ماهي تمثلات المخرجين الشباب لعلاقة السينما بالتربية؟ كيف يترجمون هذه التمثلات صورا وقناعات على الشاشة؟ ما نسبة حضور القيم الإنسانية النبيلة في هذه القناعات وما جدوى ترسانة المفاهيم التربوية السائدة؟ كيف يتم تنزيلها داخل أنساقهم في الحكي وسرد الوقائع؟ إلى متى يظل وهم الاعتقاد بصناعة الفيلم التربوي لمجرد دخول الكاميرا فضاء المؤسسة؟ وهل حان الوقت لطرد القناعات التقليدية في فهم السينما في علاقتها بالتربية كحبيسة جدران الفصول وداخل المؤسسات التعليمية؟ وهل حان الوقت كي ننتج سينما تربوية بعيدا عن فضاءات المؤسسات التعليمية؟ لقد شكل فورز فيلم قصير بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم التربوي في نسخته 17 المنظمة بفاس أبريل الماضي تحولا نوعيا في مسار علاقة السينما بالتربية، وكان بمثابة صدمة قوية، زلزلت اعتقادات وتمثلات كانت إلى حد بعيد في مجال التقديس. فعلى مدى 16 دورة كانت العلاقات الصدامية بين التلاميذ والأساتذة من جهة وبين التلاميذ أنفسهم محور الإنتاج السينمائي التربوي. ويعتبر فيلم «غير صور» ( JUST FILM IT ) 9 دقائق، لمخرجه كريم بنبو عن أكاديمية أسفي مراكش، النقطة التي أفاضت الكأس وصنعت للسينما التربوية مسلكا إبداعيا مغايرا. ليس لأنه يصور أحداثا شبه واقعية لمعاناة فتاة تربطها علاقة وطيدة بكامرتها وهي توثق الأحداث أينما حلت، بل للفت الانتباه إلى محيطها الذي يشكل عائقا حقيقيا أمام جموحها وعشقها للصورة الحية النابضة بالحياة من جهة، ومغادرته نهائيا فضاءات المؤسسة التعليمية من جهة ثانية. قبل فيلم»غير صور» كلحظة فارقة، عندما يطالعك جينيريك شريط سينمائي تربوي في قاعة عرض فسيحة بألوان الطيف، وأنت عضو لجنة تحكيم، ستغمرك البهجة بشساعة وتتداول بكل وعيك في مسابقة فنية تكتسي طابعا فنيا تربويا، وستملؤك المتعة لأول وهلة وستصاب حتما بالذهول، وتحدث نفسك على الفور، ألهذه الدرجة ارتقى الفن السابع ببلادنا؟ ومن أين للسينما التربوية بهذه القفزة النوعية المريبة؟ وستكبر دهشتك بالتأكيد، عندما تشاهد الأسماء والعناوين وجميع مكونات العرض السينمائي تسبح، تتراقص، أمامك تتحرك، ثم تتماهى غاطسة مشرقة ومنبجسة في حركيات بكل التموجات والألوان الجذابة والممتعة، فتتعزز فرص المتعة والفرح داخلك وتنتصر لسينما الأمل بلا هوادة. لكن، سرعان ما ستتبدد خيوط هذه المتعة العابرة، بمجرد ما تشرع في تفكيك خيوط القصة وتخضع حواراتها للنقد الفني، وتتمعن في شخوصها وشخصياتها، بعد ذلك، سوف لن تتردد لحظة واحدة، كي تتوقف لتستجمع أنفاسك بطعم الخيبة، وتحدث نفسك بصوت مسموع، يا إلاهي كيف ولماذا يحدث هذا الانفلات؟ ثم تضع يداك على صدغيك وتعزف نشيد التراجع واليأس بجميع المقامات. لا ندري لماذا نبدأ بداية جيدة، ولا نستمر بنفس الإيقاع؟ لماذا يتجاهل مخرجو الأفلام التربوية إزاحة بعض الشوائب البسيطة من طريقهم أثناء تصوير مشاهد الفيلم؟ كيف يسمح مخرج تربوي بمرور مواقف مسيئة للتربية وهو يعلم ذلك ولا يكف عن ترديدها في أدبياته؟ بنظرة بسيطة وبقليل من الذكاء نستطيع إبعاد تلك الأفكار المسبقة والشخوص غير اللائقة بالمشاهدين المفترضين مادمنا تربويين. كيف يستسيغ إطار تربوي السماح لتلميذ بفتح زجاجة خمر أو تدخين الحشيش بإعجاب، وذلك في ادعاء تربوي مزعوم ؟ بحيث يصبح الاعتراف ضمنيا بتعاطي المخدرات في قلب المؤسسة أو بمحيطها ومن قبل تلامذة مدمنين ومحترفين!! اليوم، ومع التطور الجديد، بات نقل هذه الخصوصيات المريعة الصادمة، لا يشكل عائقا أمام صناعة سينما تربوية. ولم نعد في حاجة إلى فهم كيف تمرر حالات عديدة تجسد بجرأة عدم الانضباط للحياة المدرسية والامتثال لمقتضياتها على أنها إبداع تربوي؟ صحيح، ثمة تجارب فنية وتقنية ناجحة صوتا وصورة، لكنها تحمل موتها داخلها بفلتة طائشة، كان من الممكن جدا تلافيها، وعدم السقوط التربوي المريع في أحضان تفاهاتها نعم المخدرات بأنواعها موجودة، ويروج لها بمحيط بعض المؤسسات التعليمية، والسلطات لا تذخر جهدا في التصدى لذلك، وفق استراتيجية معينة، كما الخمر مادة استهلاكية مرخص لبيعها، ومعاقب لتعاطيها على نحو يخدش الحياء العام، لكن التربية تبدع في كيفية صنع المعالجة وليس إعادة زرع الملح في الجراحات فيما يشبه التشفي والنكاية !!! سأقدم أمثلة لبعض الانزلاقات :فيلم في خمسة عشر دقيقة يصور شخصياته بفنية وجودة واعدة، ويصورهم بكدراج احترافي ومهنية عالية، وحين يصور مشاهد دخول تلامذته عبر البوابة الرئيسية للمؤسسة يركز على العلم وهو يرفرف باكيا ممزقا ومتآكل الجنبات!!!هل طلب تغيير نسخة العلم الوطني مشكلة أمام إدارة المؤسسة أم طاقم التصوير؟ فيلم آخر تم تصوير مشاهده خلال فبراير 2018 جميع أساتذة الفصول الدراسية دون وزرات وجل عباراتهم مع تلاميذهم بالدارجة ؟؟ فيلم ثالث يمعن في التقاط صور في غاية الدقة والإبهار لأستاذ لعب دور متسكع فيأمره بفتح زجاجة خمر، وتجرعها، ويظهر ذلك في جرأة مخدومة والممثل سكير محترف؟؟ والسؤال هو، كيف نفهم الفيلم التربوي؟ ولماذا هو موجود بالضبط؟ وما هي الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها كرجال تربية وتكوين ؟ ولعل المشكلة تتعمق في كون مثل هذه المشاهد، يمكن رمزيا الاستغناء عنها وإرسالها مشفرة اعتمادا على ذكاء المشاهد، مادامت الحلول المناسبة لها على مستوى الحبكة الفنية ليست على النحو المطلوب، لست من دعاة النهايات السعيدة، لكنى أنتصر لفكرة إذكاء شعور المتلقي وتحفيزه بعد إشراكه ضمنيا.. صحيح أن السينما لا تقدم حلا؟ وإنما تترك الباقي لذكاء المشاهدين، لكن في بعض الحالات، لا ذكاء، هناك عملية نقل بليدة لواقع أبلد هنا تحديدا تنتحر التربية على صخرة السينما، ونحمد الله على أنها مجرد بدايات يسهل شذبها وتقويمها..