تصريحات الشيخ أبو النعيم في حق رموز الحركة السياسية والفكرية التقدمية الوطنية، وفي حق النساء التقدميات، وهي تصريحات مليئة بالجهالة والحقد الأسود، تطرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام، حول طبيعة البنية الفكرية والشعورية المتحكمة في إنتاج النظرة التي ينظر بها المتزمتون، ودعاة التطرف والتعصب من كل حدب وصوب، إلى قضايا المجتمع والتي تحدد حساسيتهم إزاء كل الأشياء الحية والمتحركة المحيطة بهم : إنها بنية منغلقة و سطحية، تتحدد عناصرها الأساسية في ثلاثية الخوف والإقصاء والأحكام الجاهزة . الخوف من كل تطور أو تجديد، لان التطور والتجديد يجعلهم ، عند المقارنة مع الناس الحقيقيين لا الموهومين أمام فراغ وجودي فظيع، لا يستطيعون تحمله ولذلك تراهم غير متشبثين بالدين والتدين كما يدعون ، الدين كعقيدة ومعتقد ، والتدين كسلوك روحي ، ولكن تشبثهم هو بالماضي الذي يعمدون إلى تحنيطه في عقولهم، محاولين إيهام الناس بأن تحنيط ماضينا هو السبيل والمدخل للنجاة والسلامة . الإقصاء كعنصر ثان ضمن هذه البنية يعزز لديهم الميل الدائم والمستمر إلى تكريس الفكر الوحيد والرأي الوحيد والحجة الوحيدة، يريدون تشييدها استنادا إلى قراءة وحيدة هي الأخرى وسطحية للنصوص الدينية . وعقلية الإقصاء لا يمكنها أن تنتج غير الكراهية للآخر الذي يذكر وجوده وحضوره بوجود الإمكان التاريخي والموضوعي لقراءات أخرى وتفسيرات أخرى، وإذن لا اجتهادات أخرى ،مما يدخل المتزمت في حالة التشكيك في ذاته ، هو الذي لا تتسع بنيته الفكرية أصلا لقيمة أو مبدأ اسمه الاختلاف . وفي تاريخنا العربي الإسلامي، عانى العلماء والفلاسفة والأدباء والفقهاء المتنورون من تبعات هذا العنصر من عناصر البنية الفكرية الأصولية المتزمتة وقاسوا الويلات من أهوالها من ابن رشد إلى لسان الدين ابن الخطيب. العنصر الثالث ضمن البنية الفكرية والشعورية المتحكمة في السلوك الأصولي ، خطابا وممارسة هو الاعتماد على الأحكام الجاهزة ، المعلبة ، المكتفية بذاتها . وبالطبع فان الاعتماد على الأحكام الجاهزة يعني أن الأصولي، لا يبحث عن المناظرة أو المحاججة أو المداولة، بل يسعى إلى تقديم رأيه جاهزا معلبا لا معللا ، ونافذا لا قابلا للمناقشة ، وبما أن الأمر كذلك, فإن الحوار مع الأصولي يصبح مستحيلا، لأن الحوار يعني أولا الاستعداد للأخذ والعطاء في مسعى البحث عن الحقائق والاستعداد بالتالي لقبول نسبية ما نطرحه من حقائق عند انطلاق المناقشة . والحقيقة أن الميل إلى الأحكام الجاهزة كسلوك يتصف به الأصوليون إجمالا، يزداد حجما وحدة كلما كان المتكلم بعيدا عن قواعد الفقه ، وهذا بالضبط ما لمسناه في ذلك الخطاب الأجوف والفارغ لأبي النعيم، والذي كان أبعد ما يكون عن التحليل والتوصيف والاستنتاج والاستنباط ، وحول كل كلامه إلى ما يشبه قصيدة هجاء سخيفة ، مختلة المبنى والمعنى والوزن. ثم إن هذا الرجل ، أبو النعيم ( القادم من غياهب النسيان ) ولا نسميه شيخا لان للكلمة وقار لا يستحقه) أضاف إلى فراغ المعنى والمعلومة وفراغ المعرفة، وقاحة جعلته يبتعد عن أبسط قواعد الأدب واللباقة والذوق والأخلاق العامة. ألا يمكن أن نقول بعد هذا إن هؤلاء الأشخاص الذين يكفرون غيرهم من عباد الله المواطنين هم حالات سيكولوجية قبل أن يكونوا تيارات أو أيديولوجيات سياسية ؟