أيام قليلة بعد أن فجّر مدرب فريق بوردو »»صانيول« « قنبلة من العيار الثقيل، والتي هزّت الإعلام الفرنسي بكل تلاوينه، حيث صرّح بأن القوة البدنية للاعبين الأفارقة لا تكفي، بل من المفروض أيضاً أن يكون هناك ذكاء وتقنيات، قدمت قناة كنال بلوس مساء يوم الأحد، شريطاً وثائقياً من إعداد اللاعب المشاغب السابق إيريك كونطونا يحمل عنوان» كرة القدم والهجرة: علاقة مائة عام««. شريط قامت القناة بالدّعاية إليه بالصوت والصورة أسبوعاً كاملاً، واستضافت بعض القنوات الإذاعية والتلفزية إيريك كونطونا للحديث عن عمله المتميز هذا.. نسبة المشاهدة كانت في الموعد. بتصوير جميل، وهندسة صوت مهنية، والاعتماد على اللقطات الكبرى، علاوة على أرشيف يعبّر بقوة على دلالات الصورة، كانت روعة الشريط إبداعياً. في مستهل القرن الماضي، كانت معامل «الحديد والصلب» من جهة.. و «مناجم الفحم» من جهة أخرى، هناك حط الرحال البولونيون والايطاليون لملء فراغ اليد العاملة، استقروا مع أسرهم، وأنجبوا أطفالا سيقولون كلمتهم في مجال الكرة المنفوخة بالبرد...ومن أهم هؤلاء، اللاعب الشهير كوبا، الذي يعتبر من أكبر اللاعبين في تاريخ كرة الدِّيَكة.. والشريط نقل بعض اللقطات التي تفنّن من خلالها الفنان.. لاعبون آخرون من أصل بولوني أبدعوا في المجال، وكانوا في الآن نفسه يؤدون التجنيد الإجباري تحت الراية الفرنسية، وهناك الإيطاليون وما أكثرهم.. خاصة في منطقة «اللورين»، وأشهرهم عميد الفريق والناخب الوطني الفرنسي ميشال بلاتيني، الذي تحدث ببالغ التأثر عن أسرته وتواضعها قبل أن يفرض نفسه كلاعب متألق مع فريق مدينة العمال سانتيتيان: «أنا لم أنشد أبداً النشيد الوطني الفرنسي، وهذا لم يكن أبداً يكتسي أهمية، عكس اليوم، الذي تصاعد فيها المد العنصري، وخطابات اليمين المتطرف...»« هكذا تحدث بلاطوش، كما كانوا يلقّبونه. «»اليوم من لا يحفظ «»لامارسييز»« وينشدها، مغضوب عليه من طرف أهل التطرف اليميني، وهذه مهزلة « يضيف بلاتيني. وجاءت هجرات الإسبان هروباً من سياسة فرانكو، اشتغل هؤلاء خاصة في مجال البناء، وأطفالهم أحبوا الرياضة الأكثر شعبية في العالم، واقتحموا حقلها تاركين الدراسة بما حملت... لاعبون كثيرون جداً من أصل إسباني، واختار الشريط تقديم وسط الميدان السابق لويس فيرندانديز .. وضربة الجزاء المؤهلة لنصف النهاية خلال كأس العالم بالمكسيك عام 1986 . تحدث اللاعب السابق بمزيج من الضحك والتأثر، البالغ عن هجرة أسرته، والمشاكل والمثبطات التي واجهتها في البدايات.. وكيف كان الشعور وهو يلعب مع فرنسا ضد إسبانيا... وتحوّلت الكاميرا إلى مقبرة تبكي في داخلها والدة إيريك كونطونا عن إسبانيين لقوا حتفهم في سبيل فرنسا... لحظة جد مؤثرة حين تتحدث الأم عن الإبن الذي يحمل إسبانيا في القلب والوجدان، ويدافع عن راية فريق الإيكزاكون. مداخلة جون تيكانا من أصل مالي تمحورت حول الوالد الذي دافع في صفوف الجيوش الفرنسية ضد الاحتلال.. مداخلة قوية جاء فيها بأن الأفارقة لا يتواجدون في التسيير، ولا في التدريب ولا في الإعلام الرياضي... بل فقط يجرون داخل الملاعب. وأكيد، بأن أجمل اللقطات وأقواها هي تلك التي ظهر فيها والد اللاعب زين الدين زيدان..» »كنت في باريس، أنوي العودة إلى الجزائر بعيد الاستقلال، واستقر بي الحال بمدينة مرسيليا، حيث تأخّرت الباخرة بثلاثة أيام.. وفي هذه الفترة الوجيزة، التقيت بشريكة العمر، وكان القرار هو الاستقرار هنا بمرسيليا... وهذه الصدفة الغريبة هي التي أنجبت إبني زين الدين«..وهنا يُظهر الشريط لقطات المتعة مع زيزو، من فريق بوردو إلى ريال مدريد مروراً بكأس العالم 1998 والهدفين التاريخيين في مقابلة النهاية ضد البرازيل.، وهنا يصوّر الشريط الفكاهي المغربي جمال الدبوز بقفشاته::» »بعد أن سجل زيزو هدفين في النهاية، حتى الأبناك شرعت في قبول السلف والقرض للمغاربيين... ونفس الأبناك تنكّرت لهم بعد أحداث 11 شتنبر 2001..»« بازيل بولي، مسجّل هدف نهاية الكؤوس الأوربية بين مرسيليا وميلان أسِّ في أواسط التسعينيات، ذهب في نفس الاتجاه، مؤكداً بأنه لن ينسى ما قام به والده وأمه لكي يحقّق أهدافه.. هذا غيض من فيض، حسب كونطونا، فاللاعبون الأجانب الذين أغنوا الكرة الفرنسية عددهم لا يجمعه إلا الفم، وتتزايد أعدادهم موسماً تلو الآخر.. لكن لا ينبغي أن نخفي الشمس بالغربال، ففكرة كرة القدم هي السبيل الوحيد للاندماج ليست كافية، ولا ينبغي أن يطال التهميش أولئك الذين ليس عندهم مع الكرة؟.