حراك الريف نتيجة حتمية لتوقف تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة… هكذا عبر عبد السلام بوطيب رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، في مناقشته لخلفيات بروز الخطاب الشعبوي وتصدره كمؤجج للحركات الاحتجاجية المطلبية، عما يحدث اليوم بالحسيمة، معتبرا أن الحراك في المجتمعات العربية والإسلامية تُضفى عليه هالة القدسية بالنظر إلى الحمولة الدينية والتاريخية التي تكتنفه، رغم أنه يفتقد إلى برنامج واقعي وإستراتيجية واضحة، ما يجعل هذه الحركات الاجتماعية ذات أثر أيديولوجي فقط لأن الخطاب الديني يقربنا من الشعبوية بجميع أشكالها، إلا أنه يبعدنا عن نموذج بناء الدولة. وفي تناوله للخلفية المحلية للحراك الاجتماعي المغربي، لم يفت بوطيب الإشارة إلى التفاعل الحاصل بين السياسي والنقابي، والتداخل بين الحزبي والمدني، مشيرا إلى أن جميع أصوات الطيف السياسي اليوم تنادي بمختلف انتماءاتها السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بتنفيذ ما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، معتبرا أن الحراك الاجتماعي إيجابي لأنه يقدم لنا صورة عن طبيعة الدينامية الفاعلة داخله، مسجلا بروز متغيرات شكلية لعل أهمها عودة النساء بالريف إلى واجهة الاحتجاج بعد انحسارها عن الحراك المطلبي منذ 1958 بسبب الانتهاكات الجسيمة التي حصلت بالريف آنذاك، وبعد انتهاء العمل بظهير العسكرة في 1959 والذي لا يزال المواطنون هناك يتمثلونه على أرض الواقع، مرجئا هذه العودة إلى قوة الخطاب المستعمل اليوم ، والمسنود إلى خلفية دينية رغم عدالة المطالب التي يرفعها. ودعا عبد السلام بوطيب إلى أن هذا الحراك يسائلنا جميعا للانكباب على تشريح خلفياته بشجاعة، بالاشتغال على الذاكرة وليس التاريخ، أي إعادة الماضي من أجل تجاوز عثراته الحقوقية، بالإضافة إلى البحث عن نموذج تنموي لا تتشابه فيه البرامج الحزبية التي تدفع إلى فقدان الثقة في المنتخبين، وبالتالي الارتماء في أحضان الخطابات الشعبوية، داعيا من ثمة إلى مراجعة الأدبيات الحزبية للتمييز بين المرجعيات الفكرية والإيديولوجية التي تؤطرها، معتبرا أن جزءا كبيرا من الأزمة يكمن في غياب الديمقراطية كآلية للتسيير والثقافة الديمقراطية التي تعتمد على القيم، داعيا إلى إيجاد مساحة واسعة للشباب بخلق فرص التواصل والإدماج في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى يمكن إنقاذ أحلام المواطنين، وهو مطلب لا يمكن تحقيقه في غياب النخب والمثقفين وعدم استعادتهم زمام المبادرة.