يعيش قطاع الصيد الساحلي بمدينة طنجة، أوضاعا جد حرجة قد تدفعه نحو الإفلاس، بسبب النقص الحاد في الثروات السمكية، خاصة السمك العمقي، نتيجة الاستنزاف الكبير الذي تعرض له النفوذ البحري للغرفة المتوسطية للصيد البحري الممتد من العرائش إلى الحسيمة على طول 600 كلم. فبعد أن كان الإنتاج السمكي بالمنطقة الشمالية قبل عشر سنوات يصل إلى 80 ألف طن سنويا أصبح اليوم لا يتعدى 36 ألف طن. وعن الأسباب والملابسات التي أوصلت الأوضاع بهذا القطاع إلى مرحلة الانهيار، والحال أنه يشكل مورد رزق لأزيد من 3000 بحار بشكل مباشر وحوالي 6000 شخص آخر بصفة غير مباشرة، عزا العديد من المهنيين، ممن استقصت الجريدة أراءهم، ذلك إلى "افتقاد الوزارة الوصية على القطاع لرؤية خاصة بالمنطقة الشمالية"، نظرا لاختلاف الخصوصيات بين المناطق البحرية الثلاث المكونة لسواحل المملكة. فالمخطط الاستراتيجي للنهوض بقطاع الصيد البحري "أليوتس" ركز بالخصوص على تأهيل المناطق الأطلسية الوسطى والجنوبية على حساب السواحل الشمالية. غير أن قرار الوزارة الوصية بمنع استعمال الشباك العائمة المنجرفة، منذ 2012، يؤكد المهنيون في تصريحاتهم المطبوعة بالمرارة والخوف من المصير المجهول الذي ينتظرهم، "شكل الضربة القاضية التي أصابت قطاع الصيد الساحلي بطنجة في مقتل". ذلك أن هاته الشباك كانت تستعمل من طرف 139 باخرة لصيد سمك أبو سيف، وهو النشاط الذي كان يحقق إلى حدود 2008 حجم مبيعات تقارب 10 ملايير سنتيم سنويا، لتندحر إلى ما دون 150 مليون سنتيم منذ 2012. وعدد المهنيون ما اعتبروها أخطاء قاتلة للوزارة في التعاطي مع ملف منع الشباك المنجرفة، فالوزارة كانت محكومة بهاجس الانصياع لضغوط المنظمات الدولية، الداعية لمنع استعمال هاته الشباك، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار ضمان استمرارية نشاط الوحدات البحرية، مثلما لم تعر أي اهتمام لمصير الآلاف من البحارة المعتاشين من صيد سمك أبوسيف. لقد انحازت وزارة الصيد البحري لمقاربة تقنو مالية، ارتكزت على التعويض عن الشباك المنجرفة وعلى المغادرة الطوعية، بتكلفة بلغت 120 مليون درهم، حيث قامت بتعويض 94 مركب بمدينة طنجة عن الشباك على أساس التخلي عن صيد سمك أبوسيف والتحول إلى صيد أنواع أخرى من السمك، في حين استفاد أرباب 45 مركبا من التعويض عن الشباك وعن المغادرة الطوعية من قطاع الصيد البحري بصفة نهائية على أساس تدمير الشباك و المراكب. بالمقابل وبعد سلسلة من الاحتجاجات التي خاضها الآلاف من البحارة، رصدت الوزارة الوصية 40 مليون درهم لتعويضهم، حيث استفاد حوالي 1500 بحار ب 21 ألف درهم لكل واحد منهم سبق له أن اشتغل بقطاع صيد سمك أبوسيف ما بين 2008 و2011 على أساس أن يكون قد تجاوز 800 يوم إبحار. بيد أن حصيلة هاته المقاربة كانت كارثية بكل المقاييس حسب ذات المصادر، فالبحارة الذين تم تعويضهم أصبحوا اليوم عرضة للضياع والتشرد بسبب عجزهم عن كسب مورد رزقهم خارج البحر، في حين المهنيون الذين تحولوا إلى صيد أنواع أخرى من السمك، انضافوا بدورهم إلى أسطول الصيد الساحلي المكون من حوالي 200 مركب. غير أن الاستنزاف الخطير للثروات السمكية الذي بلغ مستويات مقلقة، والتكاليف الباهظة لعملية الإبحار التي تكلف حوالي 8000 درهم كمتوسط يومي لكل مركب صيد ساحلي حسب الحمولة، سيدفع من دون شك الأسطول بكامله نحو إفلاس محقق. إذ لم يبق لمهنيي الصيد الساحلي من حل حسب تصريحهم، في ظل استمرار تجاهل هاته الوضعية الخطيرة، إلا المغادرة الجماعية من هذا القطاع، مع ما سيترتب عنه من فقدان لآلاف مناصب الشغل. مما يدفعنا لطرح تساؤلات مقلقة حول نجاعة المقاربة التي انتهجتها الوزارة الوصية في تعاطيها مع هذا الملف، إذ كيف يتم القبول بإعدام نشاط كان يشغل آلاف مناصب الشغل ويحقق حجم مبيعات بملايير السنتيمات، واختزاله في منح تعويضات بقيمة 160 مليون درهم، كل ذلك إرضاء لضغوط المنظمات الدولية، في حين فرنسا وإيطاليا لم تنهج نفس المقاربة، بل لازالتا تسمحان باستعمال الشباك المنجرفة حيث عمدتا إلى تقنينها، وتفاوضتا بشراسة حول الكميات المسموح باصطيادها حفاظا على المصالح السوسيواقتصادية لقطاع له حساسيته الكبرى.