(برادة): كبيرنا الذي علمنا السحر، وفتح في الجدار الصلد لهويتنا العتيقة نوافذ على الحداثة، وعلمنا كيف نتذوّق الجمال في غين اللغة والحلاوة في حاء الحياة. تعرّفتُ على الأستاذ محمد برادة في أواخر ستينيات القرن الماضي. كنتُ طالبا وكان أستاذا: واحدا من ثُلّة من الأساتذة الشبان الذين كانوا يبدون كالطلاب أمام الأساتذة الشيوخ، ليس في السن فقط، بل كذلك في اللباس وفي الحديث وفي طرق التدريس وفي رفع الكلفة مع الطلبة. (برادة/ المجاطي/ المنيعي/ السولامي/ اليابوري/ السرغيني...): ميليشيا فكرية وأدبية أحدثت تخريبا هائلا في عقولنا المتكلسة، وبدل أن تدفعنا إلى الحفظ، وحفظ الحكم والأخلاق والنصوص القديمة، دفعتنا إلى حب الحياة وحب الكلمة المعبرة عن هذه الحياة، وإبداع هذه الكلمة. الأغلبية الساحقة من فوجنا أصبحوا مبدعين: شعراء وقصاصين وروائيين ومسرحيين ونقادا.. وأصبحوا قبل ذلك وبعده ومعه نهمين للجمال حيث كان: أدبا وتشكيلا وسينما وموسيقى... وأصبحوا وأضحوا وأمسوا مع ذلك كله أصدقاء حميمين لأساتذتهم الشبان. في بيت الأستاذ برادة تعرفتُ على كتّاب مغاربة وعرب أحبهم، ومن يده ذقتُ نصوصا جميلة أحببتُها، فلم يكن يقرأ كتابا يعجبه إلا سارع بتذويقنا إياه. حاورته وناقشته وراسلته واتفقت معه واختلفت... وبقي دائما هو هو في نفسي ووجداني (سي محمد): أحلى الأسماء وأجمل الابتسامات ورمز الحقبة التي ننتمي إليها. لم نكن نحن طلبتَه الذين نبحث عنه ونسأل، بل كان هو الذي يبحث عنا ويوصي بنا ويتابع كتاباتنا ويفرح إذا صادف أن كتبنا شيئا جميلا، ويكتب عنه وينوّه به. على أنه لم يعلمنا الأدب والحداثة وتذوق الجمال فقط، بل علمنا كذلك، أو علمنا بذلك حب وطننا وشعبنا، وخدمتهما بصبر ودأب، وبثقة وتفان.. دون انتظار لجزاء أو انتهاز لمصلحة أو اغتنام لفرصة. في قلب الأدب.. في قلب الحداثة.. في قلب النضال.. في قلب العصر.. كنتَ دائما يا سيدي وما زلت لا زلت. وأيضا يا سيدي في قلوبنا كنت وما زلت ولن تزول. حفظك الله وأطال عمرك وأبقاك لبلدك وأهله وثقافته.. ولنا.