{ أبو حفص: بعض الدعاة عليهم النزول من أبراجهم العاجية التي نصبوها لأنفسهم { محمد مشان: الشباب المتشدد والمتطرف شيخهم هو غوغل، ويوتوب وفيسبوك { سعيد جعفر: هناك بياضات في الإسلام والبعض لايتعامل مع الدين في عمقه بل مع تأويلات شخصية له في إطار تطبيق برنامجه السنوي، نظم الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش الأربعاء الماضي بمقر خزانة مرس السلطان ندوة فكرية في موضوع الخطاب الديني بين الاعتدال والتطرف قام بتسييرها الإعلامي محمد رامي رئيس القسم الاجتماعي بجريدة الاتحاد الاشتراكي. الندوة عرفت تقديم مداخلات الدكاترة: الاستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي والمعروف باسم ( أبو حفص ) وهو أحد شيوخ السلفية الجهادية الذي قضى 9 سنوات في الاعتقال بعد أحداث 16 ماي 2003 وحوكم ب 30 سنة سجنا، قبل أن يفرج عنه. الدكتور محمد مشان رئيس المجلس العلمي الفداء مرس السلطان، والدكتور سعيد جعفر باحث لدى عدد من مراكز الدراسات. وتناولت الورقة التقديمية للأستاذ محمد رامي أهمية موضوع الندوة، فالموضوع أصبح يطرح نفسه اليوم في المغرب بشكل يجعلنا نجزم بأنه في صلب اهتمامات الفقهاء والفاعلين السياسيين والجمعويين بشكل عام في صلب اهتمامات المجتمع، مضيفا أن الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش يعد ركيزة من ركائز العمل الجمعوي ببلادنا من منظور تقدمي فاعل ومتفاعل مع الاحداث بالمغرب وليس من منظور الفاعل السلبي. واستطرد قائلا أن تأثير الخطاب الديني المتشدد على المجتمع الذي هو نتاج لتعصب لا يرى أصحابه إلا صحة رأيهم وإن كانوا على خطا حيث يصل الأمر إلى حد التكفير عكس الخطاب الديني المعتدل قبل أن يخلص الى طرح الاشكالات الكبرى للموضوع: ما المقصود بالاعتدال والتطرف في الخطاب الديني؟ ما هي مظاهر هذين النقيضين، وهل حقا الخطاب الديني المعتدل يشكل منطلقا لحركية المجتمع ضمن المرتكزات الأساسية؟كيف يمكن مواجهة التعصب والتطرف في خطابنا الديني؟ كلمة الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش التي ألقاها عضو الجمعية زهير الكادي، ركزت على الغايات من تنظيم الندوة بعد أيام من الذكرى 11 لأحداث 16 ماي، فالجمعية تعد أول جمعية تأسست بعد هذه الأحداث على كافة الآراء والفعاليات والحساسيات لمناقشة مجمل القضايا الفكرية في إطار رصين وهادئ بعيدا عن كل أنواع التشجنات من أجل هدف واحد وهو التشجيع على الحوار والإيمان بالتعدد والاختلاف واحترام الغير صونا للمجتمع المغربي من آفة الغلو والتطرف والإرهاب، مؤكدة على أنها ضد كل أشكال التطرف مهما كانت مصادره وخصائصه، داعية إلى إبلاء أهمية كبرى للمقاربة الفكرية والانفتاح على شرائح واسعة من المجتمع لتوضيح العديد من المفاهيم وإجلاء الغموض عن مجموعة من الخطابات الغامضة التي نتيجة لسوء فهمها تترتب عواقب وخيمة. الاستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي أوضح بان هذه الندوة تأتي أياما قليلة بعد ذكرى حادث 16 ماي التي تشكل لكل المغاربة حزنا نازفا، فهي ذكرى مؤلمة وشديدة، من حق كل المغاربة أن يحزنوا ويأسوا على ما وقع ذلك اليوم، قائلا من حقنا ان نتضامن مع كل من سقطوا نتيجة لذلك الفعل، ونبّه إلى ان من تأذوا ليس الضحايا الذين سقطوا فقط وذويهم، او الشعب المغربي الذي مسّ في امنه وسلامته، وإنما كذلك