«رغم التقدم المحرز في مجال تعميم الولوج إلى الرعاية الصحية، لايزال قطاع الصحة يعاني من العديد من الاختلالات البنيوية، وعلى رأسها ضعف العرض المقدم من العلاجات الصحية والتوزيع الترابي غير المتوازن الذي يتضرر منه ، على الخصوص، المواطنون الذين يقطنون بالمناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى». بهذه الخلاصة يقدم التقريرالأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لملاحظاته بشأن وضعية القطاع الصحي، مذكرا بأن «الاستراتيجية الوطنية في مجال الصحة للفترة 2012 – 2016، هدفت إلى تجاوز العوائق الرئيسية التي تحول دون تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين: ألا وهي صعوبة الولوج إلى العلاجات الصحية؛ والنقص في الموارد البشرية؛ والتمويل غير الكافي؛ والقصور المسجل على مستوى الحكامة»، مشيرا إلى أنه «عقب تنفيذ هذه الاستراتيجية، ظلت بعض الجوانب دون حجم الانتظارات. ويعزى هذا الأمر، بالنسبة للكثير من الحالات، إلى التفاوت القائم بين الاستثمارات التي تقرر تنفيذها وبين الميزانية المخصصة لتسييرها. وتعد مؤسسات الرعاية الصحية الأولية نموذجا لهذه الاختلالات. فإذا كان الهدف المعلن يتمثل في تحسين ولوج. المواطنين إلى مراكز القرب للرعاية الصحية، فقد شهد عدد السكان لكل مؤسسة للرعاية الصحية الأولية ارتفاعا ما بين سنتي 2011 و2017، حيث انتقل من 11970 نسمة سنة 2011 إلى 12238 نسمة سنة 2017، وذلك رغم ارتفاع العدد الإجمالي لهذه المؤسسات «من 2689 سنة 2011 إلى 3007 مؤسسة سنة 2017، حسب إحصائيات قطاع الصحة». مؤسسات عاجزة عن القيام بأدوارها إن مؤسسات القرب التي وضعت لتكون أول وجهة صحية يقصدها المواطن، لا تزال غير قادرة على الاضطاع بالأدوار المنوطة بها، وذلك بسبب عدم كفاية الوسائل المخصصة لها، سواء على مستوى التجهيزات الطبية أو الموارد البشرية، كما أبرز ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه رقم 4/ 2013 حول «الخدمات الصحية الأساسية ». وفي ظل هذه الظروف، يجد المرضى أنفسهم إزاء بنيات صحية عمومية غير قادرة على ضمان نقلهم إلى مؤسسة صحية أخرى عند الاقتضاء أو أن توفر لهم مواكبة طبية في حالة وقوع مضاعفات صحية. وفضلا عن ذلك، فإن حالة بعض مؤسسات الرعاية الصحية الأولية لا تسمح لها بالاشتغال بالشكل المطلوب، حيث باتت متهالكة ومتدهورة وتشكل خطرا على مرتاديها « . «أما بالنسبة للتأطير، فقد انتقل معدل التأطير الطبي من 6.2 طبيب لكل 10000 نسمة سنة 2012 إلى 6.67 طبيب لكل 10000 نسمة سنة 2017 . ورغم هذا التقدم، فإن نسبة التأطير الطبي تبقى منخفضة مقارنة مع بلدان شبيهة لبلادنا.» توزيع جغرافي متفاوت و«يزيد التوزيع الجغرافي المتفاوت للهيئة الطبية وشبه الطبية والمؤسسات الصحية بين مختلف الجهات، من حدة التأثير السلبي لنقص التأطير الصحي على المواطنين»، يقول التقرير، مضيفا أنه «إذا كان متوسط التأطير الطبي يبلغ نسبة طبيب واحد لكل 1498 نسمة «أطباء القطاعين العام والخاص»، فإن هذه النسبة تتراوح ما بين طبيب واحد لكل 3588 نسمة بجهة درعة تافيلالت وطبيب واحد لنحو 1000 نسمة بجهة الدارالبيضاء- سطات». و«قد وضع قطاع الصحة سنة 2017 إطاراً جديداً للشراكة مع منظمة الصحة العالمية في أفق سنة 2021، يهدف إلى مواصلة جهود