اعتبر الروائي عبد الكريم جويطي، وهو يقدم الرواية الجديدة للكاتب ووزير الثقافة الأسبق محمد الاشعري «العين القديمة»، « والتي تعد الرواية الخامسة في ريبرتواره الروائي بعد «علبة الأسماء» و»القوس والفراشة» و»جنوب الروح « و»ثلاث ليال»، أن الأشعري يحافظ في كل أعماله على نفس بنية العتبة المتمثلة في العنوان في عالم روائي يضم ثنائيات باستمرار. وأشار جويطي الى أن الرواية تشكل انعطافة هامة في المشروع الروائي للأشعري، حيث أن الرواية مختلفة وخارج السرد المألوف وبناء العالم الروائي الذي ألفه قارئ الأشعري، وهو ما يعضد القول بأنه من الروائيين القلائل الذين يشتغلون وفق تصور ومشروع روائي متكامل. مكامن الاختلاف والجدة في الرواية، حددها جويطي في كونها لا تقف عند الاحداث في حد ذاتها بما هي وقائع حدثت، بقدر ما ترصد ارتدادات هذه الأحداث داخل نفوس الشخصيات وعوالمهم الجوانية، وبهذا المعنى فالرواية التي تتطرق لأحداث انتفاضة 1981 بالدار البيضاء، يمكن اعتبارها حديقة خلفية لما جرى حينها، وما تركته من ندوب رسمت مصائر الشخصيات ، ندوب لن تنمحي بسهولة. الرواية التي يستعيد من خلالها الأشعري هذه الفترة من تاريخ سنوات الجمر بالمغرب، أكد جويطي أنها مرآة وعين ينظر بها وعبرها المغرب القديم الى تحولات مغرب آخر، ما يجعلها رواية خصبة للتحليل النفسي، وللحديث عن التماثل والاختلاف لكن برؤية فلسفية، وبأسلوب شاعري يبني الجمل السردية دون خلق غنائية فجة لا تخدم المعرفة السردية، وهو ما يضمن للأشعري الانتصار دائما على نفسه في كل عمل جديد بما يفتحه للسرد المغربي من حقول جديدة، من خلال الرؤية واستثمار الوقائع. تشن تشانغ الأستاذة الجامعية بجامعة بكين للدراسات الدولية، والتي تعرفت على الأدب المغربي قبل أن تختار ترجمته الى الصينية وتعريف القراء عليه، اعتبرت بدورها أن رواية الأشعري الأخيرة «العين القديمة» رواية جيل مصاب بالعطب يعاني من الخوف، وسوء الفهم والرفض والسخرية والانتقام من الماضي القاتم، في نفس الوقت الذي تحضر العواطف والترابط بين الاشخاص بكثافة. وأشارت تشنغ الى أن ما لفتها في الرواية رغم استصعابها في البداية بسبب القيود الزمنية التي تخلقها البنية السردية للنص، هو الحبكة السردية التي تبدد غموض الشخصيات وحيواتها المتشابهة ، بالإضافة الى البحث الدؤوب للإنسان، عبر شخصياتها الرئيسية، عن الذات والهوية والانتماء والتوقف العميق عند العلاقة المعقدة بين الإنسان والمكان، لتخلص في النهاية الى أن الرواية لا تتغيا الإبلاغ عن حقيقة أو نقل واقع بقدر ماهي تساؤلات عن الحقيقة والنظر الى ما وراء الواقع والإنصات الى عالم الاحتمالات والافتراضات، ما يدفع الى القول بأن الرواية تنتمي الى أدب سردي يعمد الى كتابة ما يعتمل في العوالم الجوانية للشخصيات عبر اعتماد تيار الوعي والانفتاح على اللاواقعي، وتوظيف الاستعارات وتعدد الأصوات والمنظورات السردية. الشعور باللامكتمل وبالخيبة بعد كل الآمال التي علقها جيل الوطنيين ومن بعدهم المناضلون في الصف الديمقراطي، والمرارة التي يتم بها الحديث عن المغرب اللامكتملِ مسارُه نحو العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية، هواجس تؤرق بال الروائي والشاعر محمد الأشعري، حسب قوله، وهي التي تدفعه الى الكتابة لتبديد تلك الحيرة التي تنتابه تجاه العالم، لفهم ما جرى ويجري من تحولات في واقع مغربي يسير نحو المجهول واللامعنى واللاقيمة، وهو الإحساس الذي ينتاب غالبية المغاربة رغم صمتهم المريب تجاه كل ما يحدث من انتقالات وتحولات . صمت يترجم الخيبات الوطنية المشتركة التي أضحت رياضة مشتركة يمارسها المغاربة الحقيقيون الذي ظلوا لعقود ينشدون التغيير، مقابل جيل غير مبال وبدون رصيد، لهذا فإن لجوءه الى الكتابة الروائية ومنها روايته الاخيرة «العين القديمة» ، يتم بدافع تقديم واقتراح نوع من العلاقة الجمالية بتقديم الأمكنة والشخصيات والعلاقة بينها بطريقة منسوجة حكائيا وسرديا ولغويا. الأشعري لفت أيضا في معرض حديثه عن روايته الجديدة الى أنها راوية إدانة ضد الصمت والهروب بالجراح الى الأقاصي المعتمة والمعالجة بالوهم، مؤكدا أن الجروح الشخصية المتمثلة في الرواية باغتصاب البطل «مسعود» في صغره، هي فقط جزء من جروح جماعية لا يمكن علاجها بالتحايل عليها ووضع المراهم المؤقتة، بل بالمواجهة المباشرة مع الجرح.. مواجهة قد تنكأه من جديد لكن ليبرأ ويشفى نهائيا.