من اعتقلوا ظلما وعدوانا في هذه الأحداث لان كثيرا منهم كان وما يزال من المعارضين لمثل هذه الأفعال الاجرامية التدميرية، ولا علاقة لهم بها. ثم انتقل إلى عرض تجربته الشخصية في المعتقل خلال السنوات التي قضاها بالسجن، مشددا على غيمانه بالنقد والنقد الذاتي، مشيرا إلى تفاصيل المراجعة التي قام بها، مؤكدا على ان مراجعة المواقف أمر محمود في جملته ولايمكن اعتباره تخاذلا ونكوصا، وأوضح بان المراجعة لاتشمل نبذ العنف لأانه ينبذ العنف أصلا ولم يسجل عليه تبني أي موقف يوما في هذا الاتجاه. وأشار على أن سنوات الاعتقال التي مكنت من الاطلاع على آلاف المراجع والاصدارات، تؤدي إلى مراجعات في الفكر العام وتغيير النظرة للمحيط، والخروج من الانغلاق على الذات والانعزالية والادعاء بامتلاك الحق، وبأن كل مخالف فهو باطل وادعاء الإطلاقية، سنوات تفتح الآفاق للنظر للامور بنسبية أكبر، وبالتالي الانفتاح التام على كل الأفكار دون تعصب لرأي معين يجعلك تحس براحة نفسية في الوقت الذي كان يسود فيه توتر رهيب مع كل مخالف للرأي، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين ان تكون واسع الصدر ورحبا في علاقتك بالآخرين مع المسلمين وغيرهم، وبين العكس من ذلك، داعيا بعض الدعاة إلى النزول من أبراجهم العاجية التي نصبوها لأنفسهم والتركيز على النصوص التي تؤسس لإسلام وسطي معتدل، مضيفا بالقول «أتحدث من داخل الدار عن الخطاب الديني لاني تربيت في بيئة ليست متطرفة ولكن شبيهة بالتفاصيل التي تطرقت إليها، وقد ابتليت بهذه المحنة العظيمة التي عرفتني على من يعتنق هذا الفكر المتطرف حقيقة كما وقفت على التطرف الذي ينشأ في وسائل الإعلام، وهناك آلاف المعتقلين لا شك بأن كثيرا منهم لاعلاقة لهم بأحداث 16 ماي، ولاعلاقة لهم بأي تيار إسلامي او غير إسلامي، حتى أن بعضهم لاعلاقة لهم بالدين أصلا. هناك صنف يستحق أقسى العقوبات لمواقفهم، وهؤلاء موجودون ومايزالون معتقلين وعددهم قليل جدا، ولايمثل النسبة الكبيرة ممن اعتقلوا في تلك الأحداث، وصنف لاعلاقة لهم بالأحداث والجرائم التي وقعت لكن لهم أفكار متشددة ومتطرفة لكن لم تترجم، كثير منهم قاموا بمراجعات فكرية، لم يرتكبوا جريمة فعلية وأعلنوا استعدادهم للاندماج في المجتمع». أبو حفص أضاف جوابا عن سؤال هل يوجد تطرف في المغرب داخل او خارج السجون؟ قائلا نعم هو موجود ولايمكن إنكار ذلك ولايمكن القول بأنه ليس هناك فكر متطرف وفكر متشدد يتنافى والخطاب الوسطي المعتدل الذي كان عليه الرسول ( ص ) وأصحابهن لكن يطرح سؤال بالمقابل حول ما الذي دفع هؤلاء الشباب للتلبس بمثل هذا التفكير، والخطاب الشرعي هو الكفيل باقناعهم عن العدول عن تلك الأفكار المتطرفة لان الإسلام دين التيسير والتبشير لا التنفير، ولنا نماذج كثيرة كيف كان يعامل الرسول ( ص ) المخطئين، دين بكثير من الترغيب وقليل من الترهيب، هذا هو التوازن المطلوب من الداعية، لان الشاب إذا لم يتلق إلا ما كان شديدا قويا ومنفّرا فسيتحول هذا الخطاب إلى سلوكات وأفعال وبالتالي الخطاب الديني يجب ان يرتكز على هذه السمات التي كانت في رسول البشرية، مشيرا إلى الخطاب الديني في بعض القنوات والمنابر له تأثير سلبي، والذي يساعد هؤلاء الشباب على اعتناق هذه الأفكار، وإلى أسباب أخرى لاتقتصر على الخطاب الديني لوحده، مشددا على أنه عندما ننادي بالاعتدال فمن