما قلل من شانها في نظرهم واضعف من شعورهم بالاعتزاز بها .
اللغة في نظامنا التعليمي
من البديهي ان يكون نظامنا التعليمي مطبوعا بالانسجام بين جميع مراحله الاساسية والثانوية والعالية ويؤدي الاختلاف في لغة التعليم وفي المسالك  والانظمة الى صعوبة الانتقال من مرحلة الى مرحلة ومن مسار الى مسار مما يعقد الاوضاع التربوية ويضر بالأجيال لان تعدد اللغات وتعدد التجارب فيهما رحمة ولكن يجب ان يكون ذالك مدرجا في تصميم شامل ومتناسق كما سبق الحديث عن ذلك .
فما هي لغة التلقين التي تصلح لنظامنا التعليمي ولعصرنا ؟
كثر الحديث عن هذه الإشكالية : أي لغة صالحة للتلقين ؟نظرا للمصالح السياسية والاقتصادية التي تقف وراء مختلف التيارات ولكن في رأي الباحثين التربويين وفلاسفة التربية هو : إن اللغة مسألة مبدئية لا تناقش إلا اذا نوقشت الهوية والجنسية الفكرية والانتماء التاريخي والحضاري ..الخ حيث جميع اللغات صالحة لجميع المجالات لأن اللغة تعيش وتتطور حسب احتياج الانسان فهي من صنع هذا الانسان وهذا ما يفسران بعض اللغات بقيت في مستوى التعبير عن الملموس وعن مستوى بدائي في تطور الانسان بينما صعدت بعض اللغات الاخرى الى مستوى حضاري غني جدا يمكن من التعبير عن الملموس والمجرد بدقة متفاوتة
وعند ربط اللغة بالمستوى السياسي، تبرز اللغة كالوسيلة الطبيعية للتواصل بين افراد المجتمع وبالتالي فان وحدة البلاد تفرض استعمال لغة واحدة اساسية وهذا لا يمنع من استخدام لغات اخرى حسب الحاجة (مصطفى بنيخلف)
وتعتبر مسألة اللغة من المسائل التي تستحق الاهتمام وتوجيه البحوث حولها وهي تطرح اليوم في اطار متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية والتعليم في كل مراحله يكون ممكنا بفضل اللغة كما ان تطور مضامين التعليم عبر مستوياته يوازي تطور الكفاءة اللغوية ولذا يطرح السؤال حول لغة التعليم وما يتوافق مع الاختيارات الاستراتيجية للسياسة التعليمية .
إننا في المغرب ورثنا عن الفترة الاستعمارية وضعا لغويا احتلت فيه اللغة الفرنسية مكانة متميزة حيث فرضت كلغة للتعليم منذ المراحل الابتدائية وحيث كانت تعلم ليس بوصفها لغة اجنبية و انما بوصفها لغة التدريس لجل المواد الادبية (الاجتماعيات-) والعلمية (الرياضيات ?الفيزياء-العلوم الطبيعية)ولم ينج من هذا النظام إلا بعض المدارس التي انشئت اصلا لمناهضة هذا التيار والتي جعلت اللغة العربية هي اللغة الاساس في التعليم مما يجعل المسالة جد معقدة خصوصا وان العلوم اليوم تتطور بشكل سريع وبلغات اجنبية اخرى غير العربية ليس اقلها الفرنسية التي بدأت تبتعد شيئا ما عن مواكبة التطورات العلمية أمام اللغة الانجليزية لذا لم يعد ممكنا الاعتماد على التعريب للمواد العلمية في التعليم الثانوي و الإبقاء على الفرنسية في التعليم العالي ولذا يجب الاسراع في سياسة لغوية في التعليم تتمثل في ضرورة الحفاظ على اللغة الوطنية كأداة للحفاظ على الوحدة الوطنية واللغة هي من اهم اسس هذه الوحدة مع ضرورة حضور لغات اجنبية اخرى للمساهمة عبر هذه اللغات في تكوين شخصية منفتحة على التطورات المعرفية والثقافية في العالم لان لهذه اللغات دور في بناء الثقافة الوطنية شريطة ان لا تأخذ مكانة تخل بالتوازن اللغوي الذي يجعل اللغة الوطنية اولوية
انه لا يمكن ان نكون على صلة بإبداعات عصرنا بالاعتماد على لغة واحدة ولا غنى عن الانفتاح على لغات اخرى ولكن شريطة ان نجعل الجدل ايجابيا بين لغتنا واللغات الاجنبية الاخرى التي ينبغي ان تكون متعددة.
يجب التفكير في سياسة تقوي تعليم اللغات الاجنبية دون ان يكون ذالك متناقضا مع سياسة تجعل اللغة الوطنية اولوية.
انظر :مقالة محمد وقيدي في ‹أي تعليم ثانوي لمغرب الغد؟وزارة التعليم الثانوي والتقني 2000 ص:150
هناك كذالك لغة امازيغية بتفريعاتها الجهوية ينبغي رفع الاقصاء عنها سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وتربويا حتى تساهم في تقوية النسيج الاجتماعي والثقافي الوطني. تعتبر مسالة اللغة في اصلاح التعليم مركزية فهي في قلب المشروع الثقافي والحضاري للأمة وفي صدارة المواجهة مع المشاريع الثقافية المعولمة بحكم الموروث الاستعماري قديمه وحديثه وداخل دائرة الثقافة والتعليم طغت ثنائية التوفيق والتلفيق بين ما هو محلي- تقليدي اصيل -وما هو مستجلب-حديث ومعاصر - افضت الى «انقسام العمل « بين اللغات في سوق لغوية متراتبة ومنشطرة فهي من جهة تقصي اللغة الامازيغية بلهجاتها المحلية في كل المناحي السياسية والاقتصادية والقانونية والتربوية والثقافية وتعتبرها منقوصة وغير ذي قيمة فنية وعلمية كما انها تعتبر اللغة العربية لغة مفصولة عن الواقع الاجتماعي ولا تصلح إلا للقراءة الشعرية والخطابة الدينية وهذا ما يعرض هويتنا الثقافية واللغوية للمحو الذوبان امام جبروت اللغات الاجنبية المداهمة لكياننا وكينونتنا
وضمن هذه الصورة المنشطرة للسوق اللغوية بلادنا يطرح السؤال عن المشروع المدرسي والمشروع السوسيو ثقافي.
لم تتمكن السياسات المدرسية من تصور تركيب من شانه ادماج مختلف مكونات الحقل الثقافي المغربي ولقد طرحت مسالة التعريب كتمهيد لتحديد الهوية الوطنية والثقافية وبين عبد الله العروي كيف ان هذا النقص في التركيب ناتج عن رؤية النخب : الدولة والانتيلجينسيا . وعرفت السياسة اللغوية وما تزال تعرف ارتباكات و تلكؤات فالتعليم العمومي «المعرب»طور ممارسة لغوية مزدوجة تغدي حقولا بيداغوجية وتعوض وهم حرية الاختيار فالتفرع الثنائي اللغوي تدخل قطيعة في نفس الان في وحدة النظام التعليمي وفي وحدة العلوم والمعارف في المدرسة المغربية (مواد ادبية انسانية ومعارف علمية)فتعريب التعليم الاساسي والثانوي مع الابقاء على اللغة الفرنسية كلغة تلقين في التعليم العالي يعزز التراتبية الرمزية بين اللغتين .
انظر مقاربة وتحليل مشاريع اصلاح النظام التربوي التعليمي لعبد اللطيف فلق (مجلة مشرق/مغرب) وتعريب محمد خير الدين .
ان القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة في عهد الوزير عزالدين العراقي حول تعريب التعليم لم يحسم في مسالة هوية النظام التعليمي :هل هو تعليم مزدوج ام تعليم معرب؟فالتعددية اللغوية في اطار هذه السياسة اللغوية اختزلت في وظيفة نقل وترجمة المعارف ولكنها لم تحسم في علاقتها مع باقي اللغات المنافسة بل وحتى مع اللغات المحلية الام كما -انها -لم تحسم في بناء الهوية الثقافية والعلاقة مع الاخر.
ان العلاقة مع المعرفة الملقنة بواسطة اللغة لا ترجع الى مجرد استخدام اللغات بل الى المحيط الاجتماعي و البيداغوجي الذي تمارس فيه تلك العلاقة. فالتفرع الذي أدخله التعريب في حقل المعرفة المدرسية ليس متأصلا في اللغة العربية بل انه تفاقم باختيار التعريب -الترجمة .
ان التعريب تم التعبير عنه بتلاعب ايديولوجي في المضامين الملقنة في اتجاه اعادة احياء النزعة التقليدية.
- انظر المقاربة السابقة اعلاه.
فها سيستمر نظامنا التعليمي في تكوين أجيال تعاني العقد اللغوية وتجر ذيول الفشل إصلاحا بعد إصلاح ؟؟؟
( *) مدير ثانوية-انزكان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.