سنة 1942، افتتح الملك، المغفور له محمد الخامس، الثانوية الملكية بالرباط، ليلتحق بها الأميران الراحلان، مولاي الحسن - المستوى السادس- ومولاي عبد الله - القسم الإعدادي,إلى جانب بعض أبناء الأعيان الذين كانوا يدرسون مع الأمراء، كان يتم اختيار خيرة تلاميذ البلاد كذلك للدراسة بالثانوية الملكية. حافظ الملك الراحل، الحسن الثاني، على النهج نفسه، فدرس إلى جانب سيدي محمد، الأمير آنذاك، أحد عشرة تلميذا: أربعة من أبناء الأعيان وسبعة ممن تم انتقاؤهم من فئات الشعب، منهم من لا يزال اليوم ضمن فريق عمل الملك وعلى رأسهم فؤاد علي الهمة. بعد اعتلائه العرش، كان يلزم العاهل الجديد ديوان جديد, ينسجم مع سياسته ومع طموحاته، والأهم أن يحظى بثقته. انتبه الفريق الجديد بسرعة إلى أنه في حاجة إلى كفاءات اشتغلت إلى جانب الحسن الثاني، كزليخة نصري ومحمد معتصم وآخرين. المشترك بين الهمة، نصري ومعتصم وأخرون أنهم ينحدرن من أسر متواضعة، أهلتهم كفاءاتهم وثقة الملك فيهم إلى شغل مناصب حساسة والتكلف بملفات أكثر حساسية. وقد اعتمدنا في تحرير البورتريهات على ما كتبته الصحافة الفرنسية وبعض المجلات والدوريات. زليخة نصري: القوة الاجتماعية أول امرأة ضمن مستشاري الملك وآخرهن حتى اليوم، وهي عين «ملك الفقراء» على الجبهة الاجتماعية. إنها سيدة المهام الصعبة وهو ما تعودت عليه، لا سيما مع بداية العهد الجديد، حيث أنها دائما على أهبة الاستعداد. لقد أصبحت تربطها علاقة ود وثقة بالملك محمد السادس، الذي تعرفت عله منذ كان وليا للعهد سنة 1999، بعدما كان الملك الراحل، الحسن الثاني، قد عينها سنة 1997 كاتبة للدولة في التعاون الوطني، ثم مستشارة ملكية سنة 1998 . كانت زليخة نصري وراء وضع أسس مؤسسة محمد الخامس بتنظيمها أسبوعا للتضامن في عهد الملك الراحل. ومنذ انطلاقة المؤسسة فعليا، لم تعد تفارق «ملك الفقراء » : بجانبه دائما أثناء تدشين مستوصف، أو وضع الحجر الأساس لأحد مراكز التكوين. تبدو متراجعة إلى الوراء بعض الشيء، في الصور، إلا أنها حاضرة بقوة وباستمرار. عينها بكل مكان... «بمجرد أن يكون هناك مشكل، فإنه يتم إخبار المؤسسة ولو برسالة غير موقعة. بإيجاز، إننا نتوصل بالخبر ثم نتكفل بالباقي»، كما أوضحت في حوار أجرته مع إحدى الجرائد الوطنية. تُخبر الملك بما يحدث، فلا يُخفي بدوره غضبه ويكون ذلك أحيانا داخل حميمية مكتب حيث لا يكون هناك سوى شاهد وحيد، اسمه زليخة نصري. تخبر الملك بمشروع دشنه إلا أنه لا يسير وفق ما سُطر له، أو أصبح الحديث عنه موضوع وسائل الإعلام؛ ما حدث مثلا خصوص المؤسسة الخيرية بعين الشق خلال شهر أبريل 2005 . توصلت المستشارة الملكية بقرص صور بعث به نزلاء المؤسسة الذين كانوا يدينون شروط عيشهم اللاإنسانية. أطلعت زليخة نصري ملك البلاد بتفاصيل ما يحدث، وهي تعرف ما يريد البعض إخفاءه عليه وأين يوجد؛ فما كان على الملك إلا أن غيروجهته للوقوف بنفسه على حجم الأضرار. كثيرا ما كانت المستشارة عين الملك على المجتمع المدني. خلال شهر دجنبر 2001، زارت المرحومة آسيا الوديع التي أوقفت حياتها للنضال من أجل المعتقلين، وبوجه خاص القاصرين من بيتهم. بل إنها كانت تعمل على اقتناء وتهيئة فضاء يخصص للمعتقلين الشباب، وقد زارته زليخة نصري وسجلت موضوعه ضمن الأولويات. بعد مرور يومين، كانت التصاميم جاهزة. و بعد أيام قليلة زار محمد السادس جمعية آسيا الوديع، ليعلن بعد أقل من عام ميلاد كيان ملكي جديد: