في غياب العمال الذين تعمدوا «الغياب» بشكل مفاجئ، نفذت عدة هيئات محلية وقفتها الاحتجاجية بمريرت، بعد زوال يوم السبت 22 مارس 2014، تنديدا بفاجعة مقتل عاملين وإصابة 11 أخرين بجروح متفاوتة الخطورة، إثر سقوط مصعد أرضي. ولم يستبعد أحد المنظمين أن يكون وراء «غياب» العمال عن الوقفة ضغوطا من جانب إدارة الشركة المنجمية أو من يدور في فلكها، إذ عرفت هذه الشركة كيف تسابق الساعة وتخرج على العمال بخطاب الاستجابة لمطالبهم، بشرط إنهاء الحداد على المأساة واستئناف العمل. ووفق مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، فقد سبق لمسؤولين نقابيين بالمناجم المذكورة أن قرروا، في اجتماع استثنائي، عدم استئناف العمل إلى حين تحقيق مطالب العمال، ومنها أساسا توفير شروط السلامة بمناجم إغرم أوسار وسيدي احمد واحمد، ومعاقبة كل من ثبت تورطه في الحادث المأساوي، مع طرد أحد المقاولين بالمناولة لمسؤوليته وراء الوضعية غير القانونية لعدد من المياومين، إلى جانب التقني الذي تكلف بمعالجة المصعد قبل أيام قليلة من المأساة، ثم المسؤول عن استعمال المعدات المهترئة، ومتقاعدين أعادتهما الإدارة للاشتغال في الميكانيك وورشة للعمل، ذلك قبل أن يخرج عليهم نفس المسؤولين النقابيين بقرار «تعليق الإضراب»، واستئناف العمل على أساس أن إدارة الشركة قبلت بتلبية المطالب المطروحة، وكأن شيئا لم يكن أو لم يعد مهما الحديث عن العمال الذين تعجنت أجسادهم المبللة بالعرق والتّراب والمعدن. العودة إلى العمل بتلك السهولة رأى فيها عدد كبير من المتتبعين عودة إلى «الموت»، وحجة ملموسة على استهتار الشركة المنجمية بالأرواح مقابل تحقيق ما تصبو إليه من نسبة الإنتاج، وتحقيق في الأرباح على حساب حقوق العمال وأوضاعهم المادية والصّحية، حتى أن السلطات المعنية تفضل موقف «التغاضي» كعادتها رغم أن لجن التحقيق تكون قد سجلت ما يثبت «الإدانة» ووقفت على افتقار المناجم المعنية إلى شروط السلامة والوقاية. والأدهى أن المصحات التي نقل إليها جرحى «حادث منجم إغرم أوسار» أخذت في إخلاء أسِرَّتها من هؤلاء الجرحى رغم ظروفهم الصحية المؤلمة، ولم يستبعد الملاحظون أن تكون وراء الفعل أوامر من إدارة الشركة المنجمية. وسبق لمصادر «الاتحاد الاشتراكي» تأكيد نبأ قيام وزارة الطاقة والمعادن والماء، خلال الأسبوع الماضي، بإيفاد لجنة من العيار المسؤول إلى مناجم عوام للتحقيق والتحري الميداني في حادث منجم إغرم أوسار ومكامن الخلل والأسباب، وعقدت لقاءات مع مسؤولي المنجم وممثلي العمال. ولم يفت هذه الوزارة التأكيد في بلاغ لها على أنها ستطلع الرأي العام على نتائج التحقيق فور إنهاء اللجنة مهامها. وإلى حدود الساعة لا تزال نتائج الوزارة في غياهب الصمت، مع الإشارة إلى أن عدة مصادر عمالية كشفت عما يفيد أن إدارة الشركة المنجمية عمدت إلى استقبال المحققين ب «تغيير» و»تجديد» المصعد «الكاجيتا» مكان الذي هوى بالعمال الضحايا، وذلك في محاولة منها ل»محو آثار الجريمة وضعف التّأْطير التقني» على حد لسان أحد المعلقين. وبعد تشييع جثماني الضحيتين شدد فاعلون محليون على ضرورة فتح تحقيق قضائي وجنائي في المأساة، بينما نبهت عدة فعاليات بمريرت إلى عدم مسايرة المغالطات التي يحاول بها البعض إخفاء الحقائق وإرضاء الشركة المنجمية، في إشارة إلى ما تناقلته المواقع الالكترونية على لسان أحد المسؤولين الذي حاول اتهام أحد العمال بالتقصير والإهمال في عدم ضغطه على فرامل المصعد في الوقت المناسب، وهو ما تم التصريح به للقناة الثانية، مع العلم أن العامل المتهم كثيرا ما نبه إدارة الشركة إلى الحالة الميكانيكية المتردية للمصعد دون جدوى، حتى أن العامل المتهم زاد فأكد عدم سلامة مكابح المصعد. ويشار إلى أن القناة الثانية لم تسلم من انتقادات الشارع العام بمريرت على خلفية الطريقة التي تعاملت بها مع الحادث، والتي وُصفت بالشكل المنحاز ل «الباطرونا»، بدءا من تصريح المسؤولين، إلى مغالطات معلقة الخبر التي قالت إن مناجم عوام لم تعرف حادثا مماثلا منذ السبعينيات، مع أن هذه المناجم سجلت عدة وفيات وإعاقات وعاهات مستديمة وسبق ل «الاتحاد الاشتراكي» أن تناولت أكثر من مرة موضوع الأوضاع المأساوية والحوادث المؤلمة والضغوط النفسية والمعنوية التي يشتغل فيها عمال مناجم عوام بإغرم أوسار وسيدي احمد واحمد، وعددهم يتجاوز ال 600 عاملا، حيث يشكون من انعدام كامل الحقوق والشروط المعنية بالصحة والسلامة والتأمين الاجتماعي، مع استمرار تشغيلهم بأجور مخجلة لا تتناسب وظروف الاستغلال أو تساير بنود المقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل وقانون العمل بالمناجم والاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية.