شهدت قاعة النهضة، الأسبوع الماضي، العرض الأول بالمغرب للفيلم الوثائقي «الباب السابع» (2017) بحضور مخرجه علي الصافي وجمهور نوعي مكثف امتلأت به جنبات القاعة. وبعرض هذا الفيلم الجميل، الذي تلته مناقشة مع مخرجه، افتتحت جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان أنشطتها لسنة 2018 . تتكون مادة هذا الفيلم، المتمحور حول عوالم المبدع الراحل أحمد البوعناني (1938 – 2011) المتعدد الإهتمامات، من تركيب لمقاطع منتقاة بعناية من أفلامه، التي وقعها باسمه كفيلمه الروائي الطويل اليتيم «السراب» (1979) وأفلامه القصيرة أو متوسطة الطول «الذاكرة 14» و»طرفاية أو مسيرة شاعر» و»أولاد سيدي احماد او موسى» و»المنابع الأربعة»، أو التي شارك فيها إلى جانب مبدعين آخرين كالفيلم الروائي الطويل «وشمة» (1970) من توقيع المخرج حميد بناني والفيلم الوثائقي القصير «6 و12» من توقيع محمد عبد الرحمان التازي ومجيد الرشيش … كما تتكون مادة هذا الفيلم أيضا من مقتطفات حوار مطول أجراه وصوره مخرج الفيلم مع البوعناني من 2008 إلى 2011 حول أعماله السينمائية وغيرها، تضمنت بعض التصريحات التي لن تمر مرور الكرام وقد تجلب على مخرج الفيلم بعض ردود الفعل من هنا وهناك. وقد تخلل تصريحات البوعناني ومقتطفات الأفلام التي أبدعها أو اشتغل فيها كموضب لحظات مصورة من حياته اليومية مع زوجته وابنته تودة وصور فوتوغرافية نادرة له بمفرده أو مع وزوجته الفنانة الراحلة نعيمة السعودي، التي ساهمت في العديد من الأعمال السينمائية في تخصصات عدة دون أن يشار إلى ذلك في جنيريكات الأفلام إلا فيما ندر، حسب ما صرح به البوعناني لعلي الصافي، وبعض رسوماته ومخطوطاته الكتابية وعلى رأسها مخطوط كتابه حول تاريخ السينما بالمغرب منذ البدايات الأولى إلى سنة 1986 بعنوان «الباب السابع» (هو حاليا تحت الطبع) وغير ذلك من الوثائق التي يزخر بها الأرشيف الغني الذي خلفه . لقد استغرق إنجاز هذا الفيلم ما يقارب عشر سنوات من البحث والتنقيب والإعداد والتصوير وغير ذلك، ويمكن اعتباره بمثابة تكريم لهذا الرائد السينمائي المغربي الكبير، الذي طاله في فترات من حياته الإبداعية تهميش وإقصاء غير مبررين. لقد آن الأوان لكي يلتفت صناع السينما ببلادنا والمؤسسة الوصية على تدبير شؤونها وغيرها من المؤسسات إلى ذاكرتنا السينمائية المبعثرة للم شتاتها من خلال إنجاز أفلام توثق للظاهرة السينمائية بالمغرب من مختلف جوانبها .. وفي سياق طرح تساؤلات حول تصريحات البوعناني في الفيلم ، قال الراحل البوعناني «بعظمة لسانه» ، على حد تعبير الأشقاء المصريين، بأنه هو المبدع الحقيقي لفيلم «وشمة»، الذي كتب سيناريوه وأخرجه المبدع حميد بناني منذ ما يقارب نصف قرن من الزمان، مؤكدا أن العوالم الإبداعية لهذا الفيلم هي نفس عوالم فيلمه اليتيم»السراب»، الذي أخرجه بعد فيلم»وشمة» بعشر سنوات، وهنا نتساءل: لماذا صمت الراحل البوعناني طيلة عقود ليخرج علينا من خلال فيلم علي الصافي «الباب السابع» بهذا التصريح؟ ألم يكن ممكنا استضافة السينمائي حميد بناني للرد في نفس الفيلم على هذا التصريح مع الاستئناس بوجهة نظر السينمائي محمد عبد الرحمان التازي أيضا، باعتبارهما الطرفين الباقيين على قيد الحياة بعد رحيل البوعناني ومحمد السقاط، وهم جميعا مشاركون في تأسيس الشركة المنتجة للفيلم «سيغما 3» ؟ هل مسموح للمخرج علي الصافي قانونيا وأخلاقيا بتوظيف مقاطع مهمة من فيلم «وشمة» في فيلمه الوثائقي»الباب السابع» دون إذن أو حتى علم من بناني والتازي؟ على أية حال، لقد رحل البوعناني بعد أن فجر قنبلة لن يستفيد من مخلفاتها حقلنا السينمائي المأزوم أصلا. وهنا نتساءل مرة أخرى: هل كان مخرج «السراب» في كامل وعيه لحظة تصفية حسابه مع ماضيه السينمائي المؤلم من خلال تصريحاته النارية في فيلم الصافي؟ ومن سيتحمل تبعات هذه التصريحات بعد وفاته؟ ألم يكن المخرج الصافي منحازا بشكل من الأشكال لأطروحة البوعناني على حساب الأطروحات الأخرى ومن بينها أطروحة بناني؟ أكيد أن حميد بناني لن يسكت، وقد تصل الإساءة إلى رأسماله الرمزي وسمعته الإبداعية وكرامته كمبدع إلى المحاكم … هذا، ولمن لم يشاهد فيلم «الباب السابع»، لحظة عرضه يوم الثلاثاء تاسع يناير الجاري بالرباط (سينما النهضة) والقنيطرة (قاعة المعهد الفرنسي)، أعلنت جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان أنها قد برمجت عروضا أخرى لنفس الفيلم بكل من المركز الثقافي نجوم سيدي مومن بالدار البيضاء (يوم الجمعة 12 يناير الجاري ابتداء من السادسة والنصف مساء) وقاعة سينما النهضة بالرباط مرة أخرى يوم غد الثلاثاء 16 يناير الجاري ابتداء من الثامنة ليلا).