من أين تأتّت لهن هذه الجرأة في كشف المستور والمحرم والمقدس؟ كيف نزعن عن الرجل الشرقي آخر أوراق التوت التي يتدثر بها بداعي الأخلاق والتقاليد ليديم أمد سيطرته الاجتماعية والدينية والاقتصادية؟ نساء عربيات.. باحثات، كاتبات، شاعرات استطعن بأبحاثهن وكتاباتهن أن يعرين الرجل.. أن يسلبنه موقع القيادة ويستعدن دفة الحكي ليفتحن الحكاية من جديد بمنظورهن ، بأحاسيسهن، بقراءتهن لتاريخ من القهر والحجر. أثارت كتاباتهن العديد من السجالات، بل قوبلت بالرفض والتكفير أحيانا في مجتمعات تمسك بسلة الأخلاق والقيم ، فلم يزدهن هذا الاحتكار إلا إصرارا على اختراق مناطق الظل والعتمة. في هذه الحلقة، نستعرض أجرأ الكاتبات العربيات وما واجهته كتبهن من اتهامات وهجوم. في جعبتها أربعون كتابا، أعيد نشرها وترجمتها لأكثر من خمس وثلاثين لغة، ينظمها كلها خيط رابط هو التحرر: تحرير الانسان الذي لن يتم دون تحرير المرأة. ورغم كل هذا الكم الهائل من الكتب، فإنها تعتبر أنها لم تكتب بعد كتاب حياتها بسبب محظورات النشر. فما الذي لم تكتبه نوال السعداوي بعد؟ تمردت نوال السعداوي مبكرا على جسدها وشكلها وشعرها هي القائلة في روايتها «مذكرات طبيبة»: «لقد رسمت لنفسي طريق حياتي طريق العقل ونفذت قرار الإعدام على جسدي، فلم أعد اشعر له بأي وجود». ترفض نوال السعداوي النظر الى المرآة وتعتبرها أداة لاستعباد المرأة وحصر اهتمامها داخل مقصورة الجسد. أثارت الكاتبة والطبيبة المصرية نوال السعداوي قضايا اجتماعية بجرأة لم يستسغها الكثيرون كالبكارة، الجنس والمرأة، ختان البنات، ومن رواياتها التي فتحت عليها خط النار « امرأة عند نقطة الصفر»، أوراق من حياتي»، الوجه العاري للمرأة العربية»، الحب في زمن النفط» الامام يقدم استقالته». رغم أنها اعتبرت الكاتبة العربية الأولى من حيث ترجمة كتبها الى لغات أخرى بعد الروائي نجيب محفوظ حسب إحصاء لموقعoyetimes . تعرضت كتبها للمنع من قبل المؤسسات السياسية والدينية ممثلة في الازهر، وخاصة في فترة الشيخ متولي الشعراوي التي صرحت أنها أهم منه وبأنه صناعة دعاية تلفزيونية لأنه لم يفهم جوهر الدين ولم يتعد اللفظ القرآني، فيما اعتبرها هو عميلة الشيطان. فقدت وظيفتها في وزارة الصحة في 1972 كما تلقت تهديدات بالقتل أكثر من مرة ما بين 1988 و1993 بسبب آرائها من الدين خصوصا في مسألة الإرث والحج وخاصة بعد حادثة التدافع في منى قبل سنتين، حيث صرحت لصحيفة الغارديان البريطانية قائلة : «لماذا يحتاجون الى رجم الشيطان؟ لم كل هذا التردد في انتقاد الدين؟» كما لقي موقفها من مسألة زواج المثليين معارضة شديدة حين صرحت في ملتقاها الشهري بالإسكندرية أن زواج المثليين ليس عيبا ولا حراما وأن طبيعة الانجاب تتغير بتغير الزمن». المعارضون لآرائها الدينية لقبوها بالشيطان الأبيض، بينما اعتبرها قراؤها بسيمون دي بوفوار العرب، فيما أطلق عليها المعارضون لأدبها «السجينة رقم 536» نظرا لتعرضها للاعتقال والسجن في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث حكم عليها بستة اشهر في 1981 بسجن القناطر بسبب مساهمتها في تأسيس مجلة نسوية «المواجهة» ومعارضتها لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. رفعت على السعداوي قضية إسقاط الجنسية في 2008 من طرف المحامي سمير صبري الذي طالب بإسقاط الجنسية المصرية عنها ووضع اسمها ضمن لوائح الممنوعين من السفر بدعوى عملها على إثارة الفتنة في المجتمع وازدراء الأديان والتطاول على مبادئ الشريعة، وهو ما تدافع عنه بالتشديد على أن الدولة يجب أن تظل بمنأى عن تدبير المجال الدينى لأنها دولة للجميع بمختلف معتقداتهم الدينية ، وان جميع القوانين والتشريعات يجب أن تكون مدنية ، معلنة صراحة أنها ضد الدولة الدينية لأنها عنصرية. اتهمت السعداوي الحزب الوطني المصري بمغازلة تيار الاخوان واستغلال الدين فالسادات شجعهم وجميع الحكومات المتعاقبة اشتغلت معهم، معتبرة أن هذا التعامل الازدواجي «من صميم قذارة السياسة التي لا مبادئ لها». عاشت السعداوي أياما عصيبة بعدما رفع معارضوها من الجماعات الإسلامية قضية حسبة للتفريق بينها وبين زوجها السابق الروائي شريف حتاتة الثالث في قائمة أزواجها السابق. تجربة السجن كان باعثها على كتابة روايتها «مذكراتي في سجن النساء» وهو الكتاب الذي أهدته الى» كل من كره الظلم حتى الموت وأحب الحرية حتى السجن ورفض الكذب حتى الثورة». أثرت كتابات نوال السعداوي منذ الستينات على أجيال عديدة من النساء وكانت ملهمتهن للانخراط في التنظيمات النسائية، حيث اعتبر كتابها «المرأة والجنس» النص التأسيسي للموجة النسوية الثانية إذ فتحت من خلاله جميع أنواع العنف الذي تتعرض له النساء، لتتوالى كتاباتها التي سخرت فيها قلمها ليكون المشرط الذي يخترق جسد المجتمع باحثا عن الدواء.