أكد عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي ومدير نشر جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، أن حزب القوات الشعبية كحركة سياسية تقدمية، له من المقومات والأدوات والآليات ما يؤهله كحركة ذات بعد وطني إصلاحي قادر على إعادة ترتيب أوراق المشهد السياسي الوطني بصورة عامة. وقال جماهري، خلال عرض قدمه في لقاء تواصلي نظمته الكتابة الإقليمية للحزب، يوم السبت الماضي (25 ماي 2019 بمكناس، في موضوع "المشهد السياسي وأثره الاقتصادي والاجتماعي على المواطن المغربي، إن ما ورثناه عن الانتخابات 2016/2017 وما أفرزته تلك الانتخابات من نتائج، أدى إلى فتح نقاش واسع وعميق داخل المجتمع والنخب السياسية بالمغرب بحكم تراكم المعضلات الاجتماعية، التي اعتبرت معضلة حقيقية بسبب التفاوتات المحلية والجهوية والخصاص الكبير المسجل على مستوى المؤشرات التنموية التي أفضت إلى قلق كبير لدى الجميع، سلطةً مسؤولين وأحزابا ومواطنين، مما يطرح نقاشا واسعا وعميقا تجاه هذه الإشكالات التي نعتبرها تحديا حقيقيا يفرض على الجميع الإسهام في تجاوزها وتجاوز الظروف المحيطة بها عن طريق مواجهة الخطابات التيئيسية، التي أدخلت على قاموس الخطاب السياسي مصطلحات وكلمات دخيلة على الممارسة السياسية، حيث تم اقتباس العديد من الخطابات التي امتحت تعريفاتها من عالم التماسيح والعفاريت، مما يجعلنا اليوم أمام وضعية تعثر السياسات العمومية بصفة عامة. وأشار عضو المكتب السياسي إلى أهمية خطابي العرش لسنتي 2017/2018، واللذين شرحا، حسب قوله، الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاختلالات المحيطة بالنهج الاقتصادي المتبع، حيث أكد أن الخطابين أثارا بصورة صريحة المشاكل المرتبطة بالوضع الاجتماعي، ورتبا للقضايا الأساسية ذات الأثر الاقتصادي والسياسي، اجتماعيا وإداريا، خصوصا على مستوى طرح النموذج التنموي الجديد والمسائل المرتبطة بالجهوية واللاتركيز وأعطاب التدبير الحكومي، معتبرا أن الخطابين وضعا خارطة طريق لمسار تجاوز الإحباطات الحاصلة. وأوضح جماهري أن الملكية بالمغرب انخرطت بعمق أكبر في تدبير الشأن العام لتخطي الصعوبات والتحديات باعتبار أن الوضع الاجتماعي حاليا وضع صعب يتطلب تعبئة وطنية ومعالجة جذرية لأهم القضايا المطروحة على مستوى التعليم والصحة والشغل، بهدف ردم الهوة والفوارق والتفاوتات بين الجهات. وألح المتحدث على حتمية إرساء مسار اقتصادي ناجح لجهوية قادرة على حل المشاكل المطروحة مجاليا على المستوى الاجتماعي والتنموي، وعلى مستوى البنى التحتية المُرْسية للتنمية الحقيقية المتجَاوِزة للأعطاب، والمعالجة للاختلالات المترتبة عن الاختيارات السلبية غير المنتجة والمهدرة للمال العامز وذهب عضو المكتب السياسي إلى أن إرساء الجيل الثالث للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يجسد الحل الأمثل للقضايا الاجتماعية والاقتصادية مجاليا وجهويا، وذلك عن طريق القطع مع سياسات الريع والإعفاءات والاحتيال الضريبي، باعتبار أن الأداء الضريبي يعتبر من صلب وأسس المواطنة الحقيقية. مشيرا إلى أن ثقل وعاء التحصيل الضريبي يسقط أساسا على شرائح الموظفين والتجار الصغار وبعض القطاعات، في حين أن هناك العديد من الرأسمال الواسع المتهرب من الأداء الضريبي، مما يطرح بقوة مبدأ العدالة الضريبية المسهمة في إعطاء دفع قوي للموارد المالية الخاصة بالدولة، والتي من خلالها يمكن أن ترسي تنمية بشرية مسايرة لانتظارات الجهويةز وأكد العضو القيادي أن دستور 2011 يجب أن يرسي بموازاته دستورا إداريا واقتصاديا وترابيا، لتخطي المشاكل المرتبطة بالاختصاصات الإدارية والمالية وتجاوز المنظور البيروقراطي المتحكم في دواليب الادارة وبعض مسؤوليها. وفي معرض مداخلته التحليلية للوضع الاقتصادي والاجتماعي، أكد جماهري على أن إرجاع الثقة للمواطن في العمل السياسي يمر عبر إرساء المصالحات الأساسية المتصلة بالإشكالات الاجتماعية، تعليميا وتشغيليا وصحيا، بالإضافة إلى إيجاد الحلول المرضية للتوترات الاجتماعية