الكثير منا يربط سر نجاح التلميذ في مساره الدراسي أو فشله بهذه المدرسة أو تلك ، بينما واقع الحال يؤكد أن هناك عدة عوامل و عناصر تتداخل فيما بينها لتؤسس في النهاية هذا النجاح أو هذا الإخفاق. فالتلميذ الذي يستمتع بوقته في فضاءات مؤسسته- خصوصا وقت الأنشطة و الاستراحة وعند الدخول و الخروج- قد يتعذر عليه تحقيقه في قسمه، وهذا من شأنه أن يقلق نفسيته ويعكر صفاء وجدانه . ويزداد الطقس التربوي قساوة لما يحس المتعلم بتصلب العملية التعليمية وتجهم وجه المدرس في توجيه متعلميه، وبالإهانة و التعنيف من قبل أحد والديه في البيت أو أمام أقران خاصة وقت الاستراحة، دون أن يجد طرفا يحميه أو يواسي معاناته واختناقه. فلماذا لا يربى تلاميذنا على متابعة حقوقهم والمطالبة باسترجاعها ؟ ألسنا في زمن التربية على حقوق الإنسان؟ ألم يصادق بلدنا على مواد ومقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في يوليوز 1993؟ إذن أين موقع برامجنا و طرائق تدريسنا من المبادئ الأربعة التي تضمنتها الاتفاقية الاممية لحقوق الطفل؟ قال العالم سبيتز» الأمم المتخلفة هي التي يغلب عليها طابع العفوية في تناولها لكل القضايا،و المقصود بالأمة هنا هي الدولة.. باعتبارها تضم ثلاثة عناصر أساسية وهي: السكان والإقليم والسلطة السياسية» انطلاقا مما سبق، وبناء على عدة نظريات ودراسات سوسيولوجية تحديدا، نلاحظ أن صمت الشعوب الفقيرة وغضها للبصر عن المطالبة بحقوقها هي مسألة ترتبط أساسا بالإهمال والعفوية الزائدة عن حدها وليس مصدرها النقص الحاصل في الوعي السياسي والتأطير النقابي، كما تزعم بعض الأطروحات السياسية. والخطير في الأمر أن هذا الوباء الثقافي – انظر بيير بورديو وباسرون في كتابهما التاريخي «الوارثون وإعادة الإنتاج»- انتقل إلى أوساط وفضاءات مؤسساتنا التعليمية، وجعل الحياة المدرسية فترة زمنية للتهذيب والإصلاح وإعادة تقويم السلوكيات اللامسؤولة وليس العكس ،أي فضاءات تربوية تنعم بالحرية والخلق والمبادرة والإبداع. هذا فضلا عن أن البرامج والمقررات الدراسية لا تحفز على حب الدراسة والرغبة في استمرار تحصيل العلم و المعرفة واكتساب الكفايات والمهارات الوظيفية. وهذا يظهر جليا من خلال جملة من العبارات التحذيرية والنواهي والأوامر الموزعة على جدران وزجاجيات المؤسسة مثال: (لا تقترب إلى النباتات- احترم نفسك- لا تتأخرعن الحصص الدراسية- ممنوع الغش ، لا تلمس الجدران ، لا تركض في الساحة …) بالمقابل، لا نجد أدنى عبارة تثير فضول ودافعية المتعلم، أي تحثه على الملاحظة والتحليل و الاجتهاد والخلق والمبادرة كمبادئ أساسية جاءت بها المدرسة الحديثة. وحسبنا أن نتساءل عن المؤسسات التي تطالب متعلميها بكتابة قصة قصيرة أو بتلخيص نص روائي أو اي نص سردي أو شعري ، باستثناء الحضور الذي تسجله في المناسبات الدينية والوطنية. الملاحظ أن لا شيء – بالمرة- يظل عالقا بذاكرة المتعلم المغربي ولا شيء يظل يشغل باله بمساره الدراسي، وهذا دليل قاطع على البرود الذي أصاب المتعلم من جراء ما تعانيه العملية التعليمية من غرابة وغموض . انظر ذ: محمد بوبكري في « المدرسة وإشكالية المعنى» وجون ديوي رائد نظرية التعلم بالخبرة والتجربة « بالتالي تصبح فكرة التكرار والروتين ومغادرة المؤسسة في سن مبكر جد واردة وحاضرة في وجدان المتعلم. ترى كيف يمكننا تدارك الأمر؟ وإلى أي حد نستطيع إقناع أنفسنا والآباء والمتعلمين للخروج من هذه الوضعية المتأزمة ؟ للإجابة عن هذه الإشكالات، سأعتمد المستلزمات أسفله: باعتبارها مداخل أساسية ليس فحسب لمعالجة الأزمة وإنما لاقتراح سبل النهوض بمنظومتنا التربوية. وذلك بدمقرطة الحياة المدرسية وإضفاء روح الحيوية والمرونة على نصوص قوانينها الداخلية وعلى مواد ومكونات برامجها الدراسية. تغيير الإدارة التربوية لطريقة تواصلها ونمط تصرفاتها في تدبير قضايا المتعلمين ومعالجة مشاكلهم- سواء فيما بينهما وبينهم وبين مدرسيهم وصعوباتهم الدراسة المتواصلة. تحسيس المتعلمين بحقوقهم سواء في التربية والتعليم أو في الترفيه أو في التنشيط أو في الحماية من الأذى والأخطار أو في الصحة المدرسية، طالما هم موجودون داخل المدرسة…..الخ و ذلك وفق ما جاءت به المواثيق والمعاهدات الدولية وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها بلادنا عام 1993م. خلق مكتبة مدرسية، يستعير منها المتعلمون كتب مقرراتهم الدراسية، بالإضافة إلى توافرها على قصص وكتب وروايات متنوعة تتماشى ومستواهم الدراسي. خلق قاعة خاصة للعروض المسرحية، المسابقات الثقافية، القراءات الشعرية…. والمطالعة الحرة و اجتماع أندية المؤسسة. فتح باب الرحلات والخرجات المدرسية على مصراعيه ، أمام كل تلاميذ وتلميذات المؤسسة حتى تحقق المؤسسة انفتاحها على محيطها الخارجي من جهة، ويتمكن المتعلم من التعرف عن قرب عن بعض التعلمات والمعلومات التي تلقاها داخل حجرته الدراسية: كالتعرف على المعالم التاريخية ببلادنا» فاس ووليلي على سبيل المثال، والتعرف على أنواع التربة والمشهد الحضري والمشهد الريفي ثم السدود والأنهار المغربية الخ واكتشاف الهوة العميقة بين ما يقدم نظريا وبين ما هو عليه الواقع المعيشي من تباينات وتناقضات. هذا الربط بين ما هو نظري وتطبيقي- انظر ماكارينكو في نموذج التربية الاشتراكية- هو الكفيل من إخراج المتعلم المغربي من قلقه وضعفه التكويني اللذين يدفعانه دوما نحو التسرب الدراسي مبكرا. لأن الغموض الذي يكتنف ما يتوخى امتلاكه لا يبعث على الاستقرار والاستمرار في طلب المزيد من المعلومات. خلق الأندية التربوية وتشجيعها على المبادرة والعطاء ،لأنها رافعة تربوية أساسية من شانها أن تكسب المتعلم مهارات وكفايات هامة في مساره الدراسي كالكفاية الثقافية والمعرفية والأخلاقية على سبيل المثال، كما بإمكانها أن تزوده باليات التواصل وقيم ومبادئ التشارك والتعاون والتربية على السلوك المدني. خلق مجلة تربوية شهرية على الأقل تحمل بصمات التلاميذ، بناء على ما توصلت إليه قريحتهم واندفعت نحوها بمشاعرهم وخواطرهم وميولاتهم، انه أفضل مشروع تربوي يمكنه أن ينمي لدى المتعلم جنيات ونزعات الكتابة، تماما كما فعل المربي الفرنسي» سليستيان فرينه مع تلاميذه واحدث بذلك ثورة في المنظومة التربوية، لان الراشدين يسقطون على القاصرين إمكانية تحقيقهم لأي شيء، حتى ولو تعلق الأمر بحلم جميل، ماداموا عديمي أو ناقصي الإدراك والتمييز – المسؤولية الجنائية- أكيد أن اهتمامنا واعتمادنا لهذه المقاربة التربوية والحقوقية، كأطر إدارية وفاعلين تربويين وجمعيات مدنية حقوقية، نستطيع أن نتخطى هذه الصعوبات التواصلية التي يحسها ويعاني منها القاصر أثناء تواجده بالمؤسسة، خصوصا إذا شرعنا في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق القاصر بصفة خاصة بأوساطنا التعليمية والتربوية والتكوينية. إن إعادة الدفء التربوي للحياة المدرسية ، رهين بمدى احترام المؤسسة التعليمية لحقوق التلميذ القاصر ، طالما لم يصل سن الرشد القانوني بعد ، وكذا العمل على تأمينه و تكوينه و تأهيله للمستقبل كما أوصت بذلك جل المعاهدات و المواثيق الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل 1989م والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عام 1966م. ترى إلى أي حد نحن عازمون ومصممون على الانفتاح على ثقافة حقوق القاصر بمؤسساتنا التعليمية على مختلف أسلاكها ؟ * مهتم بشؤون الطفولة