عرفت المدينة في السنوات الأخيرة عملية إعدام آلاف الأشجار المتنوعة والنافعة وعاش سكانها مرارة اقتلاعها ، إذ يعود عمرها لعدة أجيال خلت كما أنها كانت تمثل لهم رمز الصفاء والهواء النقي ، وذلك بفعل المخربين أعداء البيئة والبناء العشوائي و بعض الجمعيات السكنية ، وكذلك بحجة عملية إعادة تأهيل المدينة ، العملية التي خصص لها مبلغ مالي ضخم توهم جل المواطنين بأنه سيستفيد منه جميع ساكنة المنطقة ماديا ومعنويا بتشغيل شباب المنطقة المعطل وإنشاء فضاءات سياحية وترفيهية وتربوية تستفيد منه المدينة اقتصاديا واجتماعيا لعقود قادمة، وتدخل بذلك في عملية التنمية البشرية الوهمية باستغلال أشجار المدينة والغابات المحيطة بها والحفاظ على الحزام الأخضر ، لكن العكس والنقيض كان العنوان المركزي لتلك العملية . فقد تضرر الجميع وعملية ما سمي بتأهيل المدينة لم تفد المواطنين بشيء، بل شوهت جل معالم المدينة واستفاد منها مقاولون لا ينتمون للمنطقة وجل من شغل فيها ليسوا من أهلها ، كما اعتقد الجميع أن إعدام الأشجار باقتلاعها بجذورها قد توقف بشكل نهائي مع توقف عملية التأهيل التي لا ندري هل انتهت أم أن هناك شطرا آخر ينتظر مسؤولين جددا ، واليوم يستغرب ويتساءل من لهم حس بيئي وغيرة عن المنطقة ومستقبلها الذي يبدو بوضوح أنه مظلم لماذا تستمر عملية إعدام أشجار المدينة منها النادرة والمثمرة والتي تتطلب عشرات السنين حتى تنمو ، هذا إن غرست الآن؟ ومن يبيح هذا الإعدام في وضح النهار دون أن يحرك أحد لسانا أو قلما ليستنكر ما يقع من عملية تصحر فعلية سببها كل من تعاقب من المسؤولين من السلطة المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية ؟ومن أعضاء بالمجلس البلدي أو ممثل برلماني الذين هم في الحقيقة لا يمثلون سوى مصالحهم الخالصة . لقد جعلوا المدينة أسوأ مما يمكن وصفه وتصوره من خراب وتدمير خصوصا في العشر سنوات الأخيرة ، ونختصر عملية إعدام الأشجار بواقعتين : الأولى إحداث تجزئة سكنية بشارع بئر أنزران طريق وجدة حيث تتم عملية إبادة جماعية لجزء من غابة المدينة تدخل في نطاق الحزام الأخضر أو «المغرب الأخضر» الذي تتم عملية التسويق له متى أراد المسؤولون ذلك حسب أنواع المناسبات . نشير ونذكر من خانته الذاكرة من المسؤولين وأعضاء المجلس القدامى الجدد أنه في سنة 2003 صوت مجلس المدينة لصالح تفويت جزء من الغابة لصالح التجزئة السكنية ب13 صوتا مع التفويت و12 صوتا ضده .وقد راسلنا أنذاك عن طريق جريدة الإتحاد الاشتراكي بمقال بتاريخ 16/ 12/ 2003 العدد 7431 الوزير المكلف بالبيئة بسؤال : بأي حق يريد المجلس البلدي إعدام الغابة ؟ وفعلا حسب المعلومات وتصريحات بعض المستشارين بالمجلس حينها ، تم العدول عن التفويت وأغلق الملف .لكن بقي هناك من يتربص بالمكان .وبعد مرور عدة سنوات وبعد تولي مسؤول إقليمي مهمة الوصاية عن الإقليم ، , تمكن المتربصون من الظفر بالمكان بطريقة غير واضحة وغير معلنة للجمهور وبمجرد أن أعلن عن قرب رحيل ذلك المسؤول الإقليمي حتى تمت عملية التفويت بالجملة لمساحات شاسعة من أراضي الدولة بالوصاية حسب أقوال بعض المستشارين لأشخاص وما سمي بجمعيات سكنية ، التي لم يستفد منها لحد الآن سوى ذوي النفوذ والنقود والجود !! فحسب العارفين بكواليس بعض الجمعيات السكنية ، فبمجرد أن أعلن عن التفويت حتى تمت عملية إعادة بيع المستفيدين أرقام بقع أرضية غير موجودة ، أي قبل بدء أشغال التجهيز منهم عدد من ممثلي الشعب بالمجلس , وبعض من السلطة لترتفع الأثمان أضعافا مضاعفة ، وحسب البعض فإنها لا تزال غير قانونية لأن الإجراءات الإدارية غير مكتملة .وللوزارة الوصية دورها لمعرفة الحقيقة هذا إن أرادت معرفتها !! والواقعة الثانية إعدام أزيد من عشرين شجرة بساحة صغيرة وسط المدينة تحيط بها مصلحة الوقاية المدنية ومصلحة الماء الصالح للشرب ومقر مكاتب شيوخ بعض أحياء المدينة ومقر غرفة جثث الأموات ومدرسة ابتدائية ، كانت تلك الأشجار بظلها الشاسع رحمة للمواطنين المنتظرين قضاء مصالحهم الإدارية أو إمضاء وقت الفراغ خصوصا في شهر رمضان الكريم أو انتظار أولياء التلاميذ وقت الدخول للمدرسة أو الخروج منها ، وكذلك مكانا لكل من أراد الاستراحة قليلا بالمكان ، هذا بالإضافة إلى مئات الطيور والعصافير المتنوعة التي كانت تتخذ من تلك الأشجار مكانا آمنا لبناء أعشاشها والعيش عليها بسلام ، زيادة لما للأشجار من دور أساسي للحفاظ على التوازن البيئي ومحاربة التلوث وما تذره من هواء صافٍ يتجدد كل صباح . لكن للأسف تبخرت كل تلك الإيجابيات عند الصباح حيث فوجئنا بعملية اقتلاع لتلك الأشجار .