بعد أن أعلنت العداء لكل إلترات الفرق الوطنية، وبعد أن عاثت في كل المدن المغربية شغبا وعنفا، وبعد أن تسببت في الكثير من المآسي، كان آخرها الاعتداء على مشجعي اتحاد طنجة، وقد وصل الشغب ببعض المحسوبين على فريق الجيش الملكي إلى حد الإجرام، نعم الإجرام مع الترصد وسبق الإصرار، لم يتعض بعض المحسوبين على الفريق العسكري من تواجد بعض زملائهم وراء القضبان، لم يتعضوا من كل الألم الذي تسببوا فيه للعديد من الأسر المغربية، و لم تجعلهم دموع أمهات الضحايا يتراجعون ويتساءلون عن هدفهم من ارتداء قميص الفريق العسكري، الذي يحمل أكثر من دلالة. بعد كل هذا لم تجد الإلترات المناصرة لفريق الجيش الملكي إلا التناحر فيما بينها خلال المباراة، التي جمعت فريق الجيش الملكي بفريق الدفاع الحسني الجديدي، برسم الدورة الخامسة من البطولة الاحترافية. بدأت المناوشات الأولى فوق المدرجات وقد لاحظنا بأن هناك أشياء غريبة تقع وقد تتطور. فكل فصيل كان يردد أناشيده لوحده في تنافر تام مع الفصيل الآخر، كما لاحظنا بأن هناك حركة غير عادية يمكن أن تؤدي إلى الإصطدام، لكن لم نكن نتصور أن يصل الصراع بين فصيل «البلاك آرمي»وإلترا آرمي» إلى درجة التشابك بالأيدي، ومحاولة تجريد كل فصيل من لافتاته. في لحظة تجلى كل شيء، وذلك بعد تدخل رجال القوات المساعدة من أجل وضع حد للاحتقان، الذي بدأ يطغى على مدرجات الفصيلين المتناحرين، وقد وجد رجال القوات المساعدة أنفسهم في عين العاصفة، وفي فوهة البركان، وبدأت الحجارة تتساقط فوق رؤوسهم، الشيء الذي جعلهم يحمون أجسادهم بالواقيات البلاستيكية، ويبتعدون عن الفصيلين. بعد ذلك اقتحم المشاغبون الملعب، فاختلط الحابل بالنابل، وبدأت الأحجار الكبيرة تتساقط داخل الملعب، كما تحولت بعض جنباته إلى حلبة للملاكمة، وجنبات أخرى منه تحولت للمصارعة المسموح فيها بالركل والرفس والضرب، واستعمال كل الوسائل المتاحة. وهنا كان لابد من تدخل بعض رجال القوات المساعدة،لكن كثرة الجماهير جعلت بعض أفراد هذه القوات يسقطون في كماشة المشاغبين، ولولا تدخل تعزيز الحضور الأمني بأعداد قوية لنال المشاغبون من أحد رجال القوات المساعدة، الذي زلت قدمه فسقط، ليصبح عرضة للرفس والركل والرشق بالحجارة، وقد نقل الضحية إلى المستعجلات، في وضع صحي حرج ونفسية مهزوزة. العنف طال أحد المشجعين، الذي بلع لسانه من شدة الضرب، ولولا تدخل طبيب الفريق العسكري وطاقمه بالسرعة المطلوبة لحدثت الكارثة، حيث تم إنقاذ حياة هذا المشجع، الذي كان سيعزز سجل قتلى ملاعب كرة القدم ببلادنا. يد العنف امتدت كذلك إلى رضوان «كابو» أحد الفصيلين، الذي تدخل من أجل إيقاف الفوضى. فكان لابد من إسعافه، كما تم إسعاف أحد رجال الوقاية المدنية الذي نال حظه كذلك «مما تيسر» من الضرب والرفس. هذه الأحداث زادها خطورة اندفاع الجماهير العسكرية نحو البوابة الرئيسية لملعب الفتح الرياضي بباب الرواح، من أجل النجاة من موت أو عاهة مستديمة، وقد حضرت الألطاف، ونجا الصغار من الدهس، وكم كانت معاناة الآباء كبيرة لأن كل همهم كان هو إخراج أبنائهم وإبعادهم عن دائرة التطاحن، خاصة وأن عدد الجماهير فاق 5 آلاف متفرج، والهروب الجماعي جعل الاكتظاظ عند البوابة خطيرا. الأحداث اللارياضية أرغمت الحكم الدولي بوشعيب لحرش على توقيف المباراة، وإرسال الفريقين إلى مستودعات الملابس لفترة قاربت الثلاثين دقيقة حماية للاعبين وحفاظا على سلامتهم. السلامة استبقتها القناة الثانية، التي نقلت أطوار المباراة، لكن الوصف قام به الزميل حسن فاتح من الأستوديو، وذلك كإجراء احتياطي من تحرش الجماهير المحسوبة على الفريق العسكري بطاقم القناة الثانية، خاصة وأن الزميل مصطفى طلال كان تعرض للاعتداء من طرف بعض المشاغبين. الأحداث التي اندلعت بملعب الفتح خلال مباراة الجيش الملكي والدفاع الحسني الجديدي، وقعت في وقت يهيئ فيه المغرب نفسه لاحتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم، وكأس العالم للأندية، الأمر الذي سيجعل الهيآت الرياضية المختصة تضع ألف علامة استفهام حول أمن الضيوف في ظل جماهير تشبه بعض المحسوبين على فريق الجيش الملكي، الذي لم يعد لهم من هم سوى التفنن في خلق شروط الشغب. وأنا أخط هذه السطور استحضرت، وأنا صغيرا كيف أن جماهير الفريق العسكري، والتي كانت مكونة من أفراد الجيش الملكي، كيف كانوا يخلقون الفرجة وهم يعبرون عن فرحتهم بانتصار فريقهم برمي «البيريات» في السماء والتقاطها بحركات بديعة، بعيدة عن حركات العنف التي أصبحت ترافق إلترات الفريق العسكري، والتي أصبحت تخلق حالة من القلق والترقب سواء لدى سكان مدينة الرباط، أو رجال الأمن الذين أصبحوا يحضرون بأعداد كثيرة شأنهم في ذلك شأن رجال القوات المساعدة، الذين كان حظهم سيئا خلال مساء الأحد الماضي، وسيكون حظ الفريق العسكري سيئا، لأن هذه الأحداث لن تمر من دون عقوبات من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كما سيكون حظ ملعب المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط سيئا لأن «الهوليغانيزم» سينال من تجهيزاته، التي تطلبت حوالي أكثر من 30مليار سنتيم من أجل إخراجه في حلة جديدة للاستحقاقات القارية والعالمية القادمة.