أيتها الأخوات، ايها الإخوة، الحضور الكريم، باسم أخواتي، وإخواني وباسم كافة الفيدراليات والفيدراليين في مختلف التنظيمات الفيدرالية وطنيا وقطاعيا ومحليا، أتوجه بتحية التقدير والاعتزاز إلى ضيوفنا الأعزاء الذين أبوا إلا أن يشاركوا الفيدراليات والفيدراليين الاحتفال بعيدهم الأممي فاتح ماي 2017بحضورهم الوازن والمتميز، بما في ذلك من دعم قوي للمسار الذي اتخذته منظمتنا في بناء فعل نقابي جاد ومسؤول يمتح من القيم الكبرى للديمقراطية والحداثة ويندرج حتما في سباق المجهود الجماعي للقوى الوطني والديمقراطية من أجل مواصلة بناء التراكمات الضرورية لاستكمال الانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. وباسمكم جميعا نقف تقديرا للشغيلة المغربية بمختلف تصنيفاتها وبمختلف انتماءاتها على صمودها وصراعها المستميت ضد التعسف والاستغلال ونضالها من أجل توسيع وتكريس الحريات والحقوق النقابية وتحسين أوضاعها المادية والمعنوية، وإيمانها بدورها في دعم البناء الديمقراطي وتحصين الوحدة الترابية لبلادنا، وفي مقدمتها المناضلات والمناضلون الفيدراليون في مختلف مواقعهم بصمودهم وتضحياتهم من أجل أن تبقى وتظل الفيدرالية الديمقراطية للشغل رقما أساسيا في المشهد النقابي الوطني. ولا يفوتنا أن نعبر عن تضامننا مع الطبقة العاملة العالمية في صراعها ضد اللبيرالية المتوحشة وفي مقاومتها لكل أشكال الاستغلال والاضطهاد. أيها السيدات، أيها السادة أخواتي، إخواني الحضور الكريم اختارت الفيدرالية الاحتفال بفاتح ماي لهذه السنة تحت شعار «من أجل مقاومة مسلسل التراجعات وتحصين المكتسبات» إيمانا منها بأن السنوات الخمس التي دبرت خلالها الحكومة المنتهية ولايتها الشأن العام كانت سنوات عجاف على مختلف الواجهات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الحقوقية، فبالنظر إلى الآمال التي فتحها الحراك الاجتماعي لربيع 2011، والتطلعات التي علقتها مختلف فئات الشعب المغربي على ما بعد دستور 2011، من مؤسسات سياسية وفاعلين سياسيين وتحديدا على الحكومة التي انبثقت عن هذا الدستور بعد انتخابات 25 نوفمبر 2011، كانت الانتظارات تتوق إلى تسريع ووتيرة الانتقال الديمقراطي وتحسين المردود السياسي للمؤسسات السياسية وتوسيع مجال الحقوق والحريات، وتطوير الأداء الاقتصادي ومواجهة المعضلات الاجتماعية، إلا أنه وبقراءة بسيطة لحصيلة الحكومة السابقة نقف على أعطاء عديدة حالت دون أن تكون هذه الأخيرة في مستوى المرحلة، بل نكاد نجزم أن مرحلتها كانت مرحلة تراجعات بامتياز، إذ في ظلها صمتت بالمرة محركات الانتقال الديمقراطي، وأضحت المؤسسات السياسية منابر للتنابز والطعن في الخصوم السياسيين والاجتماعيين وابتذال الخطاب السياسي والعمل بمنطق الفكاهة بدل منطق السياسة، من خلال خطاب شعبوي لدغدغة العواطف واستدرار العطف والتهديد والوعيد وإتقان دور الضجة لخلق اصطفافات في المجتمع بين الخير والشر والمصلح والفاسد والملاك والشيطان، في توظيف مغرض للمرجعيات الموحدة للمغاربة كمسلمين. ولم يسلم الاقتصاد الوطني من نفس المقاربة، إذ أظهرت الحكومة السابقة منذ الوهلة الأولى ولاءها المطلق للمؤسسات المالية الدولية، بتبنيها عقيدة التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية، متخلية عن الدور