كانت الأسواق في الأزمنة الماضية عبارة عن أماكن تساق إليها مختلف الحيوانات والدواب لبيعها، إلا أن مفهوم الأسواق في عصرنا الحاضر تطور وأصبحت الأسواق فضاءات مواكبة للتطور الحضاري ولم تعد مقتصرة على تبادل السلع والبضائع والخدمات، بل أصبحت أمكنة لتبادل الأفكار والمعلومات والخبرات ، و أمكنة للاستقطاب السياسي أيضا حيث تتمركز الحملات الانتخابية بشكل كبير في رحابها . وتطورت الأسواق تطورا مذهلا في عصرنا الحاضر وغدت فضاءات أرحب من خلال الأسواق الممتازة التي انتشرت في مدننا المغربية الكبرى بعد أن كانت مقتصرة على الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية وغيرها ،ولعل هذه المساحات الكبرى والتي تضم مختلف السلع والبضائع المعروضة في أروقة متعددة حسب نوعيتها هي أسواق عصرية مستوحاة من حضارتنا العربية الإسلامية . وبالنسبة لفاس العاصمة الروحية للمملكة على سبيل المثال لا الحصر، فهي تتوفر على مجموعة من الأسواق المتقاربة في قلب المدينة العتيقة كسوق الحناء المختص في بيع مواد التجميل الطبيعية الخالية من المواد الكيماوية كالكحل والعكار البلدي والغسول والصابون البلدي وغيرها من المواد التي تحظي بإقبال كبير من طرف سيدات فاس والسائحات اللائي يقمن بزيارة فاس العتيقة، وسوق العطارين الذي تباع فيه التوابل والعطور المختلفة وكذا سوق الحايك حيث تعرض أثواب الجلابيب الحريرية التقليدية ، بالإضافة إلى سوق التليس الذي كان إلى عهد قريب مكانا تباع فيه التلاليس، وهي عبارة عن أغطية صوفية مطرزة بالعقيق ورقائق ذهبية لامعة ، والى جانب هذه الأسواق نجد سوق «السباط» حيث تباع فيه مختلف «البلغ والشرابيل» المزخرفة بالصقلي ،وبمحاذاته توجد قيسارية الكفاح التي تزخر بأبهى الملابس الحريرية المستوردة من عدد من الدول الأسيوية والتي تنبهر النساء بجماليتها ورونقها، وكذا سوق الصفارين الخاص بصناعة المنتجات النحاسية وسوق النجارين الذي يوجد به أمهر صانعي الأدوات الخشبية المختلفة والذين أبدعت اناملهم في تخطيط لوحاتها الفنية المزركشة بأجمل الزخارف والخطوط العربية . وزيادة على هذه الأسواق السالفة الذكر، هناك أسواق أخري بفاس العتيقة كسوق الغرابليين الخاص بصناعة الغرابيل وسوق الفخارين الخاص ببيع الأواني الخزفية ،وعلى مقربة من هذه الأسواق ومرورا بسوق الشماعين الذي تباع فيه التمور والفواكه الجافة ، هناك سوق راس الشراطين وسوق باب السنسلة حيث تعرض المنتجات الغذائية الأصيلة كالخليع والحلويات الفاسية بمختلف أنواعها إلى جانب الفطائر المختلفة . ومع التطور اختفت مجموعة من الأسواق كسوق المشاطين الذي كانت تصنع فيه المشط من قرون الأبقار والأغنام ذات الجودة الطبيعية العالية وسوق الحدادين الذي كان المتواجدون به يصنعون السكاكين الحديدية ويسنونها بواسطة الرحي الصغيرة وكذا سوق السقاطين الذي كانت تصنع به «الأعنة» للخيول الأصيلة . والجدير بالذكر انه كان لكل سوق أمين يسهر على مراقبة وجودة السلع والبضائع ويعاقب الغشاشين من الصناع التقليديين، فقد كان يشهر بكل من تسول له نفسه التلاعب بجودة المنتوجات ،و كان يمزق البلغة المغشوشة ويضعها في مكان عال أمام الجميع ويكون هذا التشهير بمثابة عقاب لذلك الخراز الذي غش قي بضاعته، بالإضافة إلى عقوبات مختلفة كان يفرضها أمناء الأسواق. ومما يستغرب له في عصرنا الحاضر ان المجالس المنتخبة لم تستفد من تجارب الأجداد في مجال تنظيم المهن حيث تمنح مختلف الرخص دون دراسة لحاجيات الشوارع والاحياء، فتجد العشرات من المقاهي والمصبنات والأكشاك في أماكن متقاربة جدا، إذ لاتبعد المقهى عن المقهى إلا ببعض الأمتار وأحيانا لايفصلهما أي حاجز، بل برزت مؤخرا ظاهرة استغلال الأرصفة كمقاه من طرف بعض أرباب عدد من الفنادق بشارع الجيش الملكي كما غير بعض مالكي المتاجر بشارع ابن الخطيب تجارتهم وعوضوها ببيع المقروطة نظرا للإقبال عليها و لثمنها الزهيد والدي لا يزيد على 5د للآكلة الخفيفة ،وقد أدى هذا التنافس إلى عدم تكافؤ الفرص بين البائعين. ولعل ما يؤاخذه سكان فاس على المجلس الحالي والمجلس السابق هو عدم الانكباب على تنظيم المهن وإعطاء الرخص المناسبة في الشوارع والأحياء الجديدة للحفاظ على المنافسة التجارية بشكل لايؤثر على مداخيل المستثمرين الصغار الذين تفرض عليهم ضرائب في مستوى الضرائب المفروضة على أرباب الفنادق ودور الضيافة، الشيء الذي أدى إلى إفلاس عدد من المقاهي الصغيرة والمتاجر في مختلف أحياء وشوارع فاس ،حيث تفاجأ بملصقات كتب عليها محل تجاري للبيع .