الصحة ليست مخرجا لعملية التنمية فقط، بل أحد أهم شروطها وأرضيتها الأساسية. هذا الوعي بدأ يترجم عبر تزايد الالتزام السياسي، دوليا عبر الأهداف الإنمائية للألفية، ووطنيا عبر دسترة الحق في الصحة أولا، ثم البرنامج الحكومي والبرنامج القطاعي وتوصيات المناظرة الوطنية للصحة ثانيا. ولاشك اليوم، أن الوعي يتزايد بشأن الدور المركزي للعنصر البشري للنهوض بالمنظومة الصحية في شموليتها، خاصة المهن الطبية الموازية (les paramédicaux)، لأنها مورد حيوي للصحة والتنمية والتغيير الاجتماعي بشكل عام. سنحاول من خلال هذه المساهمة وقد ودعنا سنة 2014 ببضعة أيام، إجراء تقييم موضوعي ومرحلي لسياسة تدبير الموارد البشرية التمريضية، انطلاقا من تعهدات الحكومة في الإستراتيجية القطاعية للصحة، وعبر تجريب أداة تحاول بناء رؤية ذات أثر رجعي (النجاحات والإخفاقات)، وكذلك عبر بناء مقارنة مع كان عليه الممرضون قبل هذه السياسة، لنر هل من تقدم محرز. النجاحات والإنجازات : يشكل إرساء نظام LMD في المعاهد العليا للمهن التمريضية والتقنيات الصحية ومراجعة نظامها الأساسي من أجل ملاءمتها مع النصوص المتعلقة بمؤسسات التعليم العالي غير الجامعية أهم انجاز للوزير الحالي. هناك نجاحات أخرى متعلقة بتعيين الجهاز الإداري لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية، وتحفيز مادي بسيط متجل في الزيادة في التعويض عن الحراسة والإلزامية، وتنظيم مباريات توظيف جهوية للممرضين بما يمكن من إعادة الانتشار في المناطق النائية خصوصا ، وبالتالي فتح المراكز الصحية المغلقة أو الجديدة، بما يعنيه ذلك من تقريب الخدمات وعدالة وإنصاف لساكنة هذه المناطق. الإخفاقات: رغم المصادقة المبدئية لثلاثة وزراء، لا تزال المعادلة الإدارية للشهادات الصادرة عن معاهد النظام القديم (IFCS) بالإجازة، والمعادلة الإدارية عبر الإدماج في السلم العاشر في الثلاجة، وكذا النقط المتعلقة بالتحفيز المادي وهي المكافأة على المردودية، وتعويض العاملين عن التغطية الصحية للتظاهرات، تعويض العاملين في المناطق النائية والصعبة، وإضافة درجة جديدة للممرضين. كما يلاحظ المتتبعون أن تقنين مهن التمريض والقبالة والتقنيات الصحية، وكذا إخراج الهيئة (أو الهيئات) الممثلة لهذه الفئات لا يزال متعثرا، فلا يزال الممرضون ضحية لفراغات قانونية كبيرة ولقوانين تعود لسنة 1960 . كما تجدر الإشارة إلى المشاكل التي عرفها تنزيل نظام تكوين الممرضين الجديد، خاصة الضجة التي رافقت توزيع مناصب المسؤولية بها، وكذا إهمال فئة الأساتذة الدائمين بالمعاهد وعدم إخراج قانونهم الأساسي . وبخصوص أعداد الممرضين، فهي تظل غير كافية، حيث تصنف منظمة الصحة العالمية المغرب من بين 57 بلدا في العالم التي تعاني نقصا حادا في الموارد البشرية الصحية، وتقدر الوزارة الخصاص ب 9000 ممرض. وإذا استحضرنا إحالة أزيد من 835 ممرضا على التقاعد سنة 2015، وأن عدد المناصب المالية للممرضين هو 1400 منصب برسم سنة 2014، نستنتج أن أعداد الممرضين شبه ثابتة وغير قادرة على تلبية الحاجيات خاصة في ظل التحولات الوبائية والديمغرافية والاجتماعية، بل إن الأمور قد تصبح أسوأ مع شيخوخة المهنيين. الممرضون: ضحايا الإصلاح الحالي : قبل الحكومة الحالية، كان المسار المهني للممرضين يتضمن الفرص التالية: الترقية بالمباراة بعد 4 سنوات، الترقية بالشهادة وإمكانية تغيير الإطار، الجسور مع الجامعة، الدراسة في السلك الثاني في شعبتي التدريس أو الحراسة في المستشفيات، الولوج للمعهد الوطني للإدارة الصحية، والولوج للمدرسة الوطنية للإدارة. أما الآن، فقد تم حرمان هذه الفئة من كل هذه الفرص باستثناء الترقية بالمباراة التي أصبحت بعد 6 سنوات وبنسبة نجاح مخجلة، كما أصبح الولوج للمدرسة الوطنية للصحة العمومية شبه مستحيل على الممرضين. على سبيل الختم: يبدو جليا أن النهوض بأوضاع الممرضين والقابلات وتقنيي الصحة من حيث التحفيز والتكوين والتوفير هو إجابة ناجعة للفاعل الحكومي عن الطلب الاجتماعي حول الصحة. إنها فعلا قضية مجتمعية عادلة تحتاج قرارات سياسية منصفة. فهل من مجيب؟