وقد ساءلنا بعض المستشارين عن السبب وبعض من لهم دراية بالموضوع ، فكان الجواب مضحكا ويدعو للاشمئزاز فمنهم من لم يسمع بالخبر ، ومنهم من حمل المسؤولية للسلطة المحلية بدعوى مشروع إحداث حديقة بالمكان وهل توجد حدائق بدون أشجار !!؟ وهناك من عزز الإعدام بحجة أن تلك الأشجار تشكل خطرا على المارة !! أما الجواب الشافي فجاء على لسان مستشارين إذ أكدا أنه في ظل مجلس «ميت» فإن مصالح المدينة يحكمها التسيب والفوضى وسوء التخطيط وانعدام المسؤولية .وأنه في الحقيقة لا وجود للمجلس وكان لازما أن يحل منذ سنوات ، أما ما خفي فأعظم ...... إننا نعيش الموت البطيء والإعدام الممنهج للغابة وأشجار المدينة ، وسيختفي الأخضر والظل وتحل مكانه الجدران والإسمنت المسلح ، هذا إن قدر ذلك في المستقبل وأصبحت تلك البقع حية بالسكان إن تمت عملية بناء منازل . لأن الوقائع تشير إلى أنه لا مستقبل لا في الزمن القريب ولا البعيد لعدد من التجزئات السكنية لأنه في جملة واحدة : لا مستقبل للمنطقة في ظل مجالس شبه ميتة واستمرار التدمير والخراب للبيئة واقتلاع للغابة رئة المنطقة الرئيسية . ونتساءل : هل انعدمت المسؤولية والحس الوطني والغيرة عند بعض المسؤولين سلطة ومستشارين !!؟؟ إن ما أصبح اليوم يخيف المواطنين هو هذا السكوت التام والشلل الذي أصاب المسؤولين بالوزارة الوصية على أراضي ما يسمونها أراضي عرشية وبالمياه والغابات بالمدينة والإقليم والجهة التي سمحت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالإعدام الجماعي لأشجار هي زينة المنطقة منذ أجيال خلت ، وما سوف يقع من إعدام لأشجار أخرى في المستقبل القريب إن بقيت السلطة المركزية غير مهتمة بما يقع من تسيب بالإقليم ونسأل مصلحة المياه والغابات الموجودة بقلب المدينة عن المبررات الحقيقية للإبادة الجماعية للأشجار ؟ . إن المواطنين يعتبرون منهم الموجودون ببلاد المهجر أن هناك ربما تواطؤا قد يؤدي لتصحر مساحات غابوية شاسعة بعناوين أخرى أو مماثلة لتصبح المدينة مستقبلا شبحا يطارد السكان . وهنا نشير بالخصوص ونركز على التخوف الكبير من الأخبار التي يؤكدها بعض المستشارين عن عملية تفويت أرض المصلى لإحدى الجمعيات ، وأنه ينتظر فقط أن تهدأ الأجواء والأصوات المستنكرة للعملية وإتمام اللمسات الأخيرة ليعلن على الملأ الخبر المشؤوم .وبذلك ستكون العملية سببا لهجرة الحمام والعصافير وكل الطيور التي تعيش بغابة المصلى جراء الإعدام الكلي الذي ينتظر جزءا كبيرا من الغابة واقتلاع سلسلة كبيرة من الحزام الأخضر ، مما يستوجب إيجاد مكان بديل لإقامة صلاة العيدين .ونسأل إن صح خبر التفويت عن المعايير المتبعة لهذا التفويت ؟ وبأي حق تم ؟ ولماذا لم تتحمل الوزارة الوصية عناء تقصي الحقائق ، وتقوم بدراسة معمقة لعدد من الجمعيات السكنية لتقف على حقيقة هل نحن في حاجة لها ؟ ودراسة لعدد السكان وعدد البقع الأرضية الموجودة حاليا وغير مبنية ؟ أم أن الأمر ليس سوى طريقة لاغتناء البعض على حساب مستقبل الكل ؟ إن المواطنين متمسكون بغابات وأشجار المنطقة ، وكل ما هو أخضر وخصوصا غابة مصلى المدينة الذي تشكل أشجارها جزءا من رئة المنطقة ، ومتمسكون بمصلى المدينة لما تمثله من رمز للقاء والإخاء .ومن يدري قد يفجر هذا التفويت ما لا يخطر بالحسبان !!!........ إنه نداء للمسؤولين عن البيئة وأراضي الدولة بالوطن ،ولكل من يعنيه مستقبل المنطقة من أجل وضع حد لما تعرفه من إخلال للتوازن البيئي ، وحماية لما تبقى من أشجار المدينة وإعادة غرس كل المساحات التي اقتلعت أشجارها خصوصا منها النادرة ، وحماية أراضي الدولة من سماسرة العقار ، لتجد الأجيال القادمة أراضي تبني عليها مستقبلها ، ومحاسبة كل المتسببين في ذلك كيف ما كان وزنهم واسترجاع كل ما نهب من أراضي الشعب ، لكي يعود قطار ما يسمى التنمية إلى سكته الحقيقية ، لأنه حسب بعض ممثلي السكان لن تبقى أرض لبناء أي مؤسسة عمومية في المستقبل القريب إن استمر الوضع على ما هو عليه ؟ !