مؤسسة محمد السادس لإدماج السجناء. « لقد حثت المستشارة على ذلك، وقدمت يد المساعدة » صرحت آسيا الوديع، وعلق نورالدين عيوش « إنها ادريس البصري الإيجابي». لثقة محمد السادس فيها وفي فعاليتها، فهو يطلب منها التدخل أحيانا في بعض القضايا الهيكلية، كمشكل السكن الاجتماعي ومشروع مدن بدون صفيح. دخلت زليخة نصري على الخط، وترأست خلال شهر يونيو 2011 لجنة مكلفة بالمراقبة الدقيقة لإنجاز السكن الاجتماعي. حركت الدواليب بين كثرة الإدارات المتدخلة في السكن الاجتماعي ومنعشي القطاع، ووسط ركام الوثائق ظلت متمسكة بالوصفة التي اشتهرت بها: جدول الأعمال، اجتماعات قصيرة وضبط الملفات. « لقد فرضت على المنعشين العقاريين ضرورة موافاتها بتقارير بشكل منتظم. وخطابها إليهم هو نفسه دائما: لقد منحتكم الدولة الإعفاء الضريبي، عليكم إذن أن تقوموا بعملكم ! »، حسب أحد الفاعلين في القطاع. إن زليخة نصري مهووسة بالتفاصيل، متمسكة باحترام المساطر والأمور المتفق حولها كتابيا. والمنعشون العقاريون الملتزمون بتخصيص مساحات خضراء لكل شقة يقومون ببنائها، يعرفون الكثير عن المستشارة. «أين الشجرة؟»، هكذا تسألهم وهي تطلع على التصاميم. لقد طلب منها الملك أن تراقب، وها هي تراقب. سنة 2006، طردت ستين طالبة من دار الطالبة بفاس، وعللت قرارها بكون « شروط الولوج لم تحترم وأن المسؤولين عن المؤسسة تسرعوا. لقد خدموا أٌقاربهم أوأشخاصا ليسوا هم من ينبغي أن يستفيد من خدمات المؤسسة ». القانون هو القانون، بالنسبة لها هي التي تعيش باستمرار تحت إكراه النتيجة. « بإمكانها أن توبخ المتعاونين معها في حاله تعثر العمل، أو أنه ليس كما ينبغي له أن يكون، إذا كان لا يستجيب لمتطلبات الملك »، يصرح أحد العاملين من زليخة نصري. لم تعد مسؤولة عن الحقل الاجتماعي فقط... فبعد وفاة المستشار الملكي مزيان بلفقيه - ماي 2010 -، وبينما كان الكل يسأل عن الخلف، كلفها الملك ببعض الملفات الضخمة التي كانت تحت مسؤولية المستشار الراحل. أيام قليلة بعد الوفاة، في طنجة، كانت زليخة نصري إلى جانب الملك مرة أخرى، حين كان نيكولا ساركوزي يدشن أشغال القطار المغربي الفائق السرعة، وهو المشروع الضخم الذي يتطلب غلافا ماليا كبيرا: 33 مليار درهم. فغادرت زليخة نصري طنجة وفي حقيبتها ملف جديد ورثته عن مزيان بلفقيه. هل هي خلفه إذن؟ . كذلك اعتقد البعض حين كان مصطفى الباكوري يعرض على الملك محمد السادس مشروع الطاقة الشمسية بحضور زليخة نصري. ويقول أحد المقربين: « لم يكلفها الملك بكل ملفات مزيان بلفقيه، بل فقط بالمشاريع ذات الأولوية لأنه يعرف أنها ستعمل بجد لبلوغ الأهداف المسطرة ». إنها منضبطة في عملها إلى درجة أنها لا تبالي إذا كان ما ستقوم به ستترتب عنه أزمة يبلوماسية. سنة 2005، حين كانت زليخة نصري تحجز الوداية لتنظيم حفل عشاء لفائدة مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء. صادف التاريخ مهرجان الوداية الذي يموله الاتحاد الأوروبي، فدخلت المستشارة مواجهة مع العديد من السفراء. استقبلت بعضهم في مكتبها وظلت متمسكة بالفضاء وبالتاريخ، ما جعل بعضهم ينعت سلوكها بالمتغطرس. كانت زليخة نصري تؤدي ثمن خطأ لم ترتكبه ... لكن الآلة انطلقت... ولا يمكنها التوقف. يقول نور الدين عيوش: « كان مزيان بلفقيه يحتفظ بحيز للمناورة ويتخذ المبادرة. لا شيء من ذلك بالنسبة لزليخة نصري. إنها تطبق التعليمات الملكية حرفيا ودائما ». لذلك تحظى بكامل