د خل ملف طلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة منعطفا جديدا، يطبعه التصعيد والتحدي، وأضحى مفتوحا على المجهول، بكيفية تجعل كل الأطراف تطرح أكثر من علامة استفهام، وتعرب عن تخوفها، حتى ولو كان ذلك سرّا وليس جهرا، وفي قرارة الأنفس لا في الظاهر، بالنظر إلى طبيعة التبعات ونوعية المآلات التي لن تخدم أية جهة كيفما كانت، والتي ستكون لها كلفة ثقيلة، مما يستدعي اعتماد الحكمة والتبصر وضبط النفس، والعودة إلى طاولة الحوار لإيجاد حلول عملية بعيدا عن منطق الندّية والإصرار الضارّ. ملف الطلبة تميّز بالتصعيد من خلال أجراة وتفعيل قرار مقاطعة الامتحانات يوم الإثنين 10 يونيو 2019، هذه الخطوة التي شلّت المدرجات، وهجر خلالها المحتجون الكليات العمومية والتقوا بعيدا عنها لتتبع الوضع ورصد ردود الفعل، في حين حضر الآباء والامهات أمام المؤسسات المعنية للتعبير عن احتجاجهم ومساندتهم لفلذات اكبادهم من اطباء الغد. ملف عرف محطات توتر كثيرة خلال مساره، بعد فشل الوساطات، وإعلان الاطباء الداخليين والمقيمين لقرار مقاطعة الحراسة، وانخراط الأساتذة بدورهم في دعم طلبتهم، وما ترتب عنه لاحقا من توقيف 3 منهم بكل من الدارالبيضاء، اكادير ومراكش، مما أدى إلى ردود فعل ساخطة، اتسع مداها مع تحميل مسؤولية التوتر الذي يعرفه هذا الموضوع لجماعة العدل والإحسان، وإلباسه لبوسا سياسيا، الأمر الذي رفضته الجماعة، وخلق نقاشا كبيرا، داخليا وخارجيا، حول حيادية النضال الطلابي من عدمه، ما بين مؤيد ورافض له، وداع إلى ضمان تكافؤ الفرص للجميع، سواء تعلّق الأمر بطلبة الكليات العمومية أو الخاصة على حدّ سواء. «الاتحاد الاشتراكي» تقدم أبرز مسارات احتجاج طلبة طليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، الذي تحكمت في فتح او إغلاق أقفاله تسعة مفاتيح أساسية، منذ شهر فبراير إلى اليوم هي على الشكل التالي: المفتاح الأول: مطلب العمومية وتجويد التكوين احتجاج طلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة العمومية، الذي شهدته هذه السنة لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه حراك سابق عرف تصعيدا مماثلا وتهديدا بسنة بيضاء، من أجل تنفيذ ملف مطلبي، تتشابه عدد من نقاطه مع الملف المطلبي الحالي، ودون العودة إلى ما وقع سابقا، سنقف عند دوافع الغضب الطلابي الذي عرفته سنة 2019، برفع مطلب أساسي وهو الدفاع عن الجامعة العمومية، ورفض كل الإجراءات التي تمسّ بها، مع المطالبة بتحسين ظروف تكوين طلبة الطب وطب الأسنان وتحسين شروطه، بما يوفر ويضمن تكوينا جيدا لطبيب الغد ويستجيب لانتظارات المواطنين، إلى جانب التشديد على رفض ما ينعته الطلبة ب «العشوائية التي وسمت تنزيل مشروع كليات الطب الخاصة في ظل غياب أرضية مناسبة للتداريب الاستشفائية وتأطير بيداغوجي مناسب، واللجوء عوض ذلك لأرضيات التداريب بالمستشفيات الجامعية العمومية كحل ترقيعي، مما سيزيد من تعميق الأزمة، في ظل الاكتظاظ الذي تعاني منه هذه الأخيرة». مطالب لم تقف عند هذا الحدّ إذ شدّد الطلبة على ضرورة « إلغاء المرسوم الوزاري المنظم للتداريب الاستشفائية بالسنة السابعة وتوفير ظروف التكوين والأمن والسلامة بالمستشفيات الجهوية»، واستنكروا «ظروف التكوين المزرية التي يعيشها طلبة كليات طب الأسنان، حيث يعانون من نقص المعدات بأرضيات التداريب الاستشفائية، وكذا قاعات الدروس التطبيقية». المفتاح الثاني: محطات من مسار الاحتجاج أولى خطوات الاحتجاج والغضب الطلابي انطلقت في 5 فبراير بعقد أول جمع عام لتحديد المطالب، تلته محطة 12 فبراير، حيث عُقد أول اجتماع وزاري مع تقديم الملف المطلبي، وفي 14 مارس جرى تنظيم أول وقفة احتجاجية وطنية مع عقد اجتماع بوزير الصحة، ثم في 19 مارس تم الانتقال إلى شكل احتجاجي آخر تمثل في خوض إضراب لمدة أسبوع يخص الدروس التوجيهية والتطبيقية، وبعد ستة أيام، أي في 25 مارس انطلق الاضراب المفتوح بشأن التداريب الاستشفائية. 