قال المؤرخ والأستاذ بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، حسن ليمان، اليوم الاثنين بالرباط، إن الموقع الأثري دار البارود يشهد على الازدهار العمراني والحضاري لمدينة سلا وذاكرتها الجماعية منذ العصر الوسيط إلى غاية اليوم. وأوضح الأستاذ الباحث، خلال زيارة رسمية للموقع نظمتها وزارة الثقافة والاتصال بحضور وزير الثقافة والاتصال السيد محمد الأعرج وعامل عمالة سلا السيد عبد الرحمان بنعلي، أن حفريات الإنقاذ التي أنجزت بالموقع الأثري دار البارود، بين 13 مارس الماضي و13 أبريل الجاري، كشفت الأهمية البالغة لهذا الموقع على المستويات التاريخية والأركيولوجية والفنية. وفي ما يتعلق بالجانب التاريخي، ذكر في تصريح صحافي أن الاستقرار الإنساني بهذا الموقع امتد على الأقل منذ القرن ال 12 إلى غاية القرن ال20، هذه الفترة التي اضطلع خلالها الموقع بعدة أدوار تجلت في حي حرفي للخزف، ودار للبارود، ومقر لباشاوات مدينة سلا، ومنتزه حضري، ومعهد للموسيقى، مسجلا أن النصوص التاريخية لم تشر قط إلى وجود حي حرفي للخزف بالمدينة مخصص لتصنيع الخزف. وفي الجانب الأركيولوجي، قال إن حي الخزف هذا، الذي يعود للعصر الوسيط، يعد موقعا فريدا على مستوى المغرب العربي باعتباره "اكتشافا كبيرا وهاما للأثار بالمغرب"، مؤكدا أنه تم حتى الآن اكتشاف ما لا يقل عن 30 فرنا وثلاثة أوراش حرفية تعود إلى القرن ال12. وسجل السيد ليمان أن هذه الدراسة مكنت من اكتشاف نوعية غنية ومتنوعة من الأفران، مبرزا أن الحي الحرفي عرف على الأقل ثلاثة مراحل لبناء الأفران. وأضاف أن هذا الموقع، الذي شيده السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام في سنة 1846 والذي خصص لتخزين الذخيرة والعتاد والبارود، يجسد على المستوى الفني ديمومة واستمرارية لفن إنتاج الخزف (الرقيق والمصبوغ والعادي والمزجج)، والآجر، والزليج وفواهات الآبار، وغيرها. وأكد أن هذا الموقع "يشهد، أيضا، على خبرة وتجربة الأجداد التي لطالما ميزت مدينة سلا وذاكرتها الجماعية منذ العصر الوسيط وحتى يومنا هذا، من قبيل حي الخزافين بالولجة". من جانبه، قال الكاتب العام للوزارة، السيد محمد لطفي مريني، أنه منذ الشهر الماضي توافد فريق من علماء الآثار المتخصصين على موقع دار البارود بسلا، إثر اكتشاف فرن قديم خلال أشغال تشييد مسرح على هذا الموقع، مشيرا إلى أن حفريات الإنقاذ مكنت من اكتشاف عدد كبير من الأفران على الموقع بأكمله. وأكد السيد مريني أن الأمر يتعلق ب"اكتشاف كبير يمكن من قراءة تاريخ مدينة سلا من خلال تواجد هذا الحي الصناعي التي يعود إلى القرن ال12″، موضحا أنه سيتم إنجاز الحفريات الثانية لمعرفة حجم هذا الحي الحرفي للخزف وتمكين السلطة العمومية من اتخاذ قرار بشأن استخدام هذا الفضاء الذي كان مخصصا في البداية إلى البنية التحتية الثقافية، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار ثراء هذا الاكتشاف.