ثقته. فؤاد علي الهمة: ضابط الإيقاع من مواليد 6 دجنبر 1962 بابن جرير، وهو اليوم من الشخصيات السياسية الوازنة في المغرب، والمقربة أكثر إلى الملك محمد السادس؛ لذلك يعتبره البعض الرجل القوي ضمن محيط الملك ومهندس الأجهزة الأمنية والحقل السياسي في البلاد. كل ذلك يرجعه الكثيرون إلى العلاقات التي ظلت تجمعه بملك البلاد منذ كانا معا تلميذين في الثانوية الملكية بالرباط. بعد إنهاء دراسته بالثانوية الملكية وحصوله على شهادة الباكلوريا سنة 1981، واصل دراساته العليا في كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بالرباط، حيث نال شهادة الإجازة في القانون المقارن سنة 1986، وشهادتين للدراسات العليا في العلوم السياسية سنة 1988، وفي علوم الإدارة سنة 1989 . عينه الملك الراحل، الحسن الثاني، خلال شهر أكتوبر 1998، مديرا لديوان ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس؛ وبتاريخ 9 نونبر 1999، عينه الملك محمد السادس كاتبا عاما لوزارة الداخلية، ثم وزيرا منتدبا لدى وزير الداخلية بتاريخ 7 نونبر 2001 . وقد سجل حضوره المثير للنقاش في المشهد السياسي المغربي منذ تأسيسه « حركة لكل الديمقراطيين »، سنة 2007؛ الحركة التي اعتبرها بمثابة خلية للتفكير ما أهلها لاستقطاب شخصيات من كل الأطياف: نبلاء ورجال أعمال إلى جانب مناضلين من اليسار. ثم أعلن بعدها عن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، سنة 2008، الحزب الذي رأى بعض المتتبعين أنه خُلق لقطع الطريق على الإسلاميين وضبط الحقل السياسي في المغرب، لا سيما بعد خلق الائتلاف من أجل الديمقراطية وكان من بين الأحزاب التي انخرطت فيه: الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار. كثرت الانتقادات الموجهة إلى فؤاد علي الهمة، لا سيما أثناء خرجات حركة 20 فبراير. ما نجم عنه استقالته من مراكز المسؤولية داخل حزب الاًُصالة والمعاصرة واختفائه من المشهد السياسي ، بحيث أن آخر ظهور له كان بتاريخ 1 يوليوز 2011، بمناسبة الاستفتاء على الدستور. ما جعل البعض يعتقد أنها نهاية الرجل الذي ظل يحتل مقدمة المشهد السياسي في المغرب طيلة سنوات. إلا أن أصحاب هذا الرأي سرعان ما انتبهوا إلى أنهم تسرعوا، بعد تعيين فؤاد علي الهمة مستشارا للملك بتاريخ 7 دجنبر 2011 . وكان على رأس المتسرعين عبد الإله بنكيران الكاتب العاتب العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة. فبعدما سبق له أن صرح باستحالة العمل أو التعامل مع الهمة، عاد ليقول « بما أن الهمة أصبح مستشارا لعاهل البلاد، فإنه لم يعد لدينا سبب لانتقاده »، بل كان هناك اتصال هاتفي بين الرجلين اتفقا خلاله على فتح صفحة جديدة في العلاقات فيما بينهما. ويبدو أن المفاوضات التي سبقت ميلاد حكومة عبد الإله بنكيران، في نسختها الثانية، غيرت بشكل ملحوظ موقف أعضاء حزب العدالة والتنمية من المستشار الملكي. ففي حوار أجرته معه جريدة الشرق الأوسط، صرح الأمين العام للحزب أنه تخلص من ماضيه الذي كان مبنيا على الصراع مع المحيط الملكي، ولم يفته أن يُثني على الدور الكبير الذي لعبه فؤاد على الهمة في تشكيل الحكومة الجديدة ويقدم عنه صورة السياسي « البراغماتي » و «المرن» مؤكدا «الجميع يعرف أن لفؤاد علي الهمة مكانة خاصة ». وللتذكير فهذا التصريح لا يصدر عن أحد المقربين إلى الهمة، بل عن أحد ألد خصومه السياسيين. ما يثبت أن الهمة يُتقن ضبط الإيقاع بشكل جيد.