الاجتماعي للدولة في محاربة الخصاصات المهولة في التربية والتكوين والصحة والسكن والتشغيل وأشكال الهشاشة المتعددة والممتدة عبر التراب الوطني. فالمؤشرات الاقتصادية لهذه الفترة تراجعت بشكل جلي، سواء من حيث معدل النمو أو عجز الخزينة أو نسبة التضخم وتفاقم أرقام البطالة وتضاعف حجم المديونية، خاصة الخارجية منها، والمصحوبة بخط ائتماني لثلاث سنوات متتالية تحسبا لكل الاحتمالات المؤلمة التي قد تضرب الاقتصاد الوطني، كما أن الاستثمارات التي استقطبها الاقتصاد الوطني لم تكن لها مردودية مباشرة على نسبة النمو وعلى إحداث مناصب الشغل، وساهمت الإجراءات القسرية التي اتخذتها الحكومة برفع الدعم عن المحروقات، في تراجع الطلب الداخلي، إذ ان المكاسب المحققة وراء هذا الإجراء ذهبت لمعالجة عجز الخزينة ولم تذهب إلى خلق دينامية في شرايين الاقتصاد الوطني، حيث أن النموذج الاقتصادي المتبع منذ أكثر من 15 سنة وصل إلى حالة الانسداد ولم يعد قادرا على خلق القيمة المضافة في الناتج الداخلي غير الفلاحي، وظلت بلادنا رهينة التساقطات المطرية في احتساب معدل النمو. السيدات والسادة أيتها الأخوات ايها الإخوة، الحضور الكريم، لقد تلقت المسألة الاجتماعية صفعات متتالية في عهد الحكومة السابقة، إذ أن مجموعة من القرارات السياسية المغلفة بخطاب الإصلاح كانت تستهدف في عمقها إضعاف أدوار الطبقة العاملة والطبقة الوسطى داخل المجتمع والحد من تأثيراتها على القرار السياسي والاقتصادي وتقزيم حضورها لدى الرأي العام الوطني، وذلك من خلال ضرب قدرتها الشرائية عبر تحميلها تبعات وانعكاسات رفع الدعم عن المحروقات، وتحميلها كلفة الإجراءات المقياسية التي تم إدخالها على المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، ومراجعة نسب الضريبة على القيمة المضافة وانعكاساتها على الأسعار، في وقت تم فيه تجميد الأجور والتعويضات بشكل غير مسبوق. لقد عمدت الحكومة إلى إفراغ الحوار الاجتماعي من محتواه الديمقراطي كمظهر من مظاهر الديمقراطية التشاركية التي أتى بها دستور 2011 ليعزز مكانتها في العلاقات بين المؤسسات ومكونات النسيج الاجتماعي الوطني، وبذلك تم التراجع عن كل التراكمات التي تحققت في عهد الحكومات السابقة من أجل مأسسة الحوار الاجتماعي وضمان انتظاميته وديمومته كإطار للوصول إلى تعاقدات اجتماعية تساهم في الاستقرار والسلم الاجتماعيين، بحيث لم تنتج الجلسات القليلة والمتذبذبة مع الحكومة ولو أجراء واحد لصالح الشغيلة المغربية، وتم ذلك في ظل أجواء التوثر مع المركزيات النقابية التي اضطرت إلى خوض نضالات ميدانية ضد السياسة الحكومية، جعل الحكومة تدرج النقابات ضمن خصومها الايديولوجيين وتنتج خطابا تبخيسيا للعمل النقابي في سعي حثيث لنزع كل مصداقية عن الممارسة النقابية. ولم تكن القضايا الاجتماعية الكبرى والأساسية في حياة المواطنات والمواطنين أكثر حظا من سابقاتها، إذ شهدت منظومتنا التربوية تراجعا مؤلما في التأطير والبنيات والمناهج والتعلمات، دفعت المنظمات الدولية المختصة إلى تصنيف بلدنا في مراتب متدنية في الترتيب الدولي. وقد عشنا جميعا محنة الأساتذة المتدربين وكيف تعاملت الحكومة مع مطالبهم واحتجاجاتهم المشروعة. نفس الأمر ينطبق على المنظومة الصحية، إذ لازالت البنيات الاستشفائية غير قادرة