نٓجٓحَت أغلبية الشعب الفرنسي، مرة أخرى، في التصدي لليمين المتطرف، في انتخابات تاريخية، حيث صوتت بكثافة لصالح إيمانويل ماكرون، ضد زعيمة الجبهة الشعبية، مارين لوبين، التي تمثل الشعبوية الشوفينية، حيث جسّدٓ الناخبون بذلك نضجًا سياسيًّا وثقافياً، يستحق الإعجاب، في سياق دولي، يغلب عليه الخضوع للضغوطات الإنعزالية اليمينية، بمبررات الدفاع عن الخصوصيات الوطنية، وتصريف شعارات العنصرية وكره الأجنبي. لقد اختارت أغلبية الناخبين طريقها، رغم كل التحديات التي كانت مطروحة على الشعب الفرنسي، من بطالة متزايدة وغلاء في الأسعار وأزمة الحماية الاجتماعية والأمن والتهميش والهجرة غير الشرعية والإرهاب… وهي معضلات معقدة، بالإضافة إلى الهجمة القوية التي تشنها الجبهة الشعبية ضد الاتحاد الأوروبي وعملة اليورو، حيث تعتبر أن هذا الإطار يخدم، فقط، المصالح الألمانية. ما يمكن استخلاصه من هذه التجربة الفرنسية، هو ذلك التصميم الذي عبرت عنه أغلب القوى السياسية، رغم تناقض مشاربها، اليسارية واليمينية، من أجل قطع الطريق على الشعبوية اليمينية المتطرفة، التي أصبحت تشكل خطرًا على مستقبل الدولة الفرنسية، في مختلف اختياراتها الحضارية والإنسانية والثقافية والسياسية. لكن ما يدفع نحو مزيد من التأمل في ما جرى في فرنسا، هو تحليل أسباب الخطر اليميني المتطرف، الذي تطور بالشكل الذي أصبح واقعاً انتخابياً، لأنه يعتمد في خطابه على استغلال الفقر والتهميش والخوف من المستقبل والتحريض ضد الأجنبي، لاستمالة الناخبين، نحو اختيارات شوفينية وعنصرية وانغلاق وانعزال، عن باقي العالم. وبالإضافة إلى أن التصويت المكثف لصالح ماكرون، يقدم خدمة عظيمة للشعب الفرنسي، وللمهاجرين، من مختلف الجنسيات، الذين كانوا مهددين، بالسياسية العنصرية لمارين لوبين، فإن الدرس الذي من الواجب استخلاصه، هو التكتل الكبير الذي نجحت أغلب القوى الفرنسية، في تكوينه، لمواجهة خطر واحد، هو اليمين الشعبوي المتطرف، بغض النظر عن الاختلافات السياسية والإيديولوجية. التجربة الفرنسية، يمكن أن تكون ملهمة لكل الشعوب، التي تواجه تحديات اليمين الشعبوي، المتطرف، سواء كان شوفينيا عنصريا أو رجعيا دينيا، لأنه خطر واحد، له قواسم مشتركة، تتمثل في تصريف خطاب فاشي، لا يقبل الاختلاف، يعتمد على شيطنة خصومه والتهجم عليهم، إما بتهمة الخيانة الوطنية والتفريط في مصلحة البلاد، أو بالتكفير واستغلال الإيديولوجية الدينية، بتأويل متخلف وظلامي.