«الطيرُ الحبيسُ يغنّي برعشةٍ خائفة عن أشياءَ لا يعرفها ... لكنه يتوق إليها وألحانه .. تُسمَعَ في الهِضاب القَصيّة ذاك أنّ الطيرَ الحبيس يغنّي عن الحريّة». مايا أنجيلو عن سنّ 86، توفيت في 28 ماي الأخير، في بيْتها بوينستونْ ساليمْ بولاية كارولينا الشمالية الشاعرة والمناضلة مايا أنجيلو. كانت أنْجيلو (واسمها الحقيقيّ مارغوريت دجونسونْ) امرأة عظيمة، وقد كان لها تأثير كبير في المجتمع الأمريكيّ في نضاله شرائحه السوداء من أجل المساواة والحرية. وقدْ كتبتْ أنجيلو في موضوعات إنسانيّة تتعلق بالعرْق والنوع والحياة بكل ما فيها في قصائدها ومذكراتها وحقق لها كتابها (أعرف لماذا يُغرد الطائر الحبيس)، وهو سيرة ذاتية صدر سنة 1969، شهرة كبيرة، وبات اليوم من الكلاسيكيات الأمريكيّة بعد منعه، بعد صدوره، في عدد من المدارس والخزانات العمومية . ونُشر أحدث أعمالها «أنا وأمي» في أوائل سنة 2013. شخصيات فنية وثقافية وسياسية بارزة في الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت حاضرة خلال الحفل التأبيني الذي أقيم في كارلوينا الشمالية تكريما لروح الشاعرة والمؤلفة والناشطة الأمريكية. وفيما أكد الرئيس الأسبق للولايات المتحدة بيل كلينتون أنّ مايا أنجيلو واحدة من بين أقوى الأصوات الأدبية في العالم قالت عنها نجْمة التلفزيون الأمريكي أوبرا وينفري: «لقد كانت ملكتي وأمي الرّوحية بكلّ معنى الكلمة». أما ميشال أوباما زوْجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما فقالت عنها:? لقد أثرتْ فيَّ وأثرت في كلّ واحد منكم، مايا أنجيلو أثرت أيضا في إمرأة عاشتْ في كنْساسْ فسمت ابنتها على اسم الشاعرة، وربّتْ ابنها ليكون فيما بعد أول رئيس أسود للولايات المتحدةالأمريكية». جابتْ في أواسط الخمسينات في اثنين وعشرين بلداً لتقديم عروض الأوبرا وظهرت في العديد من البرامج التلفزيونية وشاركت في تأسيس فرقة راقصة أنتجت أعمالاً ريادية مازجت فيها بين الرقص الحديث والباليه والرقص القبَلي لغرب أفريقيا ، ثم انتقلت الى نيويورك لتنضم الى جماعة هارلم الأدبية وعملت في الصحافة السياسية والكتابة والتمثيل للمسرح وتعرفت على العديد من الأدباء والفنانين والناشطين السياسيين في حركة الحقوق المدنية أمثال مارتن لوثر كنج والمناضل الأفريقي «فوزومزي ماكي» الذي عاشت معه فترة وجيزة في جنوب أفريقيا ثم انتقلت وإياه إلى القاهرة حيث عملت في صحيفة «الاوبزرفر العربي» الناطقة بالإنجليزية لتنتقل بعدها إلى جامعة غانا حيث حاضرت في مدرسة الموسيقى والدراما هناك، وخلال رحلاتها تلك تعلمت خمس لغاتٍ أجنبية غير لغتها الانكليزية مثل الفرنسية والاسبانية. في سنة 1966 عادت إلى لوس أنجلس لتحاضر في جامعة كاليفورنيا وتنضم إلى «مالكوم إكس» في تأسيس حركة حقوق مدنية جديدة، غير أنه اغتيل بعد فترة وجيدة فعادت إلى التعاون مع «كنج» الذي اغتيل هو الآخر سنة 1968. كل هذه الأحداث دفعتها الى كتابة الجزء الأول من سيرتها الذاتية الشهيرة، مما أكسبها اعترافاً وإطراءً عالمياً حفزّاها على كتابة خمسة أجزاء أخرى لتصبح بهذا واحدة من أشهر كتّاب السيرة الذاتية في أمريكا والعالم، نظراً لصورها المبدعة الحافلة بالحياة وأسلوبها المجدد الصريح الذي مزجت فيه بين السيرة الذاتية والخيال والرّواية والشعر مما وضع أعمالها في خانة السير الذاتية الروائية. وأنجلو شاعرة غزيرة الإنتاج؛ فقد رشحت مجموعتها الشعرية الأولى «أعطني كأس ماءٍ باردٍ فأنا أموت» والتي ظهرت سنة 1971 لنيل جائزة البولتزر؛ ثمّ تلتها العديد من المجموعات منها «أرجوك، جناحاي-1975» و»وما زلتُ أعلو-1978» و»لن اتزحزح-1990» والكثير غيرها. كما اختارها بيلْ كلنتون لإلقاء قصيدتها الشهيرة «على نبض الصباح» في حفل تنصيبه عام 1993 لتكون ثاني شاعر يلقي قصيدة في حفل تنصيب رئاسي منذ ظهور الشاعر العظيم روبرت فروست في حفل تنصيب كندي عام 1961. وذاع صيت مايا أنجيلو على إثر نشرها لمذكراتها في سنة 1969 تحت عنوان ?أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس? والتي تم تأليفها من سبعة أجزاء روت فيها سيرتها الذاتية وما عانته من سوء معاملة واضطهاد، في منطقة ديب ساوث في حقْبة الثلاثينيات. وقالت الشاعرة الأمريكية من أصل أفريقي ذات الإنتاج الأدبي الغزير والتي عملت بالتدريس وحصلت ثلاث مرات على جائزة الكلمة المنْطوقة في مهرجان جرامي أنها سعدت بالجوائز التي تلقتها وأكدّت أهمية الكتب والقراءة. وأوضحت أنجيلو أنها ترى ان القراءة تحظى بأهمية خاصة في عصر التكنولوجيا الذي تتوفر فيه كتب ناطقة ووسائل اتصال اجتماعي وهواتف ذكية. وأضافت ّ»أن تمسك كتابا في يدك وتقرأه بصوْت مرتفع بأسلوبك في الايقاع والمد يصبح الأمر أكثر واقعية. يصبح إحساسا بالخرافة حين يُقرأ لك.. لكنه يُصبح واقعا حين تقرأه أنت»? وبالإضافة الى ذكرياتها وقصائدها الشعرية نشرت أنجيلو مقالات وكُتُبا للأطفال وحتى كتبا عن الطهي لكنها كانت تقول أن الشعر هو المفضل لديها. ومن مقولاتها ?أحبّ الشعر. إنه يسيطر على كياني كله.? عن يومية «لوموندْ» بتصرف