بالريف وجرادة ومختلف المناطق التي طالها التهميش ومورس في حقها الاقصاء، مضيفا أن الوضع الاجتماعي وضع صعب على مستوى الهشاشة الاجتماعية التي تتطلب جرأة سياسية وفعلا ميدانيا وعمليا مبنيا على الخطاب الصادق. وأضاف جماهري أن السياسة الحقيقية، هي سياسة الحقيقة التي تحول الشعارات إلى فعل ملموس على أرض الواقع، مذكرا بأن كل الاحتجاجات والاعتصامات كان سقفها النضالي دائما يتجسد فيما هو اجتماعي واقتصادي بالأساس، حيث يطال نشدان العيش الكريم أوسع الفئات المجتمعية على المستوى التشغيلي والصحي والتعليمي والسكني والاقتصادي. وقد خلص عضو المكتب السياسي في نهاية عرضه إلى أن الملف الاجتماعي أصبح موضوع الشارع، وأن الفضاء العمومي لم يعد حكرا على الدولة، مما يفرض التقاط الإشارات الواضحة وغير المشفرة من لدن كل الوسائط سياسيا ونقابيا وجمعويا، لأن الأسئلة المطروحة، اليوم، هي أسئلة قوية يجب أن إيجاد الحلول الملائمة لها، وذلك لتقوية الدولة السياسية عبر استثمار الذكاء الاجتماعي والقدرة على التفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة للمجتمع المغربي بكل مشاربه ومساراته الفكرية والثقافية اثنيا ولغويا. إلى ذلك، تميز اللقاء افتتح بالكلمة التي ألقاها محمد إنفي، الكاتب الإقليمي للحزب، والتي ذكر فيها بالظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بهذا اللقاء الذي يدخل في إطار برنامج العمل الاشعاعي والتواصلي الرامي إلى ربط جسور التواصل مع أوسع فئات المجتمع ومع الفاعلين بهدف طرح مواقف الحزب وتصوراته تجاه العديد من القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام محليا ووطنيا. في السياق نفسه، أشار يوسف بلحوجي، الذي ألقى كلمة باسم الكتابة الإقليمية، إلى العديد من القضايا المرتبطة بما يعرفه الوضع السياسي محليا من تناقضات صارخة، على مستوى الممارسة السياسية من لدن من حملوا تدبير الشأن العام المحلي. معتبرا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة يطالها الانحصار والتردي وانسداد الأفق أمام فئات شعبية واسعة بالمدينة. وأكد أن المدينة تعيش في ظل ظروف تتسم بهدر الفرص التنموية على كل المستويات، مما أثر سلبا على الوضع الاعتباري للعاصمة الإسماعيلية تاريخيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، معتبرا أن فتح حوار جدي حول مختلف الاختلالات والقضايا، يعد المدخل الأساسي والأوحد لإعادة ترتيب الأوضاع بمدينة مكناس، خصوصا على مستوى القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم وشغل. وأشار بلحوجي إلى الخصاص الحاصل على مستوى البنيات التحتية الأساسية، مؤكدا على أن تهميش المقاولات المحلية من لدن إدارة المعرض الدولي بمكناس، يعد تمييزا لا مبرر له اتجاه المقاولات الصغرى والمتوسطة بالإقليم، مما يضيع العديد من الفرص التنموية محليا. وانتقد المتحدث مسؤولي الجماعة الترابية، على مستوى التدبير غير المعقلن للموارد المالية المهدورة في مجالات غير ذات جدوى ولا وقع لها لا على المستوى الثقافي ولا الاجتماعي لا السياحي ولا التسويقي. وسجل يوسف بلحوجي في كلمته بأسف، الدور السلبي لسلطات عمالة مكناس تجاه العديد من القضايا، ما ينعكس سلبا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. مطالبا تلك السلطات بمحاربة أوكار الفساد والمبيقات التي تستقطب شبابا، وتمارس فيها شتى أشكال الانحراف، ودعاها إلى تطبيق القانون دون محاباة، كما ذكر بالتردي الحاصل في المجال الرياضي الذي يعرف عبثا لا مثيل له، موجها في نفس الآن النداء للجمعيات الرياضية وفاعلي المجتمع المدني للعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه لإعادة الأمجاد الرياضية لمدينة مكناس. في نهاية اللقاء، فتح الباب لتساؤلات الحاضرين ومداخلاتهم، حيث أثيرت العديد من القضايا التي أثرت النقاش، وارتقت به إلى مستويات رصينة، مما يدل على تجذر الوعي السياسي لدى الشباب المتدخل، حيث لامست جل التدخلات القضايا المفصلة والراهنة لتطلعات أوسع الفئات الشعبية.