الظلم أن نركز على الخطاب الديني فحسب، مضيفا بان الهوة العميقة بين الشباب وبين العلماء والدعاة لله هي أحد أسباب تطرف هؤلاء الشباب، الذين أضحى الانترنيت هو المؤطر لهم مخاطبة الشباب من البروج العاجية يضعف الثقة. الدكتور محمد مشان أكد على أن اتساع الهوة والفجوة بين العلماء والشباب هو من أسباب تشكيل هذا الفكر المتطرف الذي يعمل على غسل الأدمغة وقطع الصلة مع المجتمعات وعلى رأسهم العلماء، مشيرا على أن طائفة الشباب المتشدد والمتطرف تزعم لنفسها العلم، ويكفرون الناس بحديث واحد قرأوه، والحال أن العلم يتطلب مشوارا طويلا وهم يسعون لتطبيق نظرية كيف تصبح مفتيا في 5 أيام، مضيفا بأن هذه الفئة من الشباب تريد التصدر دون تلقي العلم، والحال انه لايمكن أن تفتي وتصبح عالما دون تلقي العلم على يد العلماء، شيخهم هو غوغل، ويوتوب وفايسبوك، مؤكدا على أن المشكلة تمكن في أن عقدة المغربي هي المشرقي، وبالتالي انبطاح حضاري مع الغرب وكذلك مع الشرق، مقرّا بالمقابل بان المشارقة منهم من له علم ولكن المغاربة كذلك لهم حظهم بل أنهم درسوا ويدرسون المشارقة لكن المشكل أننا مبهورون. مشانا وضح بان هذه العينة من الشباب المتشدد تحث فقط عمن تعتبره عالما لكونه يسبّ الدولة ويصيح ويقوم بالتهييج، وبالتالي في نظرهم هذا هو العالم الذي يجب الاستماع إليه، والحال أن العالم من يتكلم بالأدلة الشرعية وبهدوء فالتهييج لاينتج إلا فئة مشحونة، مشددا على أن الإسلام كالماء لا لون ولاطعم له ولاحياة بدونه، مضيفا بأنه ليس لدينا علماء السلطان وعلماء الشعب ولكن علماء يفتون بالأدلة الشرعية او عكسهم، وبالتالي فإن من يتحدثون بالدين هم يتكلمون كلاما باسمهم وبفهمهم ولايجب ان ينسبوه إلى الخالق عز وجل. وفي السياق ذاته شدد رئيس المجلس العلمي المحلي للفداء مرس السلطان على أنه لكي تكون عالما يجب دراسة اللغة، الفقه الأصول ... الخ، وهو مسار يجب المرور به، مشددا على أن الاجتهاد يكون بالمؤهلات وليس المتطفلون والدخلاء إذ كل من هبّ ودرج يريد أن يصبح داعية، مستدلا بحديث الرسول ( ص ) «دخلت امرأة النار بسبب هرة»، متسائلا من خلاله بالقول «فما بالك بمن يقتل الناس ويدعو إلى ذلك»، مضيفا بان الإسلام رائع والمشكل في فهمنا له، داعيا إلى ما أسماه باكتشاف قارة القرءان والسنة للفهم عوض القراءة فقط. من جهته الدكتور سعيد جعفر تطرق للمقياس لقياس مدى سماحة الإسلام وعدم غلوه، وأكد على ضرورة التمييز بين الإسلام كمنظومة نظرية متكاملة وبين تطبيقات شخصية، مضيفا من خلال مجموعة من التساؤلات الفلسفية بان هناك بياضات في الإسلام وأن البعض لايتعامل مع الدين في عمقه بل مع تأويلات شخصية للدين، فأسباب نزول الإسلام بغاية توحيد الخالق والقطع مع سلوكات غير أخلاقية يضيف المتدخل. وتساءل المتدخل إن كان هناك الحديث عن إسلام واحد ام إسلامات؟ مشيرا إلى تأويلات الفرق والمذاهب والجماعات والتنظيمات للإسلام الواحد حتى أضحى الجميع أمام فسيفساء للإسلامات، مثل الإسلام المعتدل الوسطي، الإسلام السلفي، الإسلام الجهادي، الاسلام الوهابي، الإسلام الانواري. كما تطرق للمقصود بحرية المعتقد وإلى محطات تاريخية تعددت فيها القرءات للاسلام، وبالموازاة مع ذلك وقف عند مصادقة المغرب على مجموعة من الحقوق الكونية ودعا إلى تشجيع الفكر العقلاني والنقدي كصمام امان ضد كل أشكال التطرف والعنف.