«سرير الأسرار» ، هو عنوان الفيلم الجديد للمخرج جيلالي فرحاتي . والفيلم مقتبس من عمل روائي للكاتب البشير الدامون. وقد دامت عملية تصوير الفيلم خمسة أسابيع، اختار جيلالي فرحاتي أن يصور وقائعها مابين تطوان وسينما «الريف» بمرتيل.. وقد شارك في هذا العمل مجموعة من الممثلين والممثلات منهم : فاطمة الزهراء بناصر، غيثة بن الخدير، ماجدولين الإدريسي، فاطمة الزهراء هراندي (راويا). و تدور أحداث فيلم «سرير الأسرار» حول فتاة مجهولة الاسم والوالدين، لقيطة، وجدت مدسوسة بين القبور في عتمة الليل، واحتضنتها واحدة من بغايا قريتها «الزاهية»، و عاشت الفتاة في «المنزل الكبير» مع أمها زاهية، وكان المنزل مدرسة داخلية، وتحوّل إلى بيت دعارة أدارته زاهية بيد من حديد، كما كانت تدير الحي كله، عُرفت الفتاة الصغيرة بابنة زاهية «الساقطة»، تكتشف المرأة هويتها الحقيقية من الجيران، وذلك في اليوم نفسه الذي تختار أمها أن تخبرها كل شيء، وتتابع تعليمها وتجد في الدراسة ظالتها وشفاءها النفسي .. وفيلم «سرير الأسرار» مقتبس عن عمل روائي للكاتب المغربي بشير الدامون صدر سنة 2008 ، ولقي ترحيبا في الاوساط الادبية والنقدية المغربية كأول عمل واعد للمؤلف ،واتبعه بصدور عمل جديد له خلال سنة 2011 بعنوان «ارض المدامع» ،ويعد العملين مرتبطين في سياق السرد بنفس الشخصية التي تدور اطوارها بمدينة تطوان كفضاء للحكي وهي مدينة المؤلف . ومن تفاصيل هذا المشروع السينمائي الجديد لجيلالي فرحاتي ، نستحضر معه تفاصيل النهج السينمائي الذي رسمه لنفسه منذ أن أخرج فيلمه الروائي الطويل «جرح في الحائط» سنة 1978، حيث تميزت أعماله بالكثير من العمق والاشتغال على مجموعة من المعطيات الجمالية والفنية التي أصبحت من الثوابت في إنتاجات السينما المغربية، ومنها بشكل عام التركيز على الجوانب الإخراجية وإفساح المجال للكاميرا والدقة في اختيار مواقع .. وإذا كان جيلالي فرحاتي، دائما، حريصا في اختيار مواضيعه السينمائية، وفي توظيف معارفه من مجالات الأدبية التي تتنوع مابين السوسيولوجيا إلى الشعر باللغة الفرنسية وممارسته للتمثيل قبل أن يلج عوالم الإخراج بتراكم معرفي فني مكنه من صناعة أفلام أكثر حرفية وواقعية، حيث وقع على مجموعة من الأفلام التي تطرقت إلى مواضيع إنسانية واجتماعية، وهي كالتالي : «جرح في الحائط» سنة 1978، «عرائس من قصب» سنة 1981، «شاطئ الأطفال الضائعين» سنة 1991، «خيول الحظ» سنة 1995، «ضفائر» سنة 2000، ثم «ذاكرة معتقلة» و «عند الفجر».. فقد أثبت فرحاتي في مراحل كثيرة من مشواره السينمائي أنه كان أكثر دقة في اختيار مواضيع أفلامه، وهذا يتبين من خلال إصراره على كتابة وإخراج أفلام أكثر التصاقا باليومي المغربي بعيدا عن الرمزية .. مع الرغبة في فتح نوافذ على فضاءات أكثر فلسفية ترتبط في معظمها بلحظات التفكير والتركيز في الواقع ومحاولة قراءته من غير مجاراته أو الدخول في متاهاته.. بين فرحاتي وطنجة، حكاية عشق لا تنتهي، وتواطؤ صامت حول الإبداع والإمتاع، ففرحاتي ابن مدينة طنجة منذ ولادته بها سنة 1948، اختار العودة إليها والخضوع لسحر المدينة وسطوتها على المبدعين. في هذا الصدد، قال حميد العيدوني عنه في مناسبة ثقافية سابقة «لكي تكون مبدعا في مدينة طنجة ، يجب أن تسكنك مدينة طنجة، وجيلالي منارة فنية وسينمائية المدينة». هكذا يتبين مع السنوات التي تفصل بين كل أعمال المخرج جيلالي فرحاتي إلى أن الرجل لا يطمح إلى التواجد سنويا في المهرجانات السينمائية ، بقدر ما يترجى إعادة تشكيل متخيل مغربي جديد يتماشى مع المعنى الحقيقي للسينما الذي يختزله في الفرجة والجمالية . نتمنى أن يجده في «سرير الأسرار» .