أمام عجز الجهات المسؤولة عن اتخاذ أي إجراءات لمنع المحلات، التي تزاول المهنة دون ترخيص، يشهد قطاع المبصاريين بفاس فوضى عارمة، تتمثل في وجود مجموعة من الخروقات للظهير الشريف المؤرخ في 1954 والمنظم للمهنة، ما يجعل معها الجهود المبذولة من أجل الرقي بالمهنة، تذهب أدراج الرياح، وتضرب سمعة المهنة في الصميم، بحيث أصبح من الصعب على المواطنين التمييز بين محلات متخصصة في بيع نظارات طبية حاصلة على تراخيص من الأمانة العامة للحكومة، وتلك التي تفتح أبوابها للعموم دون موجب حق وتشكل منتوجاتها خطرا على صحة عيون المواطنين، وعلى قدرتهم البصرية، نظرا لعدم استيفائها الشروط الكفيلة بهذا الغرض، و في ظل غياب أي مراقبة فعلية لها من قبل الجهات الوصية، قرر نظاراتيو جهة فاس بولمان خوض إضراب طيلة الفترة الصباحية من يوم الثلاثاء الماضي مع تنظيم وقفة احتجاجية مبرمجة سلفا أمام مقر الولاية كرد فعل على عدم التجاوب مع مطالبهم ، والتي تدعو إلى التدخل لوضع حد لما أسموه «الدخلاء والطفيليين» على الميدان، حيث رفع خلالها المحتجون شعارات تشجب وتندد بهذا الاعتداء وهذه التجاوزات الخطيرة التي تعرفها المهنة، أمام عجز السلطات عن اتخاذ أي إجراءات حازمة في حق العديد من المحلات التي تم فتحها في الآونة الأخيرة بطريقة « غير شرعية » وقيام بعض الجمعيات بحملات لبيع النظارات، مطالبين الوالي بإصدار أوامره للجهات المختصة لحجز كل المعدات والآليات التي تمارس بها هذه الأنشطة خارج القانون. وقد سبق لأصحاب هذه المهنة أن دقوا ناقوس الخطر جراء ما تتعرض له الصحة العمومية من تهديد يطول القدرة البصرية للمواطن بفعل العشوائية التي تطبع مهنة صنع وبيع النظارات الطبية جراء «لامبالاة السلطات المعنية وتقاعسها عن التدخل لتنفيذ القانون رغم علمها بخرقه الواضح، في بعض الحالات، وذلك من خلال وضع لافتات على مستوى عدد كبير من ساحات وشوارع وأزقة المدينة، تشير إلى خطورة الفعل وانعكاسه على صحة المواطنين..». ويطالب عدد من النظاراتيين، الذين شاركوا في الوقفة وهددوا بالتصعيد، في تصريحات للجريدة، «بتشديد العقوبة على كل من يزاول المهنة دون حصوله على رخصة من الجهات المختصة»، منبهين «لوجود نظارات غير مطابقة لمواصفات الجودة تشكل خطرا على صحة المواطنين، قد تصل حد الإصابة بالعمى وفقدان البصر»، مشيرين إلى أنه «يجب الإكثار من حملات التوعية للمستهلكين وحثهم على الابتعاد عن هاجس الأثمنة المنخفضة، علما بأن معظم هذه المنتوجات التي تدخل ضمن المستلزمات الطبية، عرفت أثمنتها انخفاضا على غرار الأدوية، حيث أصبحت في متناول مختلف شرائح المجتمع». واعتبر محمد سليم بنشقرون، الرئيس الشرفي للنقابة الوطنية لمبصاريي المغرب ، «أن النظارات الشمسية المقلدة، وخاصة الصينية التي تباع على الرصيف، تحمل علامات تجارية غير حقيقية و ليس لديها موافقة من أصحابها، وتختلف مكوناتها عن تلك الواجب توفرها في تلك العلامات، إذ تستعمل في الإطار مواد أو مخلفات بلاستيكية يعاد تصنيعها ويتم صبغها بأصباغ غير مجازة طبيا للتعامل مع الجلد، لطمس معالم استعمالها السابق أو معادن غير مجاز استعمالها وتؤثر على الجلد، ما يضر بسلامة الجلد والعين، فيما تصنع العدسات غير الطبية من الإكليريك المعاد تصنيعه، لا تصلح لعلاج أي نوع من المشاكل البصرية للعين أو عملية التعويض الناتج عن القصور في الرؤية، ولذا فإنه لا يجوز استعمالها على الإطلاق لأي غرض طبي أو لتعويض الإبصار، وقد تسبب أنواعا كثيرة من السرطان وتؤدي إلى أمراض كثيرة»، مضيفا «أنه ، وللأسف، أن المراقبة مازالت لحد الآن ضعيفة، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام كل التجاوزات...التي تؤدي إلى إلحاق أضرار متفاوتة الخطورة، قد تتباين بين نقص النظر، والإصابة بالعمى في بعض الحالات، مع توالي استعمال هذا النوع من النظارات رديئة الجودة». احتيال باسم العمل الخيري لم تقف مطالب النظاراتتين عند حدود المحلات غير المرخصة والتي حددها المشرفون على القطاع في 28 محلا غير مرخص، بل شملت انتقاداتهم بعض «الحملات الخيرية التجارية»...، حيث أكدت الرئيسة الجهوية شهرزاد السكاكي، في تصريح للجريدة، «أن هذا النوع من «الحملات» التي تنظمها بعض الجمعيات لتصحيح النظر، والتي يروج منظموها أنها خيرية تمكن المريض من الاستفادة من فحص مجاني للعيون، زيادة على إطار مجاني مقابل دفع مبلغ زهيد للحصول على نظارات تصحيح الرؤية، والتي تستهدف غالبا المسنين، ترتكز على الدعاية الكاذبة والتحايل باسم المجتمع المدني بتسميات متعددة تديره أسرة واحدة يحكمها منطق تجاري ربحي، بحيث كلما تحركت السلطات لتمنع نشاطا معينا مطعونا فيه إلا وأخرجت الأسرة المشار إليها بطاقة تنظيم «عمل خيري»مخالف للقوانين والأعراف المنظمة للمهنة، بحيث النظارات المقتناة تكون ذات جودة ضعيفة جدا ومجهولة المصدر، قد تؤدي إلى ضعف كبير في البصر أو فقدانه بشكل دائم، حيث المرضى أول المتضررين، بالإضافة، أن هذا الفعل يشكل خرقا للظهير 1-58-376 المنظم للجمعيات الذي ينص، في فصله الأول، على منعها من القيام بأنشطة تجني منها أرباحا طائلة». ترويج عدسات بصرية مهربة كما استنكر معظم المهنيين الفوضى التي تطال تجارة العدسات اللاصقة المهربة التي راكم أصحابها ثروات هائلة على حساب صحة المواطنين والنظاراتيين وخزينة الدولة، حيث يؤكد أخصائيون، حسب سليم بنشقرون،«أن العديد من المواطنين المصابين بأمراض العيون يشتكون من قرحة في القرنية التي تفتح الباب للالتهابات ثم التعفنات قد تؤدي إلى فقدان البصر مع تشوهات في العين... بسبب استعمالهم لعدسات لاصقة قادمة من الصين أو من الجزائر عن طريق التهريب، لا تتوفر فيها الشروط الصحية ولا تخضع للمراقبة...»، قبل أن يسترسل في توضيح مخاطر تلك العدسات التي يتم اقتناؤها من أسواق التهريب التي أصبحت أسواقا عشوائية موازية للتجارة المنظمة... مضيفا « إذا كان التهريب يطال المنتوجات من المواد الغذائية أو الألبسة أو الآلات أو غيرها من السلع والبضائع التي من السهولة ترويجها دون أن تتطلب دراية أو علما أو اختصاصا دون الحديث عن الجودة، أصبح هذا النشاط يطال مجالات خطيرة على صحة المواطنين وعلى حياتهم، بحكم أن مزاولته تتطلب دراسات علمية جامعية وشهادات عليا في اختصاصات صيدلانية أو طبية أو تقنية كالفحص وتشخيص المرض ومنح وصفة الأدوية والعدسات البصرية اللاصقة وزجاج النظارات ومواد التجميل وغيرها»، موضحا « أن العدسات اللاصقة تباع في قنينة محفوظة داخل سائل خاص بها، وفي علبة تحمل تاريخ الصلاحية ومصدرها وعنوانها، وأرقاما تحيل على المختبر الذي صنعها حتى يتم اللجوء إليه في حالة ما إذا تسبب المنتوج المقتنى بصفة قانونية في أمر طارئ أو مرض ما». المتاجرة في الشهادات مشكل آخر يواجهه النظاراتيون يتعلق بالتكوين، فبعد أن تكاثرت في الآونة الأخيرة «معاهد خاصة لتدريس علم البصريات»، يتهم المبصاريون بعض خريجي هذه المعاهد بخرق المقتضيات القانونية والمتاجرة في الشهادات، وذلك لكون أن هناك أفرادا يسجلون في هذه المعاهد ولا يحضرون الحصص، والمقلق في الأمر، يقول أحد المحتجين، «أنه زيادة على ما سبق ذكره، تقوم بعض معاهد للتكوين المهني الخاص بمنح الدبلومات دون سند قانوني، تسجل طلبة حاصلين على باكالوريا شعبة الآداب والشعب المشابهة، بعضها يفتح فروعا له في مختلف المدن، ليصبح من السهل بيع الشهادات والربح من وراء ذلك، على حساب صحة المواطنين، علما بأن هذا المجال لا يمكن أن يدرسه إلا ذوو التكوين العلمي نظرا لخصوصية المهنة». لتفادي الأضرار هذا، وقد نصح سليم بنشقرون، عموم المواطنين باللجوء إلى المبصاريين النظاراتيين المعترف بهم من طرف الأمانة العامة للحكومة، وعدم سعيهم فقط وراء السلع المنخفضة الأثمنة على حساب صحتهم، كما دعا المواطنين إلى اللجوء إلى القضاء في حال وقوع مشكل لا قدر الله، وذلك بمتابعة الجهة التي اقتنى منها تلك المنتوجات المبصرية، وأن يضع شكاية ضدها حتى تكون عبرة للآخرين، سواء كان نظاراتيا لا يحترم أصول هذه المهنة أو غيره، مناشدا السلطات المعنية، تكثيف مراقبة كل ما يتعلق بتسويق هذه السلع، و المحلات التي تفتح عشوائيا والحملات التي تقام تحت مسمى العمل الخيري، سائلا الوزارة الوصية والسلطات المعنية عن أسباب تجاهلها لهذا القطاع من خلال نهجها سياسة الأذن الصماء...؟.