تعزيز الولوج إلى الرعاية الصحية وتوسيع التغطية الصحية الأساسية وتحسين صحة الأم والطفل وتعبئة الموارد البشرية « . وفي ما يتعلق بتوسيع التغطية الصحية الأساسية، واصل معدل التغطية الصحية للساكنة «بكافة أنظمة التغطية « ارتفاعه، حيث بلغ سنة 2017 ، حسب قطاع الصحة، 60 في المائة، مقابل 54.6 في المائة سنة 2016، وذلك بالنظر على الخصوص إلى مواصلة تسجيل الطلبة في نظام التغطية الصحية المحدث لفائدتهم، حيث جرى مع متم سنة 2016 تسجيل 54000 منهم لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، علماً بأن الفئة المستهدفة بهذه التغطية تضم 300000 طالبٍ. في المقابل، وإلى غاية متم 2017 لم يدخل بَعْدُ نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات العاملين المستقلين حيز التنفيذ، رغم اعتماد القانون رقم 98.15 في يونيو 2017». وحسب التقرير فإن «أنظمة التغطية الصحية تعاني من عدة اختلالات ترتبط بشكل خاص بعدم مواكبة توسيع نطاق التغطية الصحية بالزيادة في الاعتمادات المالية المخصصة لهذا المجال»، موضحا أنه «بين سنتي 2013 و 2017 ، انتقل مجموع النفقات المتعلقة بالتغطية الصحية الأساسية من 52 مليار درهم إلى 60 مليار درهم، علما بأن نصف هذا المبلغ «أي 29 مليار درهم» تتحمله الأسر. كما أنه في سنة 2016 بلغت نسبة الجزء الباقي من مصاريف العلاج على عاتق المستفيدين من التأمين الاجباري الأساسي عن المرض 35 في المائة «39.9 في المائة في القطاع الخاص». وتعرف هذه النسبة منحى تصاعديا ويبدو أنها ستستمر على هذا المنوال، نظرا لعدم مراجعة التعرفة المرجعية الوطنية للأعمال الطبية منذ سنة 2008، والحال أن تكلفة هذه الأعمال الطبية في تزايد مستمر، سيَّما في القطاع الخاص، مع العلم أن نسبة الجزء الباقي على عاتق الأسر في القطاع الخاص المشار إليها «39.9 في المائة» قد تكون أقل من الرقم الحقيقي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اللجوء المتزايد إلى عدم التصريح بجزء من المصاريف المؤداة «الأداء خارج السجلات». و«تبرز هذه الوضعية، وفق المصدر ذاته، ضرورة تعزيز آليات مراقبة التعرفات المطبقة في هذا القطاع، وذلك من أجل تفادي أن يجد المواطنون أنفسهم إزاء تعرفات مرتفعة وغير مبررة وأن يقعواْ ضحية استغلال الضعف، كما أبزر ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه حول الحماية الاجتماعية». وفي ما يتعلق بالتوازن المالي لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، فإن» الوضعية المالية للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي تشهد إرهاصات اختلال في التوازنات منذ عدة سنوات، وهو ما أكدته الوكالة الوطنية للتأمين الصحي في دراسة اكتوارية حول أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض أنجزتها سنة 2015. ذلك أن التطور السريع للنفقات مقارنة مع الاشتراكات قد يجعل هذا النظام في مواجهة وضعية. عجز ابتداء من سنة 2018» و«تقتضي هذه الوضعية، يقول التقرير، إعادة النظر في محددات هذا النظام وتعديل العديد من العوامل التي تهدد استدامته. ومن بين هذه العوامل نذكر، الحصة المهمة للعلاجات التي تتم في القطاع الخاص، والتي تستأثر بنحو 90 في المائة من نفقات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بالإضافة إلى