أقدم أستاذ شاب لمادة اللغة الإنجليزية بالغربية في بداية أبريل الماضي على الانتحار لأسباب مرتبطة بالضغط النفسي, حسب ما توفر من معطيات حينها, غير أن الإحاطة بالظروف المرتبطة بالحادث و تحليلها تؤكد ضرورة و راهنية طرح أسئلة كبرى تتجاوز النازلة في حدودها الضيقة و تدفع لإثارة المسكوت عنه داخل منظومة التربية و تضع في الواجهة موضوع الأمراض المهنية و تدبير نظام الرخص لأسباب صحية و ظروف العمل و شروطه المادية و المعنوية على اعتبار أن الأستاذ (ع.ز) أقدم على الانتحار في اليوم الأخير من إجازته المرضية بعد أن «استفاد» من رخصة لمدة عشرين يوما بموجب شهادة طبية تبين حاجته للتوقف عن العمل من أجل العلاج و السبب مرض نفسي .خضع الأستاذ داخل مدة الرخصة للفحص المضاد بإعمال مقتضيات تدبير الرخص و حرر الطبيب (اللجنة الطبية) تقريرا من المفترض أن يكون قد تم توجيهه داخل ظرف مختوم و مغلق إلى مصالح النيابة الإقليمية بسيدي بنور .و باستطلاع بسيط تبين من خلال إفادات اساتذة مقربين من الهالك أنه كان يخشى استئناف العمل و تزايد حدة الاكتئاب لديه باقتراب نهاية مدة الرخصة و أن المعني بالأمر و ذويه تفادوا تقديم شهادة طبية بمدة أطول لتجنب تأثيرها على وضعيته الإدارية و الحال أن الوضع الصحي للأستاذ كان يستلزم رخصة أطول و الخضوع لعلاج حقيقي لا يتحقق إلا من خلال رخصة متوسطة أو طويلة الأمد بالنظر لحدة المرض و تأثيره على أداء الأستاذ و تأثير العمل و مساهمته في تفاقم وضعه. الإشكال المطروح قانوني و مسطري و تدبيري بالنظر إلى أن مسطرة الاستفادة من الرخص متوسطة أو طويلة الأمد تلزم المستفيد بالإدلاء بشهادة طبية تثبت الاستشفاء النهائي و باعتبار العرض على اللجنة الطبية المكلفة بالفحص المضاد يقتضي فحصا حقيقيا و ليس روتينيا أو صوريا و يقتضي رفع تقرير مفصل و مهني لمصالح النيابة الإقليمية و حيث أن الشهادة الطبية تعود لطبيب نفساني من الواجب على إدارة المؤسسة التعليمية أن ترفقها بملاحظات تعتمد المخالطة اليومية للمعني بالأمر و ترتكز على معرفة عن قرب بأحواله و وضعيته و تستلزم حرصا و حذرا شديدين لحماية شخص الأستاذ أولا و تلاميذه من أي تصرف خارج إرادته و نستحضر هنا حالات متعددة لحوادث مدرسية مرتبطة بهذه الأسباب(حالة أستاذة بالبيضاء رمت تلميذة من الطابق الثاني لمدرسة ابتدائية) هذه النازلة و مثلها كثير يجب أن تطرح اليوم و بحدة أوضاع الشغيلة التعليمية و ظروف العمل المزرية التي تؤدي إلى الإصابة بمثل هذه الأمراض من الاكتظاظ إلى تباعد الأزواج و تشتت الأسر إلى تعيين نساء في مقتبل العمر بمؤسسات نائية و معزولة هي أقرب إلى منافي و غيتوهات منها إلى مدارس لا يغادرها العاملون بها إلا محملين بشتى أنواع الأمراض و مسبباتها .يطرح أيضا سؤال الوضع الاعتباري للمدرس داخل المجتمع و الذي عرف تدنيا غير مسبوق بفعل الضرب الممنهج لمكانة المدرس و لما يحمله من أدوات و مشاريع تهدد استمرار المستفيدين من الأوضاع الحالية للشعب المغربي و على رأسها ظاهرة الأمية يضاف لهذا تنامي مظاهر العنف الموجه لأسرة التعليم و الحيف و الشطط في استعمال السلطة و عدم تكافؤ الفرص. و نحن بصدد فتح نقاش واسع حول المدرسة المغربية لا يجب أن نفوت هذه الفرصة لطرح ملف الأمراض المهنية و التي تتبرم الوزارة و معها الحكومة من تحديد لائحتها و العمل على استخراج نصوص خاصة للتعامل معها و الاعتراف بها.