رى روبيرتو روسيلين أن الصورة هي التي تقف وراء إنشاء تلك العلاقة البصرية تجاه الواقع، حيث تأخذ بعين الاعتبار قيمة الأماكن والأحداث والأشخاص، فالكامرا، بل العين التي تقف خلفها تنقل الصور في كليتها وتفاصيلها وجزئياتها، صورة المجتمع وفق مقاربة سوسيولوجية لتنطق بتجليات الواقع، فيجد المتلقي/المتفرج/المشاهد، لذة في تلقي المادة السينمائية في قالب فني جميل يراعي شروط العملية الإبداعية. من هذا المنطلق نؤسس في هذا المقال المتواضع لشرط العتبة في الفيلم أو المهرجان، فالمخرج الصانع يختار العنوان المناسب الذي يشكل مدخلا لعمله السينمائي، والمهرجان السينمائي، المهرجان المغاربي للفيلم وجدة نموذجا أيضا يعمل على اختيار تيماته وشعاراته. لا نعتقد أن هناك من سينفي وجود حراك سينمائي راقي بمختلف مدن المغرب، منذ مدة ليست بقليلة، تفاقمت في العقد الأخير، فاستطاعت مد جسور التواصل مع المحيط الخارجي، على مستوى الفن والجمال، لأن الإبداع لا لون ولا جنس ولا هوية له غير الكينونة الإنسانية، وبالتالي، فلا حدود ولا جمارك ولا حواجز تصد رسالة الفن، والسينما ركن أساس للنهوض بهذه الرسالة، رسالة الإنسانية. كما يمكن الجزم أن السينما، مثل الموسيقى، تستقطب فئة لا محدودة من المشاهدين عبر أرجاء العالم وتصل لكل الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية والمعرفية والفكرية، إذ لا حدود أمام السينما، فهي فن يجمع الفنون الإنسانية من تصوير وتشكيل ونحت وموسيقى ومسرح وغناء ورقص، إناء تنصهر فيه ثقافة البشرية بمختلف تلاوينها، الشيء الذي حولها إلى صناعة تنضبط للشرط العلمي الذي يرافقه التتبع والنقد والبحث الأكاديمي، لهذا نجد التفاوت بين بلد وآخر ومخرج وآخر وجماعة صناع الفرجة في مستوى الإنتاج وطرق المواضيع والاجتهاد لتقديم مادة سينمائية ترقى لمستوى تطلعات المشاهدين أو المتلقي حسب اختلاف مستوياته. ولا يتسع المجال هنا للتعريف بفن السينما باعتباره عملية معقدة تتدخل فيها عدة أطراف قبل أن يصبح العمل جاهزا للعرض، فقط نشير إلى الدور الذي لعبه التقدم التكنولوجي لصالح الصناعة السينمائية وذلك الاستغلال المتطور لأهل الصناعة السينمائية لبلورة وتطويرهذه الصناعة على مستوى الصورة والمونتاج وإدارة الممثل والخدع السينمائية والإثارة وغيرها من التقنيات والتفاصيل التي تجعل السينما فنا يرتقي لمستوى المشترك الإنساني. من هنا، جاء شعار الدورة السابعة للمهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، ليصب في هذا البعد، أي ذلك المشترك الإنساني الذي يجعل من « السينما لغة العالم »، وهو شعار يعبر عن وعي عميق عند الجمعية المنظمة للمهرجان بالدور الذي يمكن أن تضطلع به السينما كلمسة فنية وجمالية تحتاج إليها مدينة وجدة الألفية والمغاربية والحدودية والتاريخية والمهمشة تنمويا، والتي لم تحظ باهتمام على مستوى خلق مشاريع تنموية من شأنها رفع التهميش عنها وخلق فرص للشغل والرواج الاقتصادي واستغلال مواردها واستثمار تراثها وتاريخها، وبالتالي غنى ثقافتها. من هنا يتضح الدرب الذي سار عليه مهرجان السينما، ليس إسوة بالمهرجانات المغربية الأخرى، لأن مهرجان وجدة له من الخصوصية ما يغنيه عن الاحتفالية المجانية الموسمية والبهرجة الزائدة، فهناك أبعاد كثيرة، منها البعد المغاربي الذي لا يمكن لجهة أخرى التميز به غير وجدة بحكم الموقع والمشترك الثقافي اليومي مع الغرب الجزائري بالخصوص والعلاقات الأسرية، ثم ما راكمته جمعية سيني مغرب خلال النسخ السابقة من مادة ثقافية سينمائية تنم عن وعي بضرورة بلورة عمق ثقافي للمهرجان يكون كفيلا بالحفاظ على هويته وبالتالي تميزه، بدليل أن مهرجان وجدة استطاع أن يفرض حضورا مغربيا ومغاربيا ودوليا خلال عمر قصير جدا، بمعنى أن المعنيين بالمهرجان راهنوا على العمق الثقافي للمهرجان من خلال عقد ندوات فكرية تنبثق من شعار المهرجان موضوعا لها، وهي ندوات تختار تيمة لكل دورة تطرق من خلالها لعلاقة السينما بعوالم أخرى، كالموسيقى والشعر والتنمية والتربية والمسرح، بمعنى أن هناك اشتغالا جديا رصينا تحضيرا لكل دورة. كانت البداية مع سينما الطفل في مارس 2012، وهي المرحلة الجنينية قبل التأسيس، لها العديد من الدلالات والإشارات التي تجعل من السينما بعدا تربويا داخل المؤسسات التعليمية، أو إقرار بالحاجة للتربية السينمائية كواجهة