الحصة المرتفعة للاستشارات الطبية لدى الأطباء الاختصاصيين « 80 في المائة» والتي تُعد كلفتها أكبر من الاستشارة لدى أطباء الطب العام». نقائص بنيوية «ينجم عن هذا التركيز الكبير لنفقات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع الخاص، عدم تمكن المستشفيات العمومية من الاستفادة من مبالغ مالية مهمة، مما يحول، بالإضافة إلى عوامل أخرى، دون تأهيل هذه البنيات الطبية وتطويرها لعرض صحي ذي جودة. وإنَّ من شأن تحسين جاذبية هذه البنيات الصحية والنهوض بما توفره من علاجات داخل المستشفى وعلاجات متنقلة أن يشجع جزءاً من المؤمَّن لهم بأن يُقبِلوا على القطاع العمومي، سيَّما وأنهم سيستفيدون من كون الجزء الباقي من المصاريف الواجب تحمله، المعمول به في القطاع العام أقل من المطبق في القطاع الخاص. أما في ما يخص نظام المساعدة الطبية «راميد»، المخصص لفئتين من المستفيدين: الأشخاص الموجودون في وضعية فقر والأشخاص في وضعية هشاشة، فقد شمل مع متم سنة 2017 ما مجموعه 11.7 مليون مستفيد، غير أن 7.4 مليون منهم فقط يتوفرون على بطائق سارية المفعول. ويعزى هذا الأمر إلى أن معدل تجديد البطائق بلغ 46 في المائة، مع تسجيل نسبة تجديد ضئيلة للبطائق في صفوف الساكنة الموجودة في وضعيةهشاشة « 31 في المائة» والتي يُطلب منها أداء مساهمة مالية للاستفادة من نظام المساعدة الطبية «محددة في 600 درهم». ويؤثر هذا الوضع سلبا على المداخيل المالية للنظام، الذي يتكون المستفيدون منه حاليا من 90 في المائة من الأشخاص المصنفين ضمن خانة الفقراء و 10 في المائة ضمن الأشخاص الموجودين في وضعية هشاشة، وذلك بسبب خروج الساكنة في وضعية هشاشة من دائرة الخدمات التي يوفرها هذا النظام». ووفق التقرير، دائما، فقد «ارتفع الطلب على الخدمات الصحية، منذ تعميم نظام المساعدة الطبية سنة 2012 ، لكن دون أن يواكب ذلك تحسين ملموس لعرض العلاجات الذي يقدمه قطاع الصحة العمومية، ولا زيادة مهمة في الموارد البشرية والمالية، بما يمكن من مواكبة ارتفاع الطلب». مع العلم «أن تعميم نظام المساعدة الطبية أدى إلى الضغط على المؤسسات الصحية وإنهاكها، خاصة المراكز الاستشفائية الجامعية، حيث يجد المرضى أنفسهم،رغم توفرهم على بطاقة راميد، مضطرين لانتظار مواعيد طويلة تمتد غالبا إلى شهور من أجل الاستفادة من بعض الفحوصات الطبية». و»إذا ما استمر هذا الانهاك وأصبح واقعا لا يتغير، يتابع التقرير ، فإنه سيدفع المرضى غير الحاملين لبطاقة «راميد » إلى مغادرة المؤسسات الطبية العمومية والتوجه بشكل تلقائي نحو القطاع الخاص.» وفي هذا السياق، يجد المواطن نفسه أمام منظومة صحية تسير بسرعتين، ومطبوعة ب «فجوة صحية» بين «قطاع خاص يتوفر على موارد مالية وبشرية أفضل، لكنه مرتفع الكلفة سواء بالنسبة للمرضى أو لأنظمة التغطية الصحية الأساسية، وبين قطاع عمومي مُستنزَفٍ وواقعٍ تحت الضغط. وإنَّ من شأن تشجيع القطاع التعاضدي أن يمكنه من تقديم عرض للعلاجات ملائم لقطاع واسع من الساكنة، سيَّما الطبقة الوسطى، وأن يخفف جزئيا من الضغط المالي على نظام التغطية الصحية. وفي هذا الصدد، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه حول الحماية الاجتماعية بإضفاء دينامية جديدة على القطاع التعاضدي وعلى عرض العلاجات الاجتماعي والتضامني».