قال تعالى "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد "..الشورى 28 وقال تعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".. الروم 41 الاستسقاء عند انحباس الامطار من سنن الانبياء والمرسلين ..قال تعالى .."وإذ استسقى موسى قومه" ...كما أن رسول الله استسقى لأمته مرارا وتكرارا.. والجفاف يحصل كما يعلم الجميع بسبب نقص كبير في معدل التساقطات أو انقطاع لفترة زمنية طويلة... وعندما ينحسر المطر ويشعر الناس بأن آثار ذلك قد تأتي على الاخضر كما أتت على اليابس وأنها ستمتد الى المواشي وجميع المخلوقات ..مما يصبح معه الخطر ضارا ومهددا لصحة الناس وأرواحهم. وقد يؤدي الى انتشار الإجرام والانحراف بدافع البحث عن لقمة العيش ... عند الخوف من حصول ذلك بسبب تأخر تساقط الامطار أو ضعفها. يتداعى أهل الحل والعقد مع الناس عامة لأداء صلاة الاستسقاء التي يودون بها التقرب للخالق وطلب المغفرة والتوبة والرحمة لعل الله يرسل لهم أمطار الخير والبركات التي ليمتلك قرارها إلا هو سبحانه وتعالى بالقوانين التي بثها في الكون.. وزرعها النفوس عن طريق الفطرة والرسالات السماوية وسنن الانبياء والرسل والصالحين والمصلحين. وفي سياق الحديث عن الجفاف لابد أن نذكر بعض أنواعه والتي تكون آثارها أخطر لأنها قد تمتد لعقود وقرون، وقد تكون أكثر فتكا من انقطاع الامطار لسنة أو بضع سنوات... * انحسار الرحمة من قلوب الحكام وتسبب سياساتهم في جفاف الجيوب، واستنزاف الارزاق وإضعاف القدرة الشرائية * انحسار المعرفة وتشجيع الخرافات والجهل سواء بمنع أو حرمان الشعب من التعلم واكتساب وتطوير المعارف، وجعل الولوج الى المعرفة أمرا مستعصيا ومتعذرا على الغالبية من عامة الشعب ... * انحسار العدل والعدالة في توزيع خيرات الوطن وثرواته، حيث يزداد الاغنياء غنى والفقراء فقرا ... * جفاف الافكار والتفكير بعجز الكثير من أولي الامر والبعض من أهل الحل والعقد عن إنتاج بدائل وحلول للأزمات والإكراهات والاشكالات، مما عطل الابداع والاجتهاد وزاد درجات التصحر وتراكم الغبار على ما بقي من منطق سليم ... * جفاف في السياسات الرسمية وشبه الرسمية ..فبدل أن تضع الجهات المعنية بصنع تلك السياسات حلولا لرفع الجفاف الحاصل أصلا والذي اكتوى من نيرانه العامة والخاصة أطالوا من أمده ووسعوا من دائرة تأثيره وغدوا لهيبه ..ليمتد الى أوسع مدى لدرجة أنه لم ينج منه أحد .. فانعدام وضعف الأمانة في العمل.. وعدم المساواة بين الناس في ما يطبق عليهم وفي تنفيذ الأحكام، قد يسبب الفساد في الأرض وينشر التطاحنات والصراعات الأنانية الهدامة ويعطل عجلة التطور والتنمية ،ويمهد لهلاك وخراب البيوت الصغيرة كما الكبيرة ..وكأننا برياح السموم قد حلت لتمتص حتى الرطوبة التي في عمق الاشجار والقلوب ... ..إن الظلم والاستبداد والقهر والتسلط والتطاول على الناس بالسياسات التفقيرية يتسبب في ابتلاء الناس بجفافين ...الجفاف بسبب سياسة الحكومات والجفاف كعقوبة تنبيهية للعصاة والظلمة ،كانوا أفرادا أو جماعات ..فظلم العباد بعضهم بعضا سواء كان البعض حاكما أو كانوا معا حكاما أو كانوا معا محكومين قد يفرز نفس النتائج لكن بدرجات متباينة ومختلفة ... ولهذا حرم الحق سبحانه الظلم فقال تعالى في الحديث القدسي..."يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ".. والظلم يطال الاموال والدماء والأعراض ..."كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" ..رواه مسلم ولقد صنف النبي عليه الصلاة والسلام الظلم في أنواع ثلاثة فقال : "الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يترك الله منه شيئًا؛ فأما الظلم الذي لا يغفره الله هو الشرك، وقال: إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ... "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً " سورة النساء "..وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فهو بينهم وبين ربهم... وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضًا حتى يدين لبعضهم من بعض" ومن هنا تكون السياسات التفقيرية الظالمة هي أعلى درجات ظلم بعض العباد لكل العباد ... وفي علاقة بالجفاف الطبيعي يهب المسلمون كبارا وصغارا استجابة لدعوة الله ونبيه التي يطلقها الأئمة لصلاة الاستسقاء، وهم يستغفرون ربهم ويسارعون لرد المظالم والحقوق لأصحابها ..ويبادرون بالاعتذار لكل من أساؤوا إليه لعل الله يقبل توبتهم فيرحمهم بغيث وسقيا خير مثلما رقت قلوبهم ورحمت من تسببت في ظلمه ...كما يعترفون بأخطائهم وذنوبهم فيهبوا للصلاة منكسرين متذللين خاشعين لا فرق بين الغني والفقير ولا بين الحكام والمحكومين .. ..أما إن كان سبب الجفاف بالمجتمع بفعل السياسات الرسمية للحكومات، فمن تحصيل الحاصل أن يبادر أولو الامر الى التراجع عن سياساتهم التي أضرت بالعباد وأن يردوا المظالم ويطلبوا من الناس الصفح عما بدر منهم من إهانات وسب وتجريح وتبخيس وتحقير واستضعاف للشعب، معطليه وفقرائه وعماله ونسائه وعامة الناس ... ومن باب أولى وأحرى أن يصلوا صلاة الاستسقاء من أجل أنفسهم وقلوبهم وعقولهم لعلها تلين وتخشع، وتبتعد عن كل ظلم يطال الشعب بالمساس بمكتسباته وحقوقه وقدراته وكرامته ...لذا إذا كان المسؤولون صادقين في طلب الخير من الله وطلب السقيا والرحمة، فيجب أن يتركوا نصائح الصناديق المعلومة التي لا ترحم أحدا ...وأن يبتعدوا عن كل ما يتسبب في تجفيف مصادر الرزق ومنابع الحرية والكرامة والتقدم ... قال صلى الله عليه وسلم .."كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون"...فليتوبوا وليرجعوا وليرحموا من أحبهم سيد الخلق أي الفقراء والضعفاء . وقال »لا قُدِّست أمّة لا يعطى الضعيفُ فيها حقه غير مُتَعْتَع« وقال »أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوتَ عورته، أو أشبعتَ جوعته، أو قضيت حاجته« فاللهم اسقنا الغيث والرحمة والعدل ولا تكلنا لغيرك ...آمين.