من المحاسن المتعددة ل»ملتقى القصيدة والقصة» بمدينة خريبكة، الصداقة الجميلة التي نسجت خيوطها المتينة مع المبدعين المتميزين الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام والقاص حسن برطال. فالعزلة التي فرضتها علينا إقامتنا وحدنا في فندق جميل وهادئ خارج المدينة، أتاحت لنا الانفتاح على بعضنا البعض والتعارف على المستوى الإنساني. لم يسبق لي أن التقيت الشاعر آية وارهام. ولا جالست القاص حسن برطال رغم التقائي به في عدة ملتقيات قصصية. كنت أعرفهما من خلال إبداعهما فقط، والجميل أني اكتشفت من خلال احتكاكي بهما طيلة أيام الملتقى الثلاثة كم يشبهان كتابتيهما. فالشاعر أحمد بلحاج اية وارهام رجل صوفي بمعنى الكلمة، تعكس شخصيته وسلوكه تلك الروح المسكونة بالحب المطلق الذي يفيض من حوله ولا يستثني أحدا… الروح الشفافة، الهشة، السريعة التأثر والتفاعل والانفعال… بدا لي خفيفا كفراشة، منجذبا نحو منابع النور أينما لاحت تباشيره… يعانقها بدهشة الأطفال… حسن برطال أيضا يشبه قصصه القصيرة جدا. فهو ثابت في مكانه، منغلق على معانيه، لا يعطيك منها إلا القليل، لكنه قليل يغنيك عن الكثير، ويضيئ لك الجوانب الجوانية المعتمة… شديد الملاحظة، مسكون بالتفاصيل وبالتقاط المفارقات في كل ما يراه حوله، يحول كل شيء إلى قصة قصيرة جدا، إلى مستملحة ترسم الابتسامة على الوجوه، وتدخل الفرحة إلى القلوب… لديه قدرة هائلة على التحكم في مشاعره وفي أحزانه وآلامه، إذ لا شيء يضاهي آلام موت الأم. لكنه وفي لحظة بوح مشترك بيننا نحن الثلاثة في آخر جلسة لنا معا، وجدته يتحول مثلنا أنا والشاعر أحمد بلحاج إلى طفل صغير… تحولنا جميعا إلى أطفال صغار ونحن نحكي آلامنا ونستحضر مشاهد من طفولتنا، وقد اغرورقت عيوننا بالدموع أمام أنظار سائقنا العزيز الذي رافقنا طيلة هذه الأيام، والذي تخيلته يستغرب حالنا، ويردد بداخله: «أهؤلاء الأطفال هم أولئك الكتاب الذين احتفت بهم المدينة؟» في الكلمة التي ألقيتها بمناسبة تكريمي، قلت في الختام بأن «من يقتل الطفل بداخله، يطفئ جمرة الإبداع المقدسة» إيمانا مني بأن المبدع المسكون بالطفولة وبالحب الإنساني العظيم هو المبدع الصادق الأصيل الذي لا يكتب إلا ما يؤمن به ويتمثله في حياته من أفكار وقيم إنسانية. فألف شكر لملتقى القصيدة والقصة الذي جمعني بهذين المبدعين الحقيقيين اللذين سعدت غاية السعادة برفقتهما الطيبة وسلوكهما الراقي وعمق إنسانيتهما. متمنياتي لهما بالمزيد من التألق الإبداعي.