لقد خلق المهرج، أصلا، ليكون مهرجا فقط طيلة حياته ولا شيء غيره، ذلك أن ثمة حاجة نفسية مبيتة تدفعه إلى ممارسة التهريج تحت غطاء قول «»الحقيقة»« والدفاع عنها بمختلف الرسائل. فهناك المهرج السياسي الذي حلم به الوقت وأخذ يهتبل الفرص، مثل كثير من »»الزعماء»« الذين تناسلوا في السنوات الأخيرة من موقع أحزابهم الميتة مثل «»جماهيرهم«« الميتة! وهناك المهرج الفني (مسرحيا كان أو سينمائيا) الذي يملأ الدنيا صراخا وعويلا مدعيا بأنه »»الضحية»« رقم واحد في المغرب، في حين أن وضعيته المادية جيدة، إذ أن له نفس »»خطاب»« الشكوى في مختلف المنابر والملتقيات كذلك هناك المهرج الاقتصادي الذي ما يفتأ عن «»التحليل»« والتنبؤ، دون أن ننسى المهرج الاجتماعي الذي يدعي معرفته بمشاكل كل المجتمع المغربي، هؤلاء جميعا يشتركون في خاصية واحدة هي الكذب والجهل، حيث نراهم على شاشات التلفزة يقولون كلاما عاديا لا غير، فمن يقوى على مجاراة الراحل بول باسكون في معرفته العميقة بالعالم القروي - الفلاحي؟ أما المهرج الاعلامي مثل نور الدين عيوش، فهو من نوع آخر: إنه يريد أن يستبق الأحداث السياسية والثقافية ليقفز فوقها وليصنع من نفسه الحدث الإعلامي البارز! في 2007، قام بحملة دعائية لفائدة الدولة أطلق عليها اسم» »2012 دابا«« لحث الناس على الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، كان ذلك بالضبط في صفوف الشباب، وفي نهاية المطاف ذهبت أموال الدولة هباء »منثورا«، لقد سجل على هذه الحملة عزوف كبير عن المشاركة في هذه الانتخابات حتى أن حزب العدالة والتنمية لم يقر إلا بنسبة ضئيلة، وطبعا، لا يمكن للدولة إلا أن تضع في جيب عيوش مبلغا محترما نظير حملته الدعائية، هو الخبير في قضايا القروض الصغرى التي جنى منها وأعلن عن إفلاسها، هو الخبير في الإشهار منذ وكالة »»هافاس»« للمغربي اليهودي بنعيم إلى وكالة »»شمس»« الإشهارية، مع ذلك لا يمكن إلا نسجل على الرجل حماسه وحبه للوطن وللإسلام وللمغاربة أجمعين، لقد «ساعد»« كثيرا النساء المغربيات الفقيرات بقروضه الصغرى. مناسبة هذا الكلام ما شاهدته مؤخرا على شاشة القناة الأولى، من مناظرة غير متكافئة بين الأستاذ عبد الله العروي والمدعو نور الدين عيوش، وهذه «»المناظرة«« صبت كلها في خانة النقاش الدائم حول اللغة الدارجة ومدى إمكانية تدريسها في التعليم الأساس، إذ لو كنت مكان الأستاذ العروي لرفضت الجلوس الى جانب عيوش، ليس لشخصه كإنسان، بالعكس و لكن لجهله بالدراجة ومكوناتها ورموزها البلاغية وإشاراتها القوية وصوتياتها، ناهيك عن جهله بالفصحى أيضا .أما الفرنسية فهي لغته اليومية في التخاطب والتعامل التجاري لا ترقى إلى ما يكتبه العروي والخطيبي واللعبي وغيرهم، معنى هذا أن الدعوة الى التدريس بالدارجة ليست بريئة ثقافية، بل سياسيا، ذلك أن ثمة حملة خفية، من طرف بعض الفرانكفونيين، تستهدف المساس بكيان المغرب وهويته الثقافية والإثنية. لقد سبقت السيد عيوش، منذ سنتين، سيدة أمريكية مقيمة بطنجة دعت بدورها الى الكتابة بالدارجة، فماذا أضاف هو نفسه أمامنا عروض المسرح المغربي بالدارجة، أمامنا مسرح الطيب الصديقي ومسرح اليوم لعبد الواحد عوزري وثريا جبران ومحمد الجم والزروالي وبقية الفرق الأخرى، كذلك أمامنا أغاني ناس الغيوان وجيل جلالة ولمشاهب والسهام، أيضا، أزجال لمسيح ومراد القادري وإدريس المسناوي إلخ. إن كل هذا التراكم الفني والأدبي ليعزز مكانة الدارجة كلغة عربية نقية وصافية قريبة جدا من الفصحى. منذ سنوات خلت من القرن الماضي، دعا الشاعر اللبناني المتميز سعيد عقل، الى التخلي عن العربية والكتابة باللهجة اللبنانية، فثارت ثائرة المثقفين هناك في بيروت وشنت عليه حملة شعواء هو الذي يكتب بأناقة وببلاغة قل نظيرها عند شعراء القصيدة العمودية،ومع ذلك لم تفلح دعوته. إن سعيد عقل، استمر في كتابة الشعر بلغته الفصحى إلى الآن رغم بلوغه المئة سنة، وها هو السيد يفيق من رماده ليدعو إلى الدارجة كما لو كانت حلا نهائيا لأزمة التعليم، والحقيقة أن المسألة، في نهاية الأمر، ليست لغوية بقدر ما هي سياسة تعليمية شاملة ظل المغرب يتخبط فيها منذ الاستقلال الى الآن. ألم يكن المرحوم عزيز لحبابي ضد الدارجة؟ ********** لست متعصبا للغة العربية كما قد يتوهم السيد عيوش، أنا أيضا اكتب بالدارجة التي تتوفر على حمولة لغوية قوية من حيث الجرأة والصدمة، فقوتها تفوق أحيانا الفصحى التي لاتزال في حاجة إلى من يخلصها من طهرانيتها إن اعطاء تلامذتنا آيات قرآنية كريمة صعبة، دون تفسير لغوي ومعنوي لمن شأنه أن ينفرهم من هذه اللغة المقدسة، لقد كان ابناي يشكوان لي من صعوبة فهم الآيات.