4 أيام بعد ذلك أي في 29 مارس تم عقد اجتماع مع وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة، وفي 12 أبريل عُقد مرة أخرى اجتماع مع وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة تحت رئاسة الوزيرين المختصين، تلاه اجتماع ثالث في 12 ماي مع الوزارتين وتحريرهما لمشروع اتفاق، الذي تم التصويت عليه بالرفض يومي 15 و 16 ماي من طرف الطلبة خلال أشغال الجموع العامة التي عقدوها وذلك بنسبة 91 في المئة، مع اتخاذ قرار مقاطعة امتحانات 10 يونيو. مسار سيعرف تصعيدا بعد أن نظم وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى جانب وزير الصحة، ندوة صحافية في 29 ماي، أكّدا خلالها على تاريخ إجراء الامتحانات مع ما يعني ذلك من عدم استجابة للاحتجاج ولمطالب الطلبة، الذي جاء جوابهم من خلال تنظيم مسيرة وطنية في اليوم الموالي 30 ماي، أكدوا من خلال تصريحاتهم على أنها عرفت مشاركة أكثر من 12 ألف طالب مصحوبين بآبائهم وأمهاتهم. بعد ذلك فعّل الطلبة قرارهم بمقاطعة الامتحانات وغابوا عن المدرجات في 10 يونيو، واعلنوا عن نجاح المقاطعة الشاملة بنسبة 100 في المئة على الصعيد الوطني، مع تنظيم أمهاتهم وآبائهم لوقفات امام كليات الطب والصيدلة العمومية. المفتاح الثالث: 16 نقطة و14 «اتفاق» مقاطعة الامتحانات والمضي فيها قدما، كانت بحسب وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الصحة، أمرا غير مبرر، وجاء في سياق «ليّ الذراع»، وأكدتا من خلال بلاغ مشترك أصدرتاه أنه تم اتخاذ مجموعة من التدابير اللازمة من طرف وزارة الصحة لتأهيل وتوسيع وتجويد وتأطير فضاءات التداريب الاستشفائية بما فيها مركزي طنجة وأكادير، ووضع مراكز طب الأسنان التابعة لها رهن إشارة كليتي طب الأسنان بالرباط والدار البيضاء. كما أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الصحة ستعملان على تسهيل اقتناء المواد والمعدات الضرورية لإنجاز الأشغال التطبيقية والتداريب الاستشفائية للتكوينات في طب الأسنان في أحسن الظروف. وتم التأكيد أيضا على أن المراكز الاستشفائية الجامعية العمومية تشكل ميادين التدريب الأساسية بالنسبة لطلبة كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان العمومية، وبأن كليات الطب الخاصة ملزمة بتوفير مراكز استشفائية جامعية خاصة بطلبتها، كما هو منصوص عليه كشرط أساسي للترخيص لها من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. وإلى جانب ما سبق تم التأكيد كذلك على أن المباراة الخاصة بالأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الداخليين لن يطرأ عليها أي تغيير في وضعيتها القانونية الحالية، والتي لا تسمح للطلبة المسجلين في كليات الطب الخاصة باجتياز مباريات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الداخليين المنظمة من طرف كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان العمومية. وفيما يخص المباراة الخاصة بالأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان المقيمين، اتفق الأطراف على مواصلة الحوار بشأنها في أفق بلورة إصلاح السلك الثالث بمساهمة ممثلي الأساتذة الباحثين وممثلي الطلبة، مع مواصلة الرفع من المناصب المخصصة. أما بالنسبة لامتحان التأهيل الوطني – وكما ذكر في بلاغ 15 مارس 2019- فإنه لا يختلف إجراؤه وتنظيمه عن الكيفية التي تجرى بها الامتحانات السريرية حاليا، بحيث ستتولى كل كلية من الكليات المعنية تنظيم امتحانها الخاص بها على امتداد 3 دورات خلال السنة السابعة من التكوين بالنسبة لدبلوم دكتور في الطب والسنة السادسة من التكوين بالنسبة لدبلومي دكتور في الصيدلة ودكتور في طب الأسنان. كما تم توضيح مغزى الامتحان التأهيلي الوطني حيث سيتيح إمكانية تقييم كفاءات ومؤهلات الأطباء الحاصلين على شهادات أو دبلومات أجنبية والذين تقدموا بطلبات معادلة شواهدهم أو دبلوماتهم مع الشهادات الوطنية. وعبرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي عن التزامها بالعمل على تعديل الضابطة الواردة في دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الأخيرة الخاصة بشواهد دكتور في الطب ودكتور في الصيدلة ودكتور في طب الأسنان لتبقى هذه الشواهد على ما كانت عليه سابقا. وأكدت بخصوص التكوينات الخاصة بدبلوم دكتور في طب الأسنان أنه سيتم العمل على بلورة وتنظيم دراسات السلك الثالث بحيث سيتم في هذا الشأن تقديم اقتراحات بإشراك ممثلي الأساتذة الباحثين وممثلي الطلبة، بغرض ملاءمتها لما هو معمول به بالنسبة لدبلومي دكتور في الطب ودكتور في الصيدلة. وأضافت أنه في انتظار استكمال إصلاح دراسات السلك الثالث لدبلومات دكتور في الطب ودكتور في الصيدلة ودكتور في طب الأسنان، يبقى نظام الدراسات المعمول به حاليا ساري المفعول. كما تم الاتفاق في هذا الإطار على ضرورة تسريع إخراج دفاتر الضوابط البيداغوجية الخاصة بالدراسات في السلك الثالث. وأشار البلاغ المذكور إلى أنه وعلى غرار ما هو معمول به بالنسبة لباقي الدبلومات وخصوصا منها دبلومات دكتور في الطب ودكتور في طب الأسنان، ستعمل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتنسيق مع القطاعات المعنية على أن يستفيد طلبة الصيدلة من منحة التعويض عن المهام خلال السنة الخامسة من التكوين، إلى جانب التأكيد على استفادة طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان من نظام التغطية الصحية الإجبارية وفق المساطر المعمول بها. كما تقرر إشراك جميع المتدخلين خصوصا ممثلي الأساتذة الباحثين وممثلي الطلبة في الأوراش المتبقية من أجل تنزيل الإصلاح البيداغوجي لكليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان وعقد لقاءات للتتبع بشكل دوري كل 6 أشهر وكلما دعت الضرورة لذلك، إضافة إلى مراجعة منشور رقم 48/2017 المتعلق بتدبير التداريب الخاصة بطلبة الطب المكلفين بمهام طبيب داخلي في الطب (السنة السابعة)، مع التزام السيدة والسادة عمداء كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان ببرمجة دروس استدراكية للفترة التي عرفت انقطاع الطلبة عن الدراسة. المفتاح الرابع: أطباء داخليون ومقيمون وأساتذة في خضم هذا المسار الذي تميز بالتصعيد من الجانبين، وسعي كل طرف لإبراء ذمته والتأكيد على أنه لا يسعى لصبّ الزيت على النار، خرج الأطباء الداخليون والمقيمون في 23 ماي ببيان أعلنوا من خلاله تضامنهم مع طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، واتسنكارهم لما وصفوه ب « لغة التهديد والوعيد التي بدأت تسود عند