هناك أناس وأنت تمشي بمحاذاتهم، تشعر أن المسافة الفاصلة بينكم ليست مجرد مجرى هواء ساذج، بل محتمل كتابة: هي محتمل عبارة، محتمل استعارة... محتمل فكرة أو محتمل قرار. إنهم ناس في مقام كتابة مزمن، معهم يأخذنا السياق إلى واجب ما: واجب إكمال الجزء الناقص. يجلس الشاعر وأول ما يفعله يتحسس لحيته، يدع عينيه من خلف النظارتين خلسة تكشف على أشكال، أوضاع وتضاريس الجالسين والأشياء... يحرق سيجارة، ويطرح، أول ما يطرح، الصمتَ. لكنن هل يتكلم الرجل حين يتكلم، وهل يصمت حين يصمت؟ يستغرق الأمر كل المسافات. لم يعد الكائن يحمل إلينا كينونته بل كونه. كونه الذي يظل على أهبة ما: كأن يستأذن مبتعدا للرد على مكالمة ولا يعود، ليس إثرَ خبر الهاتف، بل في أثر كلام أقل. أقاسم، صديقي الشاعر، مائدة في مكان طلق أو في مكان مدخنة... لا فرق، أبدا أستشعره على أهبة ما؛ أهبة سفر بين عناوين، بين تعاليق، بين أسئلة، أو فقط إلى صموت. أسأل الشاعر عن نضير « لا شيء أو تقريبا «... عن نظير « كل شيء تماما «... ثم لم لا تؤجج، صديقي الشاعر، الشيءَ إلى أقصى النضج وتجرب « اللاشيء «؛ حيث الخوف والطمأنينة يحوزان عاطفة الوجود... اللاشيء الذي تُعرّش على حواشيه كل الأشياء. تعرف، أعرف، مثلما يصير المناضل من أجل الحياة مناضلا ضد الموات بالضرورة، يلتهم الشاعر كل شيء ليبلغ ذاك اللاشيء. مثل ذاك اللاشيء الذي رافق أمرؤ القيس أو ابن سبعين او المجاطي رغم كل الامتلاءات. أو الذي رافق جورج طراكل حتى بعد موته، أو ذاك اللاشيء الذي عصّب يانيس ريدسوس قبل رشده حتى، أو مثل هذا اللاشيء الرهيف الذي يتسوله بليز سانرار من حبيبته: قلت ستراسليني لا ترقني كل شيء على الآلة أضيفي بيدك سطرا، كلمة... أصيفي لا شيء... أراك صديقي، الهيأة منك تسبق منطوقك ومكتوبك... أراك تتقدم في يد تحكم على « اللاشيء «، منها تستمد نضارة عشقك الخاص، وفي الأخرى ما تهش به كواسر الا]ام. أراك تداري عشقك للاشيء عن صباح... عن صباح النهار الموالي ببراهين أشياء مبيدة. أراك تغدق الصبر. تتفقد يد اللاشيء تربى وتُعشب هزوا، شفيعك عند قاهر الأحلام الأعظم: اليومي. وأنتظر ( قد أكون وحدي أنتظر ) أنتظر أن يأتي يوم وتنقع اليدَ الأخرى في مجاز الردة الحاذق، وتتفرغ لتخصيب، فسائل « اللاشيء «.