في الساعة العاشرة ونصف صباحا من يوم الجمعة 17 يناير 2014، استمع المفتش العام لوزارة العدل إلى الأستاذ أنس سعدون بحضور مفتشين. وقد تمحور موضوع الاستماع حول رسالة نصية شخصية موجهة عبر بريده الالكتروني الخاص لعدد من المنابر الإعلامية لحضور مناقشات المجلس، وأخذ وجهة نظر الدفاع في أحد الملفات المعروضة حاليا أمام المجلس الأعلى للقضاء، والتي يعتبر من بين هيأة فريق الدفاع فيها. وبعد تقدمه بطلب مؤازرته من طرف رئيس نادي قضاة المغرب، تمت المناداة على الأستاذ ياسين مخلي الذي حضر بداية الاجتماع لمدة ثلاثين دقيقة، إذ تمت مناقشة مواضيع عامة مختلفة غير مرتبطة بموضوع الاستدعاء، ليستكمل الاستماع إلى الأستاذ انس سعدون في محضر قانوني -منفردا- بعد رفض طلب المؤازرة بأنه غير متاح قانونا. وتقدم الأستاذ أنس سعدون بعدد من الدفوع الشكلية أهمها: 1 - أن الاستماع له كقاض يؤازر أحد زملائه القضاة المحالين على المجلس الأعلى للقضاء- قبيل ثلاثة أيام فقط من موعد جلسته، وعلى خلفية موضوع له علاقة شديدة الارتباط بهذا الملف المعروض على أنظار المجلس، يعتبر خرقا لحقوق الدفاع، ومحاولة يائسة لترهيب القضاة ومنعهم من مؤازرة زملائهم أمام المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية وضعت بالأساس لحماية ضمانات استقلال القضاة والقضاء. 2 - استدعاؤه إلى جهاز المفتشية العامة بوزارة العدل، دون تمكينه من صك الاستدعاء، ودون إخباره بموضوع الاستدعاء، يعتبر مسا خطيرا بحق الدفاع، إذ أن تعمد حرمانه من معرفة موضوع وأسباب الاستدعاء من شأنه أن يضيع عليه فرصة اعداد الدفاع والإدلاء بالوثائق والحجج المساندة. وهو ما يعد اغتيالا مباشرا للفصل 120 من الدستور الذي ينص على أن حقوق الدفاع مضمونة. 3 - الاستماع إلى قاض من طرف المفتشية العامة على خلفية رسالة شخصية وخاصة وجهها لعدد من الصحافيين عبر البريد الالكتروني تعد سابقة في تاريخ القضاء الوطني، وربما الدولي. والورقة المدلى بها وهي عبارة عن نسخة من رسالة شخصية تدفع للتساؤل عن مصدر هذه النسخة المدلى بها، وكيفية توصل المفتشية العامة بها، وهو ما يعد مساسا خطيرا بحقه كمواطن في عدم التلصص على حياته الخاصة وعدم انتهاك حرمة سرية اتصالاته ومعطياته الشخصية، وهو خرق سافر للفصل 24 من الدستور الذي يكرس الحق في الحياة الخاصة، وينص على أنه: لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية كيفما كان شكلها. وخرق سافر للقانون 08/09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وبخصوص موضوع الاستدعاء، وعن مجموع الأسئلة المتمحورة حول كون ما قام به من استدعاء المنابر الاعلامية لحضور المحاكمة التأديبية التي يعتبر عضوا للدفاع فيها، وما إذا كان ذلك يشكل إخلالا بواجب الوقار والكرامة، صرح بأن ذلك كان قرارا لهيئة الدفاع، أساسه العلنية المستوجبة كأحد ضمانات المحاكمة العادلة، اعتبارا لما هو مستقر عليه وفق أفضل التجارب الدولية للمجالس التأديبية للقضاة، وليس من شأن توجيه الدعوة المذكورة أن يشكل مخالفة تأديبية، وأن رفض وزارة العدل السماح للصحافة بحضور أطوار المحاكمة أمر يخص تدبيرها لحرية الصحافة وحقها في تغطية الأخبار التي تهم المواطنين، فضلا عن أن ما قام به لم يكن بصفته القضائية بل باعتباره عضو لفريق الدفاع، وبالتالي لا مجال لإسقاط المقتضيات القانونية المتعلقة بواجب الوقار أو التحفظ، لمساس ذلك بممارسة حقوق الدفاع أما المجلس الأعلى للقضاء. وتخلل الاستماع أسئلة أخرى تتعلق بسند العلنية المقترحة، وما إذا كان القانون يسمح لقاض مؤازر بأن يلتمس ذلك، فكان جواب ذ. أنس سعدون، بعد أن تحفظ في ذكر أساس العلنية المرجوة إلى حين المرافعة أمام المجلس، موضحا أن حقوق الدفاع تتيح له توجيه أي ملتمس وأن المجلس يملك صلاحية التقرير بقرار معلل وأنه ولئن كانت هناك أعراف تقضي بسرية أشغال المجلس، فإن هذه الأعراف قابلة للتطور بتنزيل مقتضيات دستور 2011 وأنه ثمة فرق بين سرية المداولات وسرية المناقشات، وأن الهدف من الملتمس هو ضمان حق المواطن في المعلومة وتعزيز ثقته في القضاء وضمان شروط المحاكمة العادلة طبقا للفصل الرابع من القانون الأساسي لنادي قضاة المغرب، فضلا عن عدم وجود أي مقتضى قانوني في النظام الأساسي لرجال القضاء يمنعه من التقدم بهذا الملتمس، وعن سؤال حول ما ما قام به من هدر لوقت المنابر الاعلامية والإساءة الى صحافييها بعد منعهم من الدخول الى الوزارة، أجاب بأن فريق الدفاع غير مسؤول عن هذا المنع الذي تسببت فيه وزارة العدل والحريات في إطار تدبيرها لحرية الصحافة وحقها في تغطية الأخبار التي تهم المواطنين، مضيفا بأنه لا يرى أن الصحافة ملزمة بالإدلاء باستدعاء من الوزارة إذا أرادت الاتصال بهذه الأخيرة في أمر يهم الشأن القضائي والعدالة، لأن ذلك يمس باستقلال الصحافة كسلطة رابعة مستقلة. كما أن فريق الدفاع تواصل مع وسائل الاعلام قبيل الجلسة وبعدها وبالتالي لم يكن هناك أدنى هدر لوقت المنابر الاعلامية. خاتما أقواله أن التواصل مع الصحافة لا يمس مطلقا بواجب الوقار والحياد المفروض على القضاة.