الوزارة الوصية بدل الحوار لحل الأزمة»، وأعلنوا عن مقاطعتهم لحراسة الامتحانات بجميع أنواعها، وذلك إلى غاية الوصول لاتفاق بين التنسيقية الوطنية لطلبة الطب بالمغرب والوزارتين. وشدّدت اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين على أن «الإصرار على تنظيم الامتحانات في ظل هذه الأزمة هو قرار غير سليم وعديم الجدوى، بل قد يفاقم الوضع و يؤدي لمزيد من التأزم وأمور قد لا تحمد عقباها، وبأن مصلحة الوطن والجامعة العمومية تقتضي الجلوس إلى طاولة الحوار مجددا وتقديم مقترحات من شأنها أن ترتقي إلى طموحات الطلبة وتجيب عن مخاوفهم و تستجيب لتطلعاتهم»، معربة عن «استعدادها للمساهمة في أي حل يحفظ حقوق الطلبة ويكون مقبولا عندهم ويحقق مصلحة كليات الطب والصيدلة». بدورهم أساتذة كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، عقدوا جمعا عاما يوم الثلاثاء 4 يونيو، ناقشوا من خلاله تطورات الحركة الاحتجاجية التي يخوضها طلبة كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان، كما تم عرض مخرجات الوساطة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ووزارة الصحة من جهة، والتنسيقية الوطنية لطلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان من جهة ثانية، بالإضافة إلى نتائج الاجتماع الذي عقده وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي مع اللجنة الوطنية للوساطة يوم الاثنين 3 يونيو 2019. وبعد تثمينهم لقرار الجمع العام السابق المنعقد يوم 29 ماي الماضي المتمثل في الدعوة إلى تأجيل الامتحانات إلى حين استكمال الشروط البيداغوجية، لأنه لم يتم إتمام الدروس النظرية والأشغال التطبيقية لفائدة الطلبة، قرروا عدم الذهاب إلى الكلية وعدم المشاركة في الامتحانات المقرر تنظيمها انطلاقا من 10 يونيو، وبالتالي عدم المشاركة في حراسة هذه الامتحانات. المفتاح الخامس: الصوت الطلابي أكد أيوب أبو بيجي، المنسق الوطني لطلبة الطب وطب الأسنان بالمغرب، في تصريح خصّ به «الاتحاد الاشتراكي» أن مقاطعة الامتحانات لم تكن هدفا، وإنما الهدف الفعلي هو الدفاع عن المطالب المرفوعة وحث المسؤولين كل من موقعه على المساهمة الجماعية من أجل تحقيقها بما يخدم الجامعة العمومية المغربية. وشدّد على أن المقاطعة التي أرغموا على اتخاذ قرارها كانت ناجحة بكل المعايير وعرفت انخراطا تاما لكل الطلبة بنسبة 100 في المئة، الذين وجهوا من خلالها جوابا عن تشبث الوزارتين بتنظيم الامتحانات في هذه الظرفية في ظل غياب الظروف القانونية والبيداغوجية، وعن الاتهامات التي وُجّهت لهم بتسييس الملف والتهديدات بترسيبهم وطردهم، ونفس الجواب وجّهه كذلك آباء وأمهات الطلبة من خلال الوقفات الاحتجاجية التي جرى تنظيمها يوم 10 يونيو. وأوضح أيوب، أن التنسيقية ستعقد اجتماعا نهاية هذا الأسبوع للاستماع إلى مقترحات الطلبة بشأن تدبير المرحلة المقبلة، وذلك بعد اتخاذ الطلبة على الصعيد الوطني لقرارهم في هذا الصدد، مؤكدا أنه سيتم مرة أخرى وضع طلب للحوار، لإنقاذ السنة الجامعية والتعامل مع هذا الملف بجدية وتحقيق المطالب للدفاع عن الجامعة العمومية والتكوين الطبي العمومي والرقي بصحة المواطنين، على غرار طلبات سابقة ظلت التنسيقية الوطنية تتقدم بها بمعدل طلب كل أسبوع دون أن يتم التعامل معها إيجابيا. وبخصوص ما تم الترويج له بأنه تم التوصل إلى اتفاق بخصوص 14 نقطة وبقيت فقط نقطتان خلافيتان، أكد أيوب في تصريحه ل «الاتحاد الاشتراكي» أن التنسيقية لم تتقدم