هل يعيد الشيخ أحمد الريسوني توجيه الطلبة الإسلاميين نحو محاربة اليسار، والعودة إلى الفتح العقدي .. عوض تقديم تصور جديد للسياسة الوطنية ودور الطلبة فيها؟.. عوض تقديم عرض سياسي للنهوض بالجامعة وبالنقابة الجامعية وبالفضاء العلمي الواسع الذي تمثله الكليات؟.. يبدو السؤال وجيها، بعد أن جعل الفقيه من الإلحاد والكفر اليساريين، المفترضين، جوهر المهام لدى الحركة الطلابية الإسلامية.. ولدى مهامها:أي بعد 14 قرنا من الفتح الاسلامي وعشرة قرون على اعتناق المغاربة لدين نبيهم الحنيف، ما زال هناك من يعتبر بأن المعركة الجوهرية هي مع .. الإلحاد وسط الجامعة ... ويختزل اليسار كله في الإلحاد وفي الزندقة وفي المروق... والظاهر أن جغرافيا الجزيرة العربية تم نقلها الى المغرب لتبرير مهام التربية الدينية الطلابية الجديدة مما يجعلنا نفكر بأنه: كانت مكة في ظهر المهراز..حينا أو السويسي بالرباط حينا آخر أو في جوار ضريح سيدي يحيى..بوجدة أحيانا أخرى أو تفرقت بين شعاب العلوم والآداب والحقوق... وكان الشيطان كائنا له وجود شخصي وله أب ووالدة يركب الحافلات ويتجول في الأسواق ويغري الطلبة بالعودة الى الوثنية .. وقد يبقى على مسغبة وبلا طعام ولا أكل... وينحدر من طبقات الشعب الفقيرة والمتوسطة ويحدث أن يعتقله البوليس... وأن يقدم للمحاكمة ويصدر في حقه السجن بمدد طويلة: الشيطان يبدو ظريفا لأنه قابل للسجن وللضغوط ويمكن أن يكون ضحية للأحكام القاسية.. ضحية للقضاء الخاضعة قوته للتأثير والهواتف الحمراء مسكين هو، وليس اليسار ! اليسار تحالفت العقيدة والدولة ضده: ولهذا كان فتح مكة مقدرا من جديد لتغيير طبيعة الجامعة: من محفل إلحادي الى حضرة للخشوع.. لا تحليل سياسي للمضامين ولا تفرد في الرسالة الطلابية للأجيال التي عاصرها.. لقد تعود الفقيه على خرجات من هذا القبيل، عندما أعلن في السنين الأخيرة أن الإلحاد متغلغل في الدولة.. بالرغم من كل الحمولات الخطيرة لهذا النوع من التصريحات، فإنه أصر عليه لينتقل الى المجتمع وأحد معالمه أي الجامعة.. نحن أمام تركيبة قاسية للغاية: الدولة ملحدة والمجتمع في المنارات العلمية ملحد وزنديق.. يبقى علينا سنم الاسلام علينا الجهاد.. وليست الجامعة وحدها مخفرا للكفر ، بل هي الدولة أيضا.. فقد سبق له أن تحدث عن تغلغل الإلحاد فيها .. ها نحن نعود، رويدا رويدا الى حضن الدين الحنيف بعد أن طردنا الكفار وسنقتل المرتدين.. ونيمم قلوبنا من جديد شطر المنتهى بفضل الفقيه الريسوني.. لا أذكر من حياتي الجامعية أن نقاش الوجود والعدم، كان يتم تحت ظلال أو ضلال الإيمان أو الكفر.. ما أعتقده أن الدولة البوليسية كانت أكبر همنا والاعتقالات التي تتم هي المحدد لجدول أعمال الاحاديث التي تتم ومواجهة العسكرة أو التفسير البوليسي للحرم الجامعي هو مركز الاهتمام.. وكان فينا من ينهى عن نقاش لن يدفع عن الجماهير ذلا ولا ظلما ولا أن يزيد في مساحة الحرية وكم تساءل العديدون : أليس الإلحاد انشغالا بورجوازيا لا يعنينا.. وإذا دخل شعبك المسجد ادخل معه وإذا دخلت السجن، اترك الشعب خارجه.. ومن حسن حظ تجربتنا البسيطة أن هكذا نقاش لم يكن يغري الكثيرين. ومن حسن الحظ أن جيلا من الذين عرفتهم من أبناء حركة الاسلام الطلابي كانوا منشغلين بغير مواجهة اللات والعزة في الحرم الجامعي وكانوا يناقشون القرارات الجائرة أو الاعتقالات.. وكان منهم من هو مهووس باختراق البوليس ، للحركة مثلنا ، ومنهم من يتوجس من انزلاقات مثلنا.. للناس إيمانهم.. ولهم أولوياتهم السياسية التي فرضتها أجندات الدولة، والتطور الديموقراطي وصناديق الاقتراع، التي تعكس اليوم معيار... الحكم على البلاد.. دينها الاسلام ! والامر لا يقف عند التذكير بماض سابق ، بل كرر خطورته في 2012 وقد رددنا عليه في مقالة بتاريخ 2012/07/31 عنوانها: «الريسوني وخطورة تكفير الدولة»! فيها: «أعاد الفقيه أحمد الريسوني ساعة المغرب إلى دورتها الأولى، عندما اتهم طاقما من الدولة بأنه ملحد، وينشر الإلحاد.. ولم يحدد من هو هذا العنصر الملحد في دولة يقول دستورها إنها دولة الإسلام، ولكن هذا يعني أن هذه الدولة، في موقف يناقض دستورها من جهة، كما أنها في موقف تناقض مجتمعا برمته من جهة ثانية. لأن ما يلحد نصفه، أو بعضه أو أغلبه لا يمكن أن يغفل كله! لم يحدث ما قاله الريسوني في أعتى لحظات الظلام والعتمة في تاريخ البلدان، عندما كانت الطوائف تتهم بعضها أو تزايد على بعضها البعض في التدين، وكان أقصى ما تصفها به هو التساهل في تطبيق الدين أو التسليم بأولويته، أو حتى الزندقة! بالنسبة للفقيه «تغلغل الملحدون في الدولة»، وهو ما لا يقابله سوى القول بأنهم السلطة الأساسية فيها، وفي توجيهاتها. إنهم بمثابة الماسونيين أو اللوبيات التي تنخر الدولة، وتصنع قراراتها، إنهم المقابل الموضوعي، في ذهن الريسوني »للوبي الصهيوني« الذي يقال إنه »متغلغل« في دول الغرب وإداراتها ! إن التغلغل يعني الاختراق الأكبر، والاستقرار في الدولة والقدرة على توجيه دفتها، وإمكانية استصدار القرارات والتعليمات باسمها، وكذا القدرة على توظيف الموارد البشرية، والمشاريع التي تساير الطرح الإلحادي في هذه الدولة. إن التصريح يعني أننا عدنا إلى لحظة الفتح الأولى.. وقد صار لزاما على «أبناء الأمة» إسقاط الملحدين وتحرير الدولة منهم!