قد نجزم بأن مسارالممثل المغربي محمد مفتاح الفني ينتمي إلى فئة الفنانين الذين يمتلكون ملامح الشخصية السينمائية التي ليست بحاجة إلى اثبات ذلك أمام كاميرا المخرجين ، بل الأدوار التي أداها جعلت منه عنوان لواحد من الوجوه السينمائية المألوفة والمشهورة في السينما العربية والعالمية قبل المغربية.. وإذا كانت الدراما التاريخية السورية ، قد سرقته ليصبح النجم المغربي الوحيد، الذي تسند له أدوار البطولة فيها، باعتباره أول ممثل مغربي يشارك في مسلسل سوري، وكان ذلك في سنة 1999، في مسلسل «الفصول الأربعة» للمخرج حاتم علي..، فهذا يعني بأن الدراما التلفزيونية السورية ، شكلت في مساره الفني ، مرحلة تحول كبير في حياة مفتاح، حيث سطع نجمه على المستوى العربي، حتى أضحى الاسم المغربي الوحيد الذي يعرفه المشارقة في مجال التمثيل. ويدين مفتاح بشهرته العربية للمخرج حاتم علي، الذي قدمه في عدة أعمال ناجحة، وأسند له أدوارا رئيسية في مسلسلاته التاريخية التي صورت معظم مشاهدها في المدن المغربية، حيث عثر على ديكور حقيقي للأجواء الأندلسية، مثل مسلسلاته التي تطرقت للوجود العربي في الاندلس، وهي: «صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، «ملوك الطوائف» الذي برع فيه في تجسيد دور الوزير «ابي عمار»، وغيرها من الأدوار الرئيسية. وإذا سبق لمحمد مفتاح ، أن صرح «حاتم علي له فضل تقديمي للسوريين والعرب بشكل عام، وعملت معه في مسلسلات تعتبر من الروائع في تاريخ الدراما العربية، وكانت أدواري من أروع الأدوار التي لعبتها في حياتي، اذ لم أجد مثله في عمله وانضباطه»، فهو برأيه «متفرج وقارئ جيد وقليلون هم المخرجون الذين على هذا الشكل». ويعتبر بأن مشاركته في الانتاج التلفزيوني السوري لم تكن يسيرة وسهلة منذ الوهلة الاولى. ويقول في هذا الصدد، أنه وجد صعوبة كبيرة في تشخيص دوره باللغة العربية الفصحى، والملاحظة التي كانت توجه له هي أنه لم يستطع التخلص من اللكنة المغربية، شأنه في ذلك شأن العديد من الممثلين المغاربة، وبالتالي كان اداؤه يبدو غير منسجم إلى حد كبير مع باقي الممثلين، لكنه استطاع بعد مدة قصيرة، كما قال، التخلص من لكنته، والتأقلم مع الدور بشكل جيد. مضيفا أن «الممثل المغربي لديه طاقات كبيرة في مجال التمثيل، ولا تنقصه سوى التجربة التي يمكن اكتسابها من خلال المشاركة في أعمال ذات مستوى جيد». وهذا مايفسره تصريح للفنان السوري جمال سليمان الذي قال: «في المغرب ممثلون متميزون ويكفي ذكر الفنان محمد مفتاح الذي اشتغلت معه في أكثر من عمل للتدليل على هذه الحقيقة». وعن كون «السوريين جعلوا الممثلين المغاربة مجرد «كومبارس» في أعمالهم الدرامية»، يقول محمد مفتاح «هذا كلام خاطئ، فلا يمكن أن نقول أن الدراما السورية توظف المغاربة ككومبارس، بالرغم من وجودهم بطبيعة الحال بسبب التصوير في المغرب، كما أن أي ممثل يشارك في حوار واحد يخرج من هذا المسمى. أما عدم قدرة بعض الممثلين المغاربة على أخذ الأدوار الرئيسية، فأنا لا أقول أنهم لم يستطيعوا، فأنا أُعطِيتُ أدواراً مهمة في مسلسلي «صلاح الدين» و «صقر قريش»، لكن دوري في «ربيع قرطبة» كان صغيراً وهذا لا يعني أنني ممثل دون المستوى، لكن طبيعة الدور تتطلب محدودية