في يوم من الأيام بملف مطلبي يضم 16 نقطة، مشددا على أنه تمت إضافة نقاط كثيرة من أجل تمييع هذا الملف، مبرزا أن حوالي 6 نقاط التي اقترحتها وزارة التعليم والصحة، هي عبارة عن توضيحات وتفسيرات، وتتكلم بصيغة عامة وبشكل فضفاض من قبيل «العمل على الرفع من المناصب وجودة التأطير وتجويد التكوين وبلورة أمور»، مشددا على غياب أي تاكيد والتزام على التنفيذ من خلال أجراة عملية بتحديد تواريخ زمنية محددة. المفتاح السادس: وساطة بدون حلول خلال مسار لتجاذبات هذا، والأخذ والرد بين الوزارتين والطلبة، سعت عدد من الاطراف إلى محاولة تقريب وجهات النظر، وتعبيد طريق الحوار بين الجانبين من أجل إنقاذ السنة الجامعية وإيجاد حلول مشتركة للملف المطلبي المرفوع، ومن بين هذه الأطراف المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، الذي وبعد أن قطع أشواطا هو الآخر من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة، خرج للرأي العام بنداء للمسؤولية، عبّر من خلاله عن أسفه لمآل هذا الملف الذي وصل، على حدّ تعبيره، إلى حدّ شد الحبل بين ممثلي الطلاب والحكومة، من خلال الإعلان عن الاستمرار في الإضراب ومقاطعة الامتحانات التي برمجتها مجالس الكليات ابتداء من يوم الاثنين 10 يونيو. وأعرب المرصد عن تفهمه لقلق واستياء الأساتذة والآباء والأمهات والوسطاء من المسار الذي اتخذه هذا الملف، مع توجيهه تحية تقدير لكل من ساهم في محاولات إيجاد حلول لهاته الأزمة، مستعرضا في نفس الوقت الخلاصات التي تم التوصل إليها المتمثلة في قبول الوزيرين باسم الحكومة توقيع بلاغ مشترك توقعه كل الأطراف، متضمن لالتزامات القطاعين، الخاصة بكل نقطة من نقط الملف المطلبي بما فيها النقطة الخلافية المتمثلة في الإقامة، حسب جدولة واضحة المساطر والآجال. وناشد الطلاب بقبول العرض الحكومي، الذي اعتبره من ثمرات نضالهم من جهة، ونوّه بتجاوب الوزيرين مع الوساطات المتعددة من جهة أخرى، مع استئناف الحوار المسؤول والجاد مباشرة بعد فترة الامتحانات بمساهمة كل الأطراف، إضافة إلى دعوة الوزيرين إلى عدم إغلاق باب الحوار إلى آخر لحظة قبل تاريخ الامتحانات، لكن دعوته لم تجد لها صدى، حيث أعرب عن أسفه لفشل الاتصالات، التي تمت طيلة هاته المرحلة وآخرها أيام الجمعة والسبت والأحد، التي سبقت موعد الامتحانات، من أجل بلوغ اتفاق يتم من خلاله استئناف الحياة العادية بهاته المؤسسات، انطلاقا من يوم الاثنين 10 يونيو، مع تأجيل دورة الامتحان إلى تاريخ لاحق، تصادق عليه مجالس المؤسسات، مع التزام الوزارتين بإيجاد حلول متوافق عليها لكل عناصر الملف المطلبي دون سقف مسبق . وكانت عدد من الفرق البرلمانية، المنتمية إلى الأغلبية والمعارضة، قد اقترحت بدورها حلولا وسطية تقضي ب «توضيح وتوثيق وترسيم الاتفاق حول النقط المحسومة والاتفاق على مواصلة الحوار حول النقط العالقة»، وفي حال حصول هذا الاتفاق «تحديد موعد جديد معقول لإجراء الامتحانات بما يرصد المكتسبات ويفتح آفاقا جديدة ويبعد شبح هدر سنة من العمل الدؤوب»، لكن مقترحاتها هي الأخرى لم تجد لها طريقا للاستجابة. المفتاح السابع: إصرار وزاري تاكيد طلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة على قرار المقاطعة قابله إصرار وزاري من قبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الصحة ، إذ أكّدتا أنهما استنفدتا جميع سبل الحوار مع ممثلي الطلبة، وقررتا إجراء امتحانات الدورة الربيعية، وفق البرمجة الزمنية المحددة