للتنشئة الاجتماعية، ثم جاء السعي حثيثا نحو الاعتراف، أي جعل المهرجان السينمائي شأن جميع مكونات نسيج مدينة وجدة ومحيطها، على مستوى الجمهور النخبة المثقفة والجامعيين والأكاديميين والفعاليات الجمعوية والإعلام والمنتخبين والجهات الحكومية محليا ووطنيا، ثم اعتراف المركز السينمائي المغربي بمشروع جمعية سيني مغرب وجدة كفكرة ستسهم لا محالة في بلورة ثقافة سينمائية بجهة الشرق من المملكة، أو لنقل رد الاعتبار للشأن السينمائي بوجدة بعد الإجهاز على قاعاته السينمائية. وبالنظر لشعار الدورة السابعة من مهرجان الفيلم وجدة، سوف يلاحظ المتتبع أن اعتماد شعار« السينما لغة العالم » يعني أن المهرجان يتجه نحو البعد الدولي، من خلال استضافته لأسماء وازنة عالميا تنضاف للمغاربي والعربي والإفريقي، وهو شعار لم ينطلق من فراغ، بقدر ما عرف انتقالا تدرج خلال السنوات السابقة، فإذا انتقلنا بين الشعارات السابقة سوف نتبين تلك الرؤية العميقة التي رفعت من وتيرة المهرجان وإيقاعه، ففي الدورة الثانية كان شعار النسخة: « السينما جسر جمالي من أجل بناء الوحدة المغاربية »، وهو شعار حكمه البعد المغاربي وكيف يمكن للسينما أن تتحدى الواقع وتحقق ما عجزت عن تحقيقه السياسة لمد جسور التواصل بين شعوب البلدان المغاربية البعاد بسبب مزاجية وضغينة العسكر وأهل السياسة، فجاء طرح الفن والجمال والحب لبناء جسور التواصل بين الشعوب المغاربية. ثم في الدورة الثالثة كان الشعار: « السينما المغاربية هويات متعددة ولغات متجددة »، إذ يتضح انتقال شعار المهرجان لمستوى الهوية والتعدد، بمعنى الهوية الأمازيغية لساكنة الشمال الأفريقي وما أنضاف لهذه الثقافة من هويات أخرى، فينيقية ورومانية وبيزنطية وعربية، إضافة إلى اليهود والأفارقة والأوروبيين. ثم شعار الدورة الرابعة: « السينما المغاربية بين سؤال الثقافة وآفاق التنمية »، (وهو عنوان الندوة الفكرية)، حيث طرح إشكالية دور الثقافة في التنمية في سياقها المغاربي، بمعنى هل من دور طلائعي للصناعة السينمائية في فتح السبل أمام التنمية المغاربية اعتبارا للمشترك بين هذه البلدان. ويأتي المهرجان السينمائي وجدة ليحمل شعار: « من أجل تسامح أكثر .. لنتكلم سينما »، وهو شعار يحمل شحنة قوية، حكمها سياق تظافر عدد من الأحداث مست أمن وسلامة أفرادا قضوا بسبب عمليات إرهابية راح ضحيتها عدد غير يسير من الناس بمختلف بلدان العالم، فكان الشعار تعبيرا عن البعد الإنساني، ودور السينما في بث قيم الحب والجمال والفن والتسامح بين البشر على سطح الأرض. أما النسخة السادسة فعاودت الحديث عن التنمية لثالث مرة بشعار: « الثقافة قاطرة للتنمية »، وهو شعار يدل على قناعة راسخة لدى جمعية سيني مغرب لترسيخ أسس ثقافة تهتم بالتنمية، وجعلها بوابة للتشجيع على الاستثمار في المجال الثقافي على مستوى فضاءات تصوير الأفلام وإنعاش السياحة وجلب المستثمرين لجهة الشرق، واستنفار جهود جميع الجهات، رسمية وغير رسمية، للإسهام في الحركية الثقافية التي من شأنها إنعاش جهة الشرق. الجميل في كل هذا، أن مهرجان السينما المغاربي استطاع تحقيق الهدف المنشود، وهو انخراط الكل، وقناعة الكل، وإيمان الكل، بدور المهرجان في تسليط الضوء على وجدة، وأن المهرجان إرث جماعي مشترك لابد من الحفاظ عليه والارتقاء به. نصل إلى شعار الدورة السابعة « السينما.. لغة العالم »، فإذا كانت اللغة وسيلة للتواصل فيمكن الإقرار بنفوذ السينما وتغلغلها وسط الأفراد والجماعات، وموقعها كسلطة لا يمكن مواجهتها، لأنها تدخل كل بيت رغم الإجهاز على قاعات السينما، لأن السينما فن يحمل المعاني الجميلة، طبعا نتحدث هنا عن السينما النبيلة القائمة على مبادئ الأخلاق، ورسالة للإنسانية، لهذا كانت السينما لغة العالم، وبالنظر لبرنامج الدورة السابعة في علاقته بشعار الدورة سوف نتأكد من ذلك العمق الثقافي التي تسعى لترسيخيه جمعية سيني مغرب وجدة، والذي تعكسه الندوات الفكرية التي سوف تهتم بالسينما والتربية، ثم ندوة المسرح والسينما، والذي لا يجب تفويته، هو اهتمام المهرجان بالطفل ضمن فقراته منذ أول دورة، لنتكلم سينما ونجعل الثقافة قاطرة للتنمية ونجعل السينما المغاربية أمام سؤال التنمية، فالسينما المغاربية هويات متعددة ولغات متجددة، لأن السينما جسر جمالي من أجل بناء الوحدة المغاربية لهذا، فالسينما لغة العالم .