«استبشرنَا خيرًا بدستُور 2011، وفصله التاسع عشر، وخلناهُ خاتمةَ التمييز القائمِ على محددِ الجنس، بيدَ أنَّ السنواتِ التِي أعقبتْ تبنيه، لمْ تنهِ مع مظاهر تمييز كثيرة، لا زالتْ تحولُ دون المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة»، بنبرةِ خيبة، استهلتْ ليلَى أميلِي، رئيسة جمعيَّة جسور، مائدةً مستديرة فِي أكادير، حول ملاءَمة مقتضيات الدستور المغربِي، مع الاتفاقيات الدوليَّة المتعلقة بحقوق المرأة. الفاعلة الجمعويَّة تساءلتْ حول ما تمَّ بلوغه من تفعيلٍ للفصل التاسع عشر، وعمَّا إذَا كانَ قدْ أنهَى فعْلًا مظاهر التمييز «نحنُ لا نريدُ أنْ نصور كمَا لو كنَّا ضحايَا يستجدِين العطف، وإنما أولاتِ حقٍّ يكفلهُ الدستور، إذْ لا يعقل أنْ تنصُّ الوثيقة الأسمى للبلاد على إنهاء التمييز، ويبقَى في المقابل، حجر عثرة في طريق المرأة، التِي لا تزالُ غير ذات حق في منح الجنسية لزوجها الأجنبِي، ولا تركِ معاشها للأبناء بعد الوفاة، فضْلًا عن إشكالاتٍ كبرى عند الزواج بغير المسلم، أوْ اقتسام الأملاك عند الطلاق». تستطردُ أميلِي. أميلِي: الوصاية لا زالت تمارس على المرأة المغربيَّة الجمعويَّة ذاتها، أضافتْ أنَّ من صور احتقار المرأة المغربيَّة اضطرارها حين همها بالسفر مع ابنها إلى أخذ موافقة الزوج، وعدم قدرتها على فتحِ حسابٍ بنكِي لابنها، وتركِ باب التعدد الزوجات مشرعًا، يقفزُ عليه الكثيرون بموافقة صوريَّة، خارج ما هو مسموحٌ به في حالة مرض الزوجة الأولى، حتَّى أنَّ الحالة المدنيَّة الجديدة تضمٌّ صفحاتٍ أربع، بعدمَا كانت فِي السابق لا تشملُ المرأة «لكمْ أنْ تتصورُا معِي هذا التناقض! المتحدثَة عزت الجمود الذِي لا زالَ يحولُ دون تفعيل مقتضيات الدستور المتقدمة إلى العقليَّة الذكوريَّة، التِي لا زالت ترى في حصول اتفاق مكتوب بين الزوج والزوجة عند إبرام العقد، مظهرًا من مظاهر العيب والطمع، وهو ما ينسحبُ أيضًا على الإجهاض، الذِي لا يزالُ طابوهًا محاطًا بالسريَّة، رغم أنَّ هناك ما بين 600 إلَى 800 حالة سريّة منه بشكلٍ يومِيٍّ في المغرب، بعضها متعلقة بزنَا المحارم «كيفَ يمكنُ لفتاة تعرضتْ للاغتصاب من والدها، مثلًا، أنْ تذرَ ابنها فِي الرحم؟ وكيف لها أنْ تنشئه بصورة سليمة؟ الباهِي: تراجعاتٌ خطيرة تحصل مع الحكومة «المحافظة» من جانبها، انتقدت البرلمانية الاتحاديَّة، السعديَّة الباهِي، معالجة حكومة بنكيران لملفِّ المرأة، واصفةً إيَّاهَا بالمحافظة، في سياقٍ موسومٍ بتراجعاتٍ خطيرة، تبدَّى مع مجيء النسخة الأولى من الحكومة بوزيرة واحدة، بعدما رفع العدد مع حكومة التناوب وسابقاتها. باهِي نبهتْ فِي معرضِ مداخلتها إلَى أنَّ هناك تناقضًا كبيرًا بين المادة 4 من مدونة الأسرة، التي تنصُّ على أنَّ الزواج ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين امرأة ورجل، وبين المادة ال13 المنصصة على وجوب توفر أهليَّة الزوج والزوجَة فِي عقد الزواج، فيما تنص المادة التاسعة عشرة على حصول أهليَّة الزواج بإكمال الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقليَّة 18 سنة. البرلمانيَّة ذاتها، قالتْ إنَّ حالات زواج القاصرات بالمغرب، بلغت 47 ألفًا سنة 2009، مرتفعة بحواليْ 12 بالمائة من مجموع الزيجات سنة 2011، كما فاقَ عدد طلبات زواج القاصر 44 ألف طلب سنة 2010، 99 بالمائة منها خاصَّة بالفتيات، حكمت المحكمة بقبول 92 بالمائة منها، «فأصبح الاستثناء الوارد في المادتين 20 وَ21، المتعلقتين بإباحة زواج القاصر بوصاية من الولي أو النائب الشرعي أو القاضي، قاعدة»، تقول الباهِي مضيفةً أنَّ أرقام 2012 و2013 فِي تصاعد، بوتيرة تفاقمُ وفيات الأمهات، والعاهات الجسديَّة والنفسيَّة، والتحايل بزواج الفاتحة. آيتْ حمِّي: صعوبات كثيرة لا زالت تعترض النساء فِي غضون ذلك، رأتْ المحامية، رشيدة آيت حمِي، أنَّهُ بالرغم من مجيء الدستور، وهو أسمى قانون في البلاد، واضحًا فِي إقرار المساواة المبنيَّة على الجنس، إلَّا أنَّ صعوباتٍ كثيرة لا تزالُ ماثلة، جزء منها يتعلق بالنظام القانوني، مما يطرحُ ملاءمة المنظومة المحليَّة مع الاتفاقيات الدولية، فيما يقترنُ جزءٌ آخر منها بالظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة، «كلُّنَا نتذكَّرُ الجدل الذِي خلفه رفع المغرب، عام 2009، تحفظاته التِي كان قد أبداها في 1993 على اتفاقيَّة إلغاء جمِيع أشكال التمييز ضدَّ المرأة». آيتْ حمِّي زادت أنَّ الهدر المدرسِي للفتيات غالبًا ما يرجعُ إلَى اختياراتٍ أسريَّة، تنهضُ على تصورات اجتماعيَّة وثقافيَّة تقليديَّة، كتزويج القاصرات، وتفضيل الذكور، «كما يلاحظ تفشِي الفقر وغياب التغطيَة الصحيَة، بصفةٍ خاصَّة، فِي أوساط النساء، كما تحصل النساء بصعوبة على مناصب عليا، ويتعثر مسارهن المهنِي بسبب مسؤوليات الأسرة وضعف مشاركة الرجال في تدبير شؤون الفضاء الخاص»، تزيد القانونية. في سياقٍ ذِي صلة، زادت الناشطة الحقوقيَّة، أنَّهُ بالرغم من التطور الإيجابِي الذِي تشهدهُ حقوق المرأة في المغرب، والذِي توج بالدسترة وإعلان سمو المواثيق الدوليَّة، إلَّا أنَّ تعزيز دور المرأة يقتضِي الإسراع في الملاءمة، والتعجيل بإخراج القانون التنظِيمي لهيئة المناصفة، ومنع كل أشكال التمييز ضد المرأة، باعتبارها هيئة دستورية تشكل سلطة رقابية واقتراحية وتوجيهية مستقلة.