سلفا. وجددتا التأكيد على أنهما استجابتا ل 14 نقطة تضمنها الملف المطلبي للطلبة، في حين أنه وفيما يخص نقطتي الخلاف، اللتان تهمان مباراة الأطباء المقيمين، فقد عملت الوزارتان على اقتراح التزام وزارة الصحة بالعمل على مواصلة رفع عدد المناصب المخصصة لمباراة الإقامة، ومراجعة المرسوم رقم 2.91.527 المتعلق بتنظيم المباراة الخاصة بالأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان المقيمين، بما يضمن حقوق ومكتسبات طلبة كليات التكوين الطبي العمومي في ولوج تكوينات التخصص، فضلا عن إحداث لجنة مكونة من مختلف المتدخلين منهم ممثلو الأساتذة الباحثين والطلبة، تتولى مهمة دراسة الحيثيات المرتبطة بتعديل المرسوم رقم 2.91.527 بما فيها دراسة إمكانية تحديد النسب، ما لم يتعارض ذلك مع النصوص القانونية الجاري بها العمل، وحذف الشق المتعلق بمعدل النقاط المحصل عليها خلال سنوات التكوين السبعة من مكونات اختبارات المباراة. المفتاح الثامن: تأكيد حكومي لم تحل بلاغات وزارتي التعليم العالي والصحة في ثني الطلبة عن تنفيذ قرار المقاطعة، ولم تحفزهم على العودة إلى المدرجات لإجراء الامتحانات، فكان لهم ما قرروه، وهو ما جعل الناطق الرسمي باسم الحكومة يؤكد عقب اجتماع المجلس الحكومي الأخير، أن جماعة العدل والإحسان استغلت طلبة الطب، من أجل تحقيق أهداف لا تخدم مصالحهم، مشددا على أن الحكومة ستعمل على تطبيق الإجراءات القانونية المعمول بها، وعلى أنه لن تكون سنة بيضاء، مشيرا إلى أن الطلبة سيرسبون أو يطردون إذا استوفوا السنوات القانونية المسموح بتكرارها. وأبرز الخلفي أن الحكومة أن امتحانات الولوج إلى كليات الطب والصيدلة بالنسبة للتلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا سيتم تنظيمها في وقتها، ولن يطرأ عليها أي تغيير في بداية الموسم المقبل، مشددا في الوقت نفسه على حق خريجي كليات الطب الخاصة في اجتياز مباراة «الإقامة»، مبرزا أن موقف الحكومة من مشكل الإقامة واضح، ولا يمكن إحداث تمييز بين الطلبة، وبأن المعيار الأساسي المحدد لهذه المباريات هو الأساس العلمي، وبالتالي ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المغاربة دون أي تمييز، وفق ما يضمنه الدستور. وبخصوص قرار توقيف ثلاثة من أساتذة كليات الطلب والصيدلة، بسبب تضامنهم مع طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، أوضح الخلفي أن المراسلات الوزارية الموجهة إليهم تشير إلى حصول اختلالات مهنية، وهناك مجلس تأديبي سيتم تقديمهم إليهم، مشددا على أن الحكومة حريصة على التطبيق الكامل للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الوضعية، بما في ذلك إعادة السنة الجامعية. المفتاح التاسع: تجنب الباب المسدود في خضم كل هذا التوتر دعا عدد من الآباء والأمهات إلى تغليب صوت العقل والحكمة، وإلى التعامل مع مطالب الطلبة في واقعيتها وحدودها العلمية بما ينعكس إيجابا على الجامعة العمومية وظروف التكوين ويساهم في تجوديد المنظومة الصحية، دون تحميلها أي لبوس هي بعيدة عنه. وشدّد عدد منهم ل «الاتحاد الاشتراكي» على أنه يجب أن ينظر كل مسؤول إلى هؤلاء الطلبة وأطباء الغد الذين سيخدمون بلدهم والمواطنين كأبناء له وليسوا كخصوم، مؤكدين ضرورة اتخاذ تدابير حقيقية وااقيعة، لها صلة بالملف المطلبي، وتساهم في قطع ما تبقى من أشواط لإنقاذ السنة الجامعية، من خلال فسح الباب للإعداد للامتحانات وانخراط الأساتذة لتدارك ما فات، رأفة بالجميع وقبل ذلك رأفة بالوطن.