المشاركة». في هذا السياق يجزم مفتاح أن «الدور الصغير إذا أديته بطريقة جيدة يصبح كبيراً ويترك أثراً في أذهان المشاهدين. وفي الحقيقة، ليس هناك دور صغير وكبير، إنما هناك ممثل كبير أو صغير». وهذا ما يفسر كلامه عن مسلسل «ملوك الطوائف» الذي اعتبره «مسلسل كان تحفة فنية بعد مجهود تقني وفكري وفني هائل، وأن الجميل عند المخرج حاتم علي هو (الكاستينغ) أي أنه اختار الممثل المناسب للدور المناسب وهذا الأمر بالمناسبة له 50 % من نجاح العمل، وللأسف الكثير من المخرجين والشركات لا يعطون هذا الجانب حقه، ولا يجب أن ننسى أن الممثلين الذين شاركوا في العمل تألقوا إلى حد كبير وخاصة جمال سليمان وسلاف فواخرجي التي فاجأتني ، أما أيمن زيدان فقد بهرني فقد كان عملاقاً قوياً وفناناً كبيراً وقدم أحد أهم أدواره على الإطلاق، وأعتقد أنه قدم اللحظات الأخيرة من حياة المعتضد بشكل لا يستطيع أي ممثل الوصول إليه». من جهته، اعتبر الممثل محمد مفتاح، أن شعوره تجاه الأدوار التي مثلها للعديد من الشخصية ذات تاريخ معروف، هل يحزن عليها إذا انتهت بشكل مؤسف عليه كشخصية «ابن عمار» ، يقول : «فعلاً حزنت لمصير هذا الرجل الذي كان بحق رجل الأندلس في مرحلة ملوك الطوائف ولكن في النهاية أنا محمد مفتاح وهو ابن عمار». وفي استقصاء لما كتبه مجموعة من النقاد عن أداء محمد مفتاح عن مجموع الأعمال الدرامية التي مثلها ، نجدها بأنها نوهت بروعة أداءه وتشخيصه للشخصيات التاريخية ، حيث اعتبرته أنه يقدم درسا مهما في تعاطيه مع الأداء من خلال جعل الشخصية الممثلة تحظى بمكانة أكبر وجعلها شخصية محورية في وجدان المشاهد ، متفوقا في جعلها شخصيات ذات مؤشر مؤثر وهام مرتبط بمناخ تلك الحقبة التاريخية التي يدور حولها العمل الدرامي ، مجسدا بوعي كامل و بعفوية مدروسة : العذوبة و البلاغة و الاحساس و الذكاء و الفخر و الاعتزاز ..، بعيدا عن التكلف و تصنع القوة التي تصيب أداء الممثل في بعض الأدوار التاريخية ، وذلك في غاية الاقتدار والابداع ، دون اغفال انسجامه التام مع النص و الاخراج .. وعن عقد الشراكة التي جمعت مابين الدراما السورية والفنانين من المغرب العربي ، ينظر محمد مفتاح إلى هذا الموضوع بأنه «بلا شك كلا الطرفين استفاد من الدراما السورية. فالدراما السورية استفادت من وجود أسماء عربية مهمة في أعمالها وهذا التنويع ساهم في انتشارها عربياً. ونحن كفنانين مغاربة كانت بالنسبة لنا تجربة مهمة ونافذة جميلة سمحت لنا بالإطلالة على المشهد الفني في الشرق العربي ، وأعتقد أن الدراما السورية حققت ما عجزت عنه السياسة وهو توحيد العرب على الصعيد الفني». وإذا كان الممثل محمد مفتاح، قد سبق له أن شارك في عدة أفلام ايطالية، وانجليزية، وفرنسية، وشارك في العديد من الأفلام السينمائية المغربية من بينها: «جارات ابي موسى» لمحمد عبد الرحمن التازي، «ياقوت» لجمال بلمجذوب، «وبعد» لمحمد اسماعيل، «طيف نزار» لكمال كمال، و«عطلة نهاية الاسبوع» لداوود اولاد السيد، «كوماني» لنبيل لحلو ، «قصة أولى» لمصطفى الدرقاوي، «طبول النار» لسهيل بنبركة .. وغيرها من الأفلام التي اتقن فيها آداء وتقمص شخصيات متنوعة، فلم يسجل عنه أنه سقط في أدوار نمطية سواء في التلفزيون أو السينما..