على استيعاب الطلب المتزايد على الاستشفاء، في ظل الخصاص الكبير في الأطر من أطباء وممرضين، كما ساهمت منظومة الراميد RAMED في تعميق أزمة المستشفيات في ظل عدم وفاء الدولة بالتزاماتها في تدبير هذا النظام ودعم المستشفيات. البطالة أيضا عرفت ارتفاعا في العهد الحكومي الذي ودعنا إذ ارتفعت إلى أكثر من 10% بصفة عامة وحوالي 26% عند حاملي الشهادات، في وقت تراجع فيه الدور التشغيلي للدولة، إذ لم تتجاوز في السنة الفارطة والسنة الجارية 23 ألف منصب، أما في المؤسسات الإنتاجية للقطاع الخاص فظاهرة التسريح الجماعي والفردي وإغلاق المؤسسات الإنتاجية والصعوبات التي تعاني منها المقاولات الصغرى والمتوسطة كلها عوامل ساهمت في توسيع جيش العاطلين مع ما ينتجه هذا الواقع من ظواهر اجتماعية مقلقة. ايتها السيدات أيها السادة، أخواتي إخواني الحضور الكريم ونحن نحتفل بالعيد الأممي، والحكومة الجديدة وبالكاد حصلت على ثقة مجلس النواب لتنفذ ماوعدت به في التصريح الحكومي، وهي تجر وراءها ستة أشهر من الهدر للزمن السياسي عقب الانتخابات التشريعية ل 07 أكتوبر 2016، بكلفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لاشك أن لها قراءتها الخاصة للمرحلة السابقة والتي كلفت بلادنا الكثير داخليا وخارجيا، مطالبة بالتجاوب مع تطلعات الشعب المغربي لبناء مرحلة جديدة في مختلف المجالات. إن الخيبات التي عشناها، لا تجعلنا نستبق الأشياء ونحكم على الاداء الحكومي من الآن، بل سيتحدد موقفنا من خلال الإجراءات العملية التي ستتخذها الحكومة ومقاربتها للمسألة الاجتماعية، وتجعلنا المقاربة التي انتهجها السيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في المشاورات السياسية بعد تكليفه من طرف جلال الملك، والمنطق المؤسساتي الذي تعامل به مع كافة الأطراف، والرمزية التي أراد أن يؤسس عليها العلاقات مع المركزيات النقابية، نتطلع إلى المستقبل ونتوخى الحذر في نفس الآن، وعدم الدخول في تقييمات قبل الآوان، بل سننظر إلى الأمر في حينه، على ضوء تدبير الحكومة ومقاربتها للحوار الاجتماعي ومدى قدرتها على الإسهام في مأسسته بمواصلة خلق التراكمات التي تحققت في هذا الإطار ما قبل الحكومة السابقة، ومدى إيمانها بالدور الحيوي للعمل النقابي الجاد والمسؤول في تجاوز كل العراقيل بهدف خلق شراكة حقيقية لتدبير كل القضايا الاجتماعية عبر الإنصات والحوار. كما على الحكومة أن تظهر حسن نيتها من خلال تفعيل ما تبقى من التزامات اتفاق 26 أبريل 2011، خاصة نسخ الفصل 288 من القانون الجنائي، والمصادقة على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية حول الحريات النقابية وإحداث الدرجة الجديدة وإطلاق سراح التعويض عن العمل في المناطق النائية وتوحيد الحد الأدنى للأجر بين القطاعين الصناعي والفلاحي، وأيضا جعل القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية تفي بالتزاماتها فيما يخص الاتفاقات الموقعة مع النقابات القطاعية. وتتطلب القدرة الشرائية للمأجورين والتي تضررت كثيرا في عهد الحكومة السابقة مجهودات من أجل تحسين دخل الشغيلة من خلال إقرار زيادة في الأجور ومراجعة النظام الضريبي (الضريبة على الدخل) وخفض التكاليف الاجتماعية عن الأجراء وإقرار إجراءات جديدة فيما يتعلق بالسكن الاجتماعي للمأجورين وفي مجال التشريع الاجتماعي، إخراج القانون إطار للإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد طبقا لخلاصات اللجنة الوطنية واللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، بما يضع حدا للمعاشات الهزيلة التي تصرفها بعض الصناديق كالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS. الانكباب على القوانين الانتخابية المهنية ومعالجة الاختلال وعدم التوازن بين القطاعين العام والخاص، ووضع المساطر الضرورية لحماية العملية الانتخابية لمندوبي الأجراء في القطاع الخاص من الفوضى والتسيب والغش والتزوير. وتفعيلا للفصل8 من الدستور، إخراج قانون النقابات لتأطير الحقل النقابي الذي يعيش في ظل فراغ قانوني قاتل، حماية للديمقراطية الداخلية وضمانا لشفافية ووضوح مالية النقابات، وتكريسا لقيم المؤسسات وربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري. أخواتي إخواني الحضور الكريم إن الحاجة قائمة اليوم إلى تعزيز حضورنا المجتمعي بدعم كل النضالات التي تخوضها الحركة النقابية والفئات المجتمعية في الإطار السلمي المشروع، تكريسا للحريات العامة ودعما للمشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي، المبني على قيم الانفتاح والتعدد والاختلاف والضامن للحقوق والمنفتح على المشترك الإنساني في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لذلك فالقوى الوطنية والديمقراطية المدافعة عن قيم الحداثة والتي نحن معها في خندق واحد، مطالبة بالدفاع عن الإصلاحات السياسية القادرة على تكريس هذه التوجهات، لنجعل من بلدنا ومن خلال الأدوار المتقدمة التي يقوم بها صاحب الجلالة في توجهاتها الإفريقية والدولية والديبلوماسية الواقعية في القطع مع الطابوهات التقليدية، بلدا يمتح من القيم الكونية لحقوق الإنسان ومتشبعا بالقيم الديمقراطية كماهو متعارف عليها دوليا. إن في ذلك تعزيز للحمتنا الوطنية، الموحدة على قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية، والتي تحقق منذ تقديم المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع والذي تم توصيفه من طرف الهيأة الأممية والمنتظم الدولي بالجدي وذي المصداقية، تراكمات جديدة، تجلت بوضوح بعودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، وانتخاب الأمين العام الجديد للأمم المتحدة ، والتعامل الذكي لبلادنا مع استقزازات خصوم الوحدة الترابية، كما جسد ذلك التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، هذا المسار الذي تعززه المقاربة التنموية الشاملة لأقاليمنا الجنوبية، واليقظة الدائمة لمنظومتنا العسكرية والأمنية، كلها عوامل ستساهم لا محالة في وضع حد للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية. أخواتي، إخواني، ونحن نحتفل بفاتح ماي 2017، لا يفوتنا أن نعلن تضامننا مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يخوضون معركة الإضراب عن الطعام دفاعا عن حقوقهم وظروف اعتقالهم التحكمي، مطالبين في نفس الآن المنتظم الدولي بالتدخل لوضع حد لمأساة الشعب الفلسطيني بوقف سرطان الاستيطان، ووضع حد للاحتلال الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وفقا للاتفاقات الدولية ذات الصلة. عيدكم مبارك سعيد، وكل عام وانتم بالف خير.