…هل يعيش العالم العربي الزمن الراكد؟ هل ستظل قضايانا هي نفسها لتعمّر طويلا ؟ هل سيظل حالنا على ما كان عليه إن لم يزدد سوءا ؟ هل سنظل نعوّض واقعنا بآخر لا نعيشه إلا على مستوى الوهم ؟ ففي الوقت الذي تعيش فيه الأمم الأزمنة المفتوحة على الأسئلة الجديدة والقضايا المستجدّة مواكبة للعصر، تظل أمتنا تتخبّط في نفس القضايا غير عابئة بتحولات الزمن. من هنا تأتي راهنية كتاب إبراهيم عبد العزيز « أوراق مجهولة للدكتور طه حسين « ، والتي جمعها وأعدّها عن «أحاديث رمضان» التي كان العميد قد نشرها متتابعة بجريدة «الجهاد» خلال شهر رمضان من سنة 1354ه، الموافق للتاسع والعشرين من نونبر 1935م . فمن أحاديث رمضان» إلى «أوراق مجهولة للدكتور طه حسين» انبسط الجدال والحجاج والسجال بين مؤيد ومعارض ، بين مدافع ومهاجم ، بين بارّ و عاق ، فأسالت الأحاديث ، كما الكتاب ، مدادا كثيرا ، وما كان لها أن تثير الزوابع لو لم تكن صادرة عن صاحب « على هامش السيرة « و» في الشعر الجاهلي « الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، ولو لم تكن قد وضعت الأصبع على الجرح حتى في الأمور التي نعتقد واهمين أنها أمور عابرة و تافهة ، فمن البسيط إلى المركب تنبسط محنة أمة … هي الجراح الغائرة التي خلّفت ندوبا، فجاءت هذه «الحواشي» بين الجراح والندوب تحتجّ على خيبات الزمن الراكد. الحاشية الثالثة : قصيدة في الصوم تحت عنوان ” قصيدة في الصوم تفتح بابا جديدا في الأدب العربي ” قال العميد إن أبال بن عبد الحميد الذي نشأ بين مجالس الشعر ومجالس الفقه، بين البصرة وبغداد، خلال القرن الثاني للهجرة، ملّت نفسه حياة البؤس وشظف العيش فسمت إلى حياة القصور ومن يعيش فيها من الوزراء والقادة وأعلام الناس ، فكان له ذلك بين قصور البرامكة وقصر الرشيد جامعا بين الأدب والسياسة، وهو المدخل الذي سمح له بفتح باب نظم المتون في الأدب العربي، فنظم للبرامكة أرجوزة في كتاب ” كليلة ودمنة ” من أربعة عشر ألف بيت فأجازوه بخمسة عشر ألف دينار ، يقول مطلعها : هذا كتاب أدب ومحنة وهو الذي يدعى كليلة ودمنة ، وأما الأرجوزة الثانية فنظمها في أحكام الصوم والزكاة مطلعها : هذا كتاب الصوم وهو جامع لكل ما قامت به الشرائع وهي الأرجوزة التي ركّز فيها أيما تركيز على أبي يوسف، تلميذ أبي حنيفة النعمان، وقاضي الخليفة الرشيد ، تقربا وتزلفا . يقف العميد بإسهاب على الأرجوزتين وما فيهما من تكلف وتصنع جعلهما كلاما سمجا سخيفا معيبا يثير الضحك والتندر، لا يرقى إلى نثر ابن المقفع ولا يستلهم بيان القرآن الكريم وإعجازه اللغوي، ولا علاقة له أصلا بالشعر . لعل العميد إذ يشير إلى سقوط الشعر في النموذجين إنما يقف على سخافة شعر المناسبات، وأدب تحيّن الفرص ، واستعماله مطية للتقرب والتزلف وتحقيق المآرب الآنية العابرة . كلام لا يمت للشعر بصلة، إنما هو كلام موائد، ونظم مواعد، كلام مهرجنة، وسجع بهرجة، يتوالى فيه أشباه الشعراء على مواسم الشعر الثقافية ، يثقفون آثار الروائع الشعرية فلا يفلحون، وينظمون على منوالها ويدّعون أنه الشعر وهو منهم بريء براءة الذئب من دم يوسف، حتى إذا سألتهم عن قواعده قالوا نحن نتمرّد على القواعد، وإذا سألتهم عن غاياته وأبعاده قالوا نكتب الشعر من أجل الشعر، وهم في هذا كله ليسوا إلا تابعين ومنسوبين إلى الشعر ظلما وبهتانا، يلحقون أذى كبيرا بالشعراء الحقيقيين . وفي هذا السياق، أتساءل معك، سيدي العميد ، عن المقصود ب ” الغاوين” في قوله تعالى ” والشعراء يتبعهم الغاوون ” ، أليس هؤلاء ” أشباه الشعراء ” هم الغاوون الذين نراهم في كل واد يهيمون، يقولون ما يسيؤون به للشعر والشعراء وهم يتقفون آثار الشعراء القلائل الحقيقيين ، ودليلي في ذلك أنها جاءت بصيغة اسم الفاعل